البعد الآخر للصور النمطية

البعد الآخر للصور النمطية

نتعرض لنوع من التهديد ولكن ليس التهديد الذي يخطر في بالك الآن، بل إنه من نوع آخر من التهديد وهو تهديد الهوية. ذلك التهديد الذي يكون على عدّة أشكال بسبب عنصر من عناصر التي تشكّل هوية مجموعة. هذا العنصر يبلور قالباً من الصورة النمطية (Stereotype) مما ينتج عنه عدة سلوكيات مختلفة من المجموعات الأخرى أو قليل من الأحيان يكون من نفس المجموعة منها كالتمييز، العنصرية، موقف متحامل (موقف سلبي تجاه فرد قائم فقط على انتماءه لمجموعة اجتماعية وليس بناءاً على معرفة مباشرة أو خبرة مع ذلك الفرد) وينظر للفرد على أساس هويته لا على ما في داخله من شخصيته وهويته الثقافية وأيديولوجيته. الأنثى منذ أزمان بعيدة وضعت بصورة نمطية على أنها ضعيفة وعملها كربة منزل فقط ، وفي الآونة أصبح هناك تحديات كبيرة تواجهها نظراً للتطور المتسارع، فما أن تشغل منصب معين أو بالتحديد منصب عالٍ كمديرة عامة لشركة ما مثلاً تكون ردود الأفعال سلبية ونظرة الآخرين لها أنّ هي لا تستطيع أن تتحمل مسؤولية إدارة كونها أنثى ضعيفة أقل ذكاءاً وتفتقد مهارات الإدارة الخ.

ما أستغربه حقاً بأن بعض هذه الردود لا تأتي فقط من الجنس الآخر بل أيضاً من نفس الجنس (الأنثى)، للأسف!. وبذلك إمكانية تحويل التصورات والأفكار إلى أفعال في الحالة التي ذكرتها إلى إقبال البعض إلى تحطيم معنوياتها (تكسير المجاديف). هنا يأتي مفهوم آخر وهو تهديد الصورة النمطية، عندما يواجه الفرد ذلك السلوكيات السلبية الموجهة له بسبب التصور المسبق فهذا يُضعف من أداء الشخص وتتأثر نفسيته سلباً لأنه قلق بشأن تأكيد الصورة النمطية السلبية عن مجموعته وذلك مما يجعل منه متقاعساً وكأنما اقتنع بهذا التصور في اللاوعي. أجريت دراسات عديدة في ذلك الموضوع فقد أجرى الباحثان كلود ستيل وجوشوا آرونسون تجربة في الجامعات على الطلاب الأفارقة، إذ أقاموا استجابة لصورة نمطية سلبية عنهم وهي أنّ الطلاب الأفارقة أقل ذكاءاً وكفاءةً من الطلاب البيض. عن طريق إجراء اختبارات الذكاء لهم وقاسوا النتائج في الحالتين، الحالة الأولى قبل إجراء الإمتحان تم تذكيرهم بأن مجموعتهم العرقية يميلون إلى القيام بعمل ضعيف في مثل هذا النوع من الإمتحانات وهذا الإختبار سيقيس مستوى ذكائهم.  كانت النتيجة أنّ أداؤهم أسوء من أقرانهم البيض بينما في الحالة الثانية عند لم يتم التركيز على دور العرق وقيل لهم أن هذا الإختبار سيشخص القدرة على حل المشاكل، اختلفت النتيجة وكان أداء الطلاب الأفارقة مماثل لطلاب البيض.

تجربة أخرى أكدت على هذا الأمر لكن في لعبة شطرنج لقياس أداء الأنثى في اللعبة  فعندما تم تذكيرهن بأن الإناث يميلن أن يكونن أسوء في لعبة الشطرنج من الذكور وقيل لهن أن سيلعبن ضد الذكور فنتيجة كانت أن أدائهن تدنى. وذلك تبيّن النتيجة الحقيقية لتهديد الصورة النمطية للطلاب الأفارقة والإناث على أدائهم مما أحدث فجوة في الإنجاز على أساس العرق والجنس. يكمن خطورة هذا الموضوع في تأكيد على الصورة النمطية دون النظر بأن تهديد هذا التصور هو سبب الذي أدى إلى هذا التراجع والقصور، إذا نظرنا إلى الصورة الأكبر للموضوع نجد أن هناك الكثير من المجموعات في هذا العالم كانت وما زالت الصورة النمطية تهددهم طوال حياتهم بشكل أو بآخر. بالتالي، أدى ذلك إلى تقليل من شأن أنفسهم وغيروا من أهدافهم وطموحاتهم على الصعيد الأكاديمي والمهني إلى ما هو دون مستواهم الحقيقي لتجنب مثل هذه المواقف والتصورات السلبية.

حتى الإلماح الخفي بالتحيّز ضد جنس، أو عرق، أو دين معين يمكن أن يؤدي إلى كبح فعالية الفرد في المدرسة، والعمل، والألعاب الرياضية

برأيي كل فرد في هذا العالم معرّضاً في مرحلة ما من حياته لتهديد الصورة النمطية وليست محصورة فقط على العرق والجنس والدين إنّما هنالك أمثلة أيضاً تمسّ الحالة المؤقتة للفرد لا حصر لها؛ شاب/شابة في مقتبل العمر في بداية مجال العمل، أنثى كمهندسة موقع، أجنبي كمغترب في بلد مختلف، أولئك والكثير من غيرهم ينظرون لهم بقوالب من الصورة النمطية، سؤالي الآن كيف لنا أن نقاوم تهديد الصورة النمطية على أنفسنا؟

الصور النمطية بشكل عام متغلغلة في عقول المجتمعات بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية والحضارية، وإزالة تلك التصورات في العقول ليس بالأمر السهل. تهديد الصورة النمطية تأثيره متعلق بالذهن ونفسية الإنسان، والسيطرة عليهما يتطلب جهد لا بأس به. لكن، ما نتطلع عليه حقّاً أن يكون الفرد مدركاً وواعياً على تلك المفاهيم وما مدى تأثيرها وذلك يمكنه أن يساعد في الحدّ من تأثيره  ونتائجه على الفرد. القاعدة الأساسية التي يجب على كل إنسان أن يعمل بها في حياته هي السعي الدائم والمثابرة لإثبات قدراته هو الأهم والإيمان الحقيقي بأنه يستطيع أن ينجز مهما كانت الآراء من حوله سلبية أم إيجابية.

البحث يعلم الإنسان الإعتراف بخطئه والافتخار بهذه الحقيقة أكثر من أن يحاول بكل قوته الدفاع عن شيء غير منطقي خوفا من الإعتراف بالضعف بينما الإعتراف علامة القوة

جمان الحديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *