ما هو التسامح؟ وهل يساعدنا التسامح بالتركيز على أهدافنا بشكل أكبر؟ يعرف التسامح عمومًا على أنه قرار متخذ عن وعيٍ تام للعفو والتجاوز عن أخطاء الآخرين وتقبل اعذارهم، سواء كانت أخطاء صغيرة جداً أم كبيرة، وذلك بهدف تحرير أنفسنا من الماضي ومن الشعور بالذنب والقلق والحزن وغيرها من المشاعر المزعجة. يهدف التخلص من بعض هذه المعتقدات إلى تحسين طاقة الإنسان النفسية والعاطفية، بحيث يمكنك تطبيقها لخلق إحتمالات وفرص مناسبة تساعدك على تحقيق قدراتك الحقيقية، على عكس الأشخاص الذين عانوا من سوء المعاملة والصدمة والخسارة والعار والذنب. بالإضافة إلى عدم قدرتهم على السيطرة على الأحداث اليومية، تتولد لديهم مشاعر متراكمة من الحقد والكراهية، ليصبح من الصعب الوصول للتسامح.
في كثير من الأحيان نعتقد بأن المعرفة كافية وأن المشاعر تقودنا لمسارات غير منطقية أو خاطئة. لذا فإن المعرفة بحد ذاتها غير كافية، ان إتباع “المنطق” هو صحيح في أغلب الأحوال لكن لا يعني ذلك بأن اتباع المنطق يعني تجاهل المشاعر، بل أخذها بالحسبان دون جعلها المحرك الأساسي لقراراتنا. غالبًا ما تتطلب المواقف مسامحة نفسك وإيجاد طريقة للتعلم من التجربة والنمو كشخص. من أجل القيام بذلك عليك أن تفهم سبب تصرفك بتلك الطريقة ولماذا قادتك للشعور بالذنب. ما هي الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمنع حدوث نفس السلوكيات والاخطاء مرة أخرى في المستقبل؟ نعم ، لربما قد أخطأت، لكنها كانت تجربة تعلمت منها الكثير، يمكن أن تساعدك أيضا على إتخاذ خيارات أفضل في المستقبل وتجنب الأشخاص المسببين للألم النفسي.
الخيارات التي تقوم باتخاذها والأشياء التى تعتقد أنها ممكنة سوف تتأثر جميعها بطريقتك فى عدم الصفح والتسامح، وكلما تعلمت أن تغفر كلما تحولت الطاقة التي كانت تستهلك فى الأفكار والمشاعر السلبية؛ كالإنتقام وترك الشعور يتفاقم في داخلك مثلاً، إلى طاقه لخلق الحياة التي تريدها بدلا من أن تحد وتنتقص منك، أو تخلق المزيد من المعاناة. إن كل ما يتبادر لأذهاننا أن المسامحة تكون للطرف الاخر وتقتصر على أن هنالك طرف ظالم وطرف مظلوم، ولكن أهم نقطة أساسية قد نغفل عنها أن الذات اولاً هي الخطوة الرئيسية لتحقيق التسامح بين الآخرين، إذا استطعنا العفو عن أنفسنا يمكننا العفو عن الغير، وبذلك قد ننمو بطريقة واعية قادرة على استهلاك المشاعر في الأهداف لا الأشخاص. إن الذات السلبية هي من تولد مشاعر الغضب، العقاب أو الأخذ بالثأر، بينما الفطرة الحقيقية للإنسان تسمو بالنقاء، سماحة النفس، الصفاء والتسامح مع الآخرين. التسامح صفة حميدة و مهارة تتطلب التخلص من التعّصب والإنحياز واحترام الآخرين والقدره على الصّفح. خُلُق لا بُدّ من اتّخاذه كبُنية أساسيّة في سياسات البشر وتطلُّعاتهم وتنمية قيمهم والفضائل لديهم بغضّ النظر عن انتماءاتهم، وأديانهم، وطوائفهم، ومعتقداتهم، بهدف بناء عالَم مليء براحة البال، عالم جديد مبني على أسس المحبة والأُلفة والسعادة. إن قليل من الإدراك السليم للأمور من حولك، لذا، سامح نفسك أولاً، ليس فقط لأجل الآخرين بس لأجل سلامك الداخلي، الذي يمكنك من تقبل ذاتك عند ارتكابها خطئاً ما لم يكن بالحسبان.
قلة من الناس يدركون تمامًا التأثير الهائل الذي يمكن أن تحدثه القدرة على التسامح على سعادتهم، ولا يعرف معظمهم أنه مهارة يحتاجون لممارستها قدر الإمكان لتساعدهك على تطوير ذواتهم وشخصياتهم، ومن المهم أيضاً أن يكون التسامح لحياة مليئة بالصحة النفسية والعقلية السليمة. من ناحية أخرى، تميل عدم القدرة على التسامح إلى جعل البعض يفكرون بالإنتقام أو اجترار الأفكار حول كيفية تعرضهم للظلم. يجد الباحثون أن الأشخاص غير المتسامحين يميلون إلى أن يكونوا بغيضين وغاضبين وعدوانيين – مما يجعلهم أيضًا قلقين ومكتئبين وعصبيين- لذلك، يجب الحرص على غرس صمة التسامح منذ الصغر للأطفال مع أخذهم للحق إذا كان قد سُلب منهم، استرداد الحقوق أولاً عند الاستطاعة مع التسامح. الانسان الذي يحمل بقلبه من الممكن يورِث هذه الصفات مع اولاده من بدون وعي, والصفات الضعيفة تورث بشكل أسرع من الصفات القوية لذا يجب تعزيز الثقة والمحبة الذي اطفالنا لعيش حياة مليئة بسلام وراحة البال.
هل أخذ الحق والتسامح فكرتان متضادان؟ قد يعارض البعض فكرة التسامح على أنها نسيان حقوقهم وعدم محاولة استردادها، لم يقتصر مفهوم التسامح على العفو مع نسيان الحق معاً، بل التسامح واسترداد الحقوق سمتان متطابقتان، غير أن القوة تكمن في العفو والتسامح الكامل بعد أخذ الحق. وفي حال لم يكن للمرء حيلة على أخذ حقه مِن مَن ظلمه بعد العديد من المحاولات وانقطاع أسباب استرداد مظلمته، فهنا يكون التسامح صفة عظيمة يدرك المرء من خلالها التعلم من تجربته السابقة واسقاطها على التجارب القادمة. من المؤسف ضياع حياة العديد من البشر في التفكير بكيفية الإنتقام الغير مجدي، منهم من كان ينتظر أن يفتح مشروعه الخاص مثلا، الذي فيه منفعته وتطويره، فينسى حلمه هذا ويجعل كامل تركيزه ليس باسترداد حقه، بل للإنتقام، فلا يمكن تعريف الإنتقام أصلاً سوا أنه سمة ضعيفة جدا تُبعد المرء عن أهدافه وتجعل تفكيره يُصب في غير منفعة.
مثلاً أن نحوّل تركيزنا من كلمة مستحيل، أو سامح إلى كلمة أقدر أو ممكن. كما علينا إعطاء كل التركيز والطاقة في التفكير بطرق مختلفة تجعل العلاقات بين الأفراد أكثر أهمية، و مبنية على التسامح والإحترام من خلال تعزيز الذات. بدل إضاعة الوقت في الإنتقام والغضب وقول من المستحيل أن نسامح، بإمكاننا إستخدام هذه الطاقة بشيء مفيد حيث أنّ المسامحة تجعل الأفراد يفكرون بشكل أفضل. هناك بعض التراكمات التي تجعلنا نشعر بالنقص والفراغ والإستياء، فنفرغ هذه الطاقة بالحقد و عدم التسامح. العالم مليء بالفرص، وهناك ما يكفي من الفرص والنجاح للجميع وبإمكاننا دائماً أن نتميز عن غيرنا بطريقتنا الخاصة و واقعنا. فعندما يكون لديك أيها القارئ مشاعر عدم تسامح يجب أن تعيشها و تجعلها تمر بكل سلاسة و رحابة صدر. في بعض الأوقات يأتينا إحساس بأننا غير مرغوبين و بحاجة لتعبير عما في دواخلنا فالبعض يسمح المشاعر أن تمر من خلال الصراخ،البكاء، والصمت. إسمح لنفسك أن تعبّر, نحن كائنات بشرية تبكي، تتألم، تكتئِب و تفرح في الوقت عينه وكأننا في دائرة صغيرة تسمى عجلة المشاعر نجرّب كلّ المشاعر ولا شيء دائم. إذاً بمقدورنا أن نتعايش مع شعور عدم التسامح، و حتى إن لم نستطع المسامحة لا بأس، ستأتي عندما نسامح أنفسنا ونصغي إليها بكل حُب و تعاطف.
بالنهاية يستمد الإنسان قوته من الصفات صعبة التطبيق كالتسامح، فإذا تمكن الإنسان من مسامحة من ظلمه، يستطيع تطبيق أي صفة آخرى، لذا ما يفعله مسامحة الذات فتح بوابة إحتمالات وفرص لا منتاهية لك ستستطيع من خلالها الإنتباه لها وتمييزها، لأنك لست منشغلاً في الحرب مع نفسك، لذا ستتصالح معها وستقل مقاومتك لها طوال الوقت. الحياة أيضاً في حالة تغير وتجدد ولكل عصر له روح، وحتى تنهال عليك فرصها وتنمو من خلالها بطريقة كريمة تحتاج إنك تواكبها بتجددك، أو بالتخلي عن شيء ما واكتساب ما يتزامن معها. الجمود او عدم التسامح لا يجلب الخير، التجدد ذكاء، فاختر أن تكون نفسك. ولأن ماهو قرارك البسيط الذي سوف تتخذه هذي الفترة ليحدث تغير كبير على المدى البعيد في حياتك؟
رنا ضمرة