في أحيان كثيرة، تنتاب أنفسنا حالة ضعف، أو عدم راحة، وخاصة عند شعورنا بالخجل، الإحراج، الإهانة، أو حتى العار. يراه الكثيرون على أنه شعور لدى الفرد بعدم كفاية أفعاله أو سلوكه للقيم والمعايير المقبولة عامة في المجتمع وفي حاجة إلى مراعاة الأعراف والأخلاق. يهاجم الإحراج كل فرد فينا، الخجل والإحراج من قلة الثقافة أو المعرفة، الخجل والإحراج من الوضع المادي، الخجل والإحراج من عدم امتلاك ماركات شرائية معينة، الخجل والاحراج من عدم أداء الواجبات الإجتماعية، الخجل والإحراج من التحدث أمام الناس، او حتى ابداء رأينا أمام الناس. يترافق مع الشعور بالخجل أو الإحراج، الشعور بالخوف؛ ذاك أن الفرد يصبح يخاف أن يعبر عن رأيه، قولا وفعلا، خوفا من ردود الفعل السلبية، أو أن يسخر منه، أو ينتقد، أو يهان، أو حتى أن يتم رفضه.
قد يصاب الشخص الذي يتعرض للأحراج بالآلام كثيرة؛ الآلام الجسدية، الاكتئاب، وتدهور الثقة بالنفس والقلق. رغم ذلك، يمكنك تجنب كل تلك الآلام، والقضاء على الشعور بالخجل، او العار من خلال عدة أساليب ذكية؛ تخل عن رغبتك بالكمال والمثالية، اذ أن ليس هناك أي أحد كامل، بل حاول أن تكون أفضل بكل موقف من المرات السابقة. قدر قيمة نفسك ولا تقلل منها، بل بالعكس قم بتذكير نفسك بأنك رائع، وبأنك حققت الكثير من الإنجازات، ولا تسمح لأي شخص الاستهانة بك، أو من التقليل من قيمة نفسك. حاول أن لا تكون لطيف أكثر من اللازم؛ ذلك ان كثير من الناس تفهم أن الشخص اللطيف هو حلقة ضعف، وفيما لو فكروا بإحراج أي شخص، فيكون لديهم الشخص اللطيف، او لنقل الضعيف في لغتهم، هو المرشح الاول لإحراجه.
حاول تعلم فن الرد على أولئك الذين يتقصدون احراجك؛ غالباً ما نواجه موقف نحتاج فيه إلى ردٍّ مفحم، لكننا لسبب أو لآخر نصمت أو نرد بطريقة غير مناسبة تجعلنا محرجين أكثر، أو تجعل الشخص المواجه لنا يتمادى في احراجنا. هناك العديد من أهم أساليب الرد على الآخرين، وعند اتقانك لها ستتكون لديك القدرة على المواجهة والرد، ومنها: فن الرد المسكت؛ عادة ما نلجأ لهذا الرد عند تعرضنا لاستفزاز شديد، ونرغب بوضع حد للشخص الذي يستفزنا، ويكون ذلك بالمحافظة على أقصى درجة من الهدوء، ومواجهة الشخص، وذلك أن الهدوء يساعدك على انتقاء رد مناسب. يعد هدوئك بحد ذاته نوع من المواجهة للشخص، الذي كان يتوقع منك أن تثور وتتوتر، او حتى ترتبك، بل وربما نظرة ازدراء بطرف العين لفعل الشخص الذي يتقصد احراجك، من شأنها إيقاف احراجه لك. ربما التجاهل التام يعتبر من طرق المواجهة الأكثر فاعلية، ليس التجاهل في اللحظة المزعجة فقط، بل تجاهل الشخص بشكل مستمر، كأنه غير موجود.
تلعب لغة الجسد دور كبير في الرد؛ اذ يستقبل الآخرون رسائل لغة الجسد أكثر من الرسائل اللفظية، وحسب ما نشرته “الديلي ميل” البريطانية في قوة ايصال الرسائل عبر لغة الجسد، اذ ترى أن الكلام فقط يمثل 7% من ارساله للرسائل، وترى أن نبرة الصوت لها دور بالنسبة 38%، وترى أن حركات الجسم (وجه، ذراعين، عينين)، تلعب دور كبيرا في قوة ارسالها للرسائل، اذ تمثل الحصة الاكبر في ايصال الرسالة، اذ هي تمثل 55% من العملية الاتصالية. اذ عليك أن يكون تركيز نظرك مباشرة بعيني الشخص، واستخدام نبرة صوت عميقة وهادئة، لكنها حازمة وجادّة، وبالتأكيد بكل هدوئك سنضمن لك رد راقي في محله. من فنون الرد الدبلوماسي، الرد بسخرية؛ اذ أنك عندما تسخر من أحدهم، فأنت تقلل من شأن فعله، شأن احراجه لك، بل وتشعره بأن ما فعله مهين لذاته، ولم يؤثر عليك. ومن أمثلة الرد الدبلوماسي الساخر أن شخصاً قال للمتنبي: حسبتك وأنت قادم من بعيد امرأة، فرد عليه المتنبي قائلاً: وأنا حسبتك رجلاً !.
هناك عدة قصص قصيرة تجسد روعة فن الرد، ومنها: ركبت سيدة سمينة جدا الباص، فصاح أحد الراكبين متهكما: لم أعلم أن هذه السيارة مخصصة للفيلة!، فردت عليه السيدة بهدوء: لا يا سيدي، هذه السيارة كسفينة نوح! تركبها الفيلة والحمير ايضا. وقصة أخرى، للكاتب الشهير”برناردشو” حين قيل له: كاتب مغرور، انا افضل منك، فإنك تكتب بحثا عن المال!، وأنا اكتب بحثا عن الشرف، اذ رد عليه برناردشو على الفور، صدقت!، اذ كل منا يبحث عما ينقصه. وفي موقف آخر، حين قال رجل ثقيل الدم للأعرابي الاعمى المعروف “بشار بن برد”: ما أعمى الله رجلا الا عوضه، فبماذا عوضك أنت!؟، فرد بشار: عوضني بأن لا أرى أمثالك.
في كثير من الأحيان، يكون للكلمة أثرها مع نبرة صوت قوية أمام الجميع؛ مثلا: “عفوا”، بل حتى جرب قولها كالتالي” عفواً، لستَ ظريفاً وما قلته للتو غير مقبول”، “أرجو أن تلزم حدودك”، هذه الكلمات وبالنبرة القوية بمثابة اعلام الفرد بأنه لم يلزم حده، بل أنها درس لجميع الموجودين فيما لو لم يلزموا حدهم. من الممكن استخدام الأمثلة الشعبية، كأسلوب رد دبلوماسي للشخص الذي يريد احراجك، وخاصة أنها ترتبط لدى الآخرين بموروثهم الثقافي، وتحرك لديهم الفكاهة، وترتبط أيضاً بسرعة البديهة، ما يجعلها ردود قاسية، تعطي درس لا يمكن نسيانه، لكنها بنفس الوقت دبلوماسية ولا تسبب نزاعاً أو مواجهة في أغلب الأحيان.
بعد أن تدرجنا في اساليب الرد الهادئ والراقي، ماذا لو تعدى الشخص حدوده لدرجة كبيرة؟! ،هنا الشخص لم يحترم حدوده، ولم تنفع معه أساليب الرد الراقي السابقة، لذا هنا عليك بالمواجهة المباشرة لذلك الشخص؛ استخدام ردود قوية ومباشرة بدون اي محاولة لتلطيفها أو تقليل حدَّتها، وذلك بكلام حاد، ونظرات قوية جادة مثل القول: أنت شخص مزعج وما قلته يعتبر قلة تهذيب.
ماذا لو تم احراجي من رب العمل؟ يتعرض الكثرين لهذا الموقف، وهنا نلجأ لرد مهذب وذكي نحافظ فيه على علاقة جيدة، ونعبر فيه عن الانزعاج عن الموقف الذي حدث، اذ يجب الذهاب الى مكتب رب العمل، واختيار الوقت المناسب للرد، فإذا لم تمتلك موهبة الرد السريع المهذب بالفطرة ، اذ عليك التأكد من ضبط نفسك في لحظة الانزعاج، وتأجيل الرد حتى تهدأ لتستطيع اختيار عبارات مهذبة وذكية للرد على مديرك. ابدأ الرد بعبارة ايجابية، واطرح سؤالا؛ اذ ان من فنون الرد المهذب أن نطرح اسئلة تتعلق بما سبب لك الاحراج من مديرك، اذ ان من الممكن أن تكون صيغة السؤال كالتالي؛ “أود أن أعرف إن كنت تعني ما تقوله؟”، أو سؤال “هل بدر مني شيء سيء جعلك تقول ذلك؟”.
أولا وآخرا، الفرد هو المسؤول الوحيد عن ألمه، عن الم شعوره بالاحراج، او حتى جلبه العار لنفسه، ولا نستطيع ان نلزم شخص بالآداب العامة، ذلك انك ما دمت أنت كنت تستهين بنفسك، وتلاطف الناس على حساب نفسك، ولا تضع حدودا للناس. وبعد ذلك، ماذا حدث؟ ظنوا انك ضعيف، لا تستطيع الرد على اسائتهم. أنا الآن موقنه، أن مقدار الاذى الذي يمكن لأحد أن يتسبب به لك، مرتبط بقوتك أنت، لا قوته هو؛ اذ كلما ضعفت زاد، وكلما قويت قل، وهكذا تجد الحمل الصغير يؤكل، بينما الوعل الكبير يهاب، والذئب هو الذئب في الحالتين.
سلام عثمان