الإهمال خلف ضجيج العالم

الإهمال خلف ضجيج العالم

من منّا لم يشعر في صغره بأنه مُهمل في بعض الأحيان وخاصة إذا كان هناك تمييز بين الأخوة. يعيش الفرد منّا ينتظر أن يكبر حتى يحقق أهدافه وأحلامه ليجد الإهتمام، و لكنّه في مرحلة ما من حياته نتيجة للإهمال والهجران يتفاجئ بالكثير من التخبطات والتغييرات السلوكية. يترتب على الإهمال أنماط سلوكية يصعب تغييرها. النمط السلوكي هو عبارة عن علاقة بين الفعل والإنفعال. وأحيانا، يخوض الأشخاص صراعا دائما للحصول على هدف معين بأقل وقت ممكن. يختلف هذا النمط عن حالات القلق العادية من حيث تحديده للأهداف وإصراره عليها، وذلك على عكس القلق الذي يتراجع ليطلب النصح إذا ما أحس أن زمام الأمور قد تفلت من يده. من السلوكيات التي يترتب عليها النمط السلوكي في سن المراهقة عندما يشعر الفرد بالإهمال والهجر من الأشخاص المحيطين به قد تكون على شكل: 

  • الغضب: عندما يعترضنا عائق يمنعنا من تحقيق هدفنا، قد نثور غضبا. يؤدي الغضب لمحاولة الهجوم هجوما مباشرا على العائق لإزالته.
  • حب السيطرة: يتولد حب السيطرة في محاولة لإحتقار النظام وعدم تنفيذ الأوامر مثلا في حالة الطلاب في المدرسية والحط من قيمة الزملاء.
  • العدوان: حيث يكون المراهق كثير العدوان والمشاكل مع زملائه سواء في الفصل أو المدرسة وهذا يؤدي إلى التشويش على زملائه وخلق مشاكل جديدة معهم.
  • الكذب: حيث يتعمد بعض الطلاب الكذب إذا طلب منهم أداء واجبات معينه ولم يفعلها مما يؤدي إلى تأخيره الدراسي.
  • التدخين: حيث يميل بعض الطلاب إلى تقليد ومحاكاة الكبار ويبدأ بالتدخين حتى يدمن على ذلك ويذب اهتمام زملائه إليه ليعلمهم هذه العادة السيئة.
  • عدم الثقة في النفس وإثارة المتاعب في المدرسة وغيرها.

 

يترك الإهمال واللامبالاة آثارهما على الفرد على شكل علامات وطِباع منها عدم الإحساس، رفض مساعدة الآخرين، الشعور بالفراغ، والكمال. يفهم عدم الإحساس على أن الحساسية سمة محفورة في شخصيتك ورد على الإهمال، الذي يؤدي إلى الشعور بالهجر وتخفيض القيمة. يتم التعبير عن عدم الإحساس باللامبالاة والذي قد يكون موجهاً ضد أشخاص آخرين أو الحياة بشكل عام وليس هناك حماسة ولا شغف لأي شيء. يرجع السبب في ذلك إلى أن الشخص تعلّم منذ سن مبكرة أن يثبط عواطفه لأن محيطه لم يقدرها. أما بالنسبة لرفض مساعدة الآخرين؛ خلال فترة الطفولة، كلنا بحاجة إلى الكثير من المحيطين بنا، والدعم والتوجيه والتعزيز ضروري جداً. إذا كان الطفل يفتقر إلى هذا الدعم، فإنه يتعلم عدم توقع أي شيء من الآخرين، ونتيجة لذلك يحاول أن يصبح مستقلاً “بأي ثمن”، وشخصاً لا يثق بما يمكن للآخرين منحه له وسيحاول القيام بكل شيء بمفرده. أيضا، سيعمل على حماية نفسه من التجارب العاطفية التي لا يريد المرور بها مرة أخرى. لماذا؟ لأنه لا يريد أن يكون بحاجة لشخص ما، ثم يشعر بخيبة أمل. وقد يحدث العكس في بعض الأحيان؛ يطلب الشخص المساعدة في كل شيء، حتى في الأشياء التي يستطيع القيام بها بنفسه.

يتعلق الشعور بالفراغ بأن شيئاً ما مفقود، وهذا الشعور يكون قوي جداً لدى الناس من ضحايا الإهمال واللامبالاة الباردة في طفولتهم أو في علاقاتهم كبالغين، حيث كان هناك مكان لأحبائهم بقي شاغر. هذا هو السبب في وجود ما يشبه الثقب في قلوبهم. الإهمال واللامبالاة تترك ظلاً مظلماً على حياة الشخص وهذا الشعور بالفراغ يصبح معيارهم، فلا شيء جيد بما فيه الكفاية، ولن يكون هناك ما يكفي. لا شيء يملئهم، بطبيعة الحال لا يوجد شخص يملئ هذا الفراغ وفي بعض الأحيان يتجلى الإحساس بأن هناك شيء مفقود على شكل نقد مستمر موجه إلى أنفسهم وكل شيء من حولهم. فيما يكون الكمال يؤثر غياب الحب والإهتمام خلال طفولة الشخص على الطريقة التي ينظر بها لنفسه وبدون حتى إدراك ذلك وسيعتقد أنه لا شيء يفعله له قيمة كافية ليتم تقديره. كما قد يصبح مفرطاً في الحكم غير المحتمل على نفسه ومن الشائع في مرحلة البلوغ أن يصبح أكثر صرامة في الشك اللاواعي بأنه لا يقوم بما يكفي. في النهاية لا يزال لديه في داخله طفل صغير يريد أن يكون في موضع تقدير.

لمواجهة الإهمال واللامبالاة يجب تبسيط الحياة من أجل التعامل معهما. إن تحديد الإهمال هو دائماً الخطوة الأولى في معالجته. هذا ليس بالأمر السهل لأن المرء مثلاً يستطيع أن يقضي سنوات طويلة في علاقة غير مرضية بسبب الإهمال العاطفي واللامبالاة، ولا يعرف سبب عدم رضاه. بينما في العلاقات المسيئة من الأسهل التعرف على السلوك المسيء لأن إجراءاته عادة ما تكون صريحة. كيفية تعاملك مع الإهمال واللامبالاة التي تقع عليك، فلا تحاكم أو تنتقد نفسك لأنك تضيف فقط إلى المشكلة. تواجه الغالبية العظمى من الناس صعوبة في إيجاد التوازن في عالم اليوم، ولإعطائك بعض الأفكار مهما كنت تتعرض للإهمال أو تعاني آثار اللامبالاة في عيشك. ومن الطرق التي يمكنك من خلالها تبسيط حياتك. مثلا، في حالة التخلص من الفوضى نظرا لأن الفوضى هي تشتيت. إنها فراغ في الطاقة، لذا حاول ترتيب حياتك الخاصة وكل ما تحتويه مساحتك في المنزل والعمل. بإمكانك أيضا، أن تكتب لتبسيط حياتك، الفوضى تستنزف طاقتك وتزيد من الإجهاد، إن كتابة الأشياء المزعجة في مفكرة سوف يحرر ذهنك ويساعدك على تعديل مزاجك. بالإضافة إلى تحديد ماهو مهم؛ معظم الناس ليسوا واضحين بشأن ما هو مهم في حياتهم، لماذا تستثمر وقتك، ومالك، وطاقتك؟ فكر في الأشياء التي تهمك، التي ترغب في استثمار الوقت أو المال أو الطاقة فيها. توجيه تركيزك على الوعي بما يحدث الآن، فهذا يساعدك على تقدير تلك الأشياء المهمة في حياتك. وأخيرا، تقدير جمال البساطة؛ تبسيط حياتك يعني أن تشعر بالحرية وتستمتع بها.

لا يعني ذلك أن التجارب السيئة مع الإهمال واللامبالاة لا يمكن إصلاحها. صحيح أنها تترك علامات تبقى في بعض الأحيان مدى الحياة، يمكن لأي شخص مهمل ولا مبالي أن يحرر نفسه من العبء، لكن عليه أن يعمل بجد من أجل ذلك، وربما يحصل على مساعدة احترافية من قبل مستشار متخصص. جميعكم أصبحتم تعلمون أنني أستعين بعجلة المشاعر لأنتقي ما الذي سأكتب عنه اخترت اليوم شعورالإهمال لأكتب عنه وهو شعور غالباً ما نحس به، يتفرع الإهمال لستة عناصر هي؛ الشعور بالذنب، الشعور بالخزي، الشعور بالاكتئاب، الشعور بالوحدة، الشعور بالحزن، والشعور بالتعب والذي ينتج عنه الشعور بالضجر والنعاس.

أحببت الكتابة عن الشعور بالتعب لأنني أحسست أنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالإهمال. التعب هو الحالة التي يشعُر معها الإنسان بالإحتياج إلى الراحة وبعدم القدرة على الإستمرار في العمل بعد القيام بمجهود عقلي أو جسمي. عند التعب يشعُر الإنسان بالْمَلَل، ويقِلُّ نشاطُه، وتكثُر أخطاؤه، وتقلُّ نسبة العمل الذي يقوم به عن النسبة التي اعتاده. يتوقف أداء العمل على ثلاثة أجزاء من الجسم هي المخ، الأعصاب، والعضلات. التعب هو نوع من التَسَمُّم ينتج في الأنسجة والعضلات في أثناء قيامها بعملها ويتم إزالة الفَضَلات عن طريق الراحة والرياضة الخفيفة في الهواء الطلق، وإيقاف العمل. للتعب نوعان، جسمي وعقلي، ولا يمكن فَصْل أحدهما عن الآخر، فما يُتْعِب الجسم يُتْعِب العقل والعكس صحيح، وما يُؤَثِّر في أحدهما يُؤَثِّر في الآخر. الجسم والعقل وحْدةٌ مُتماسِكة الأجزاء، مَتِينة الإرتباط، متصلة بعضها ببعض كل الإتصال. التعب الجِسميُّ أو العَضَليُّ لا ينشأ عن إجهاد العضلات فقط. وقد ينشأ عن تعب العقل أيضًا، كما أن التعب العقليَّ لا ينشأ عن التعب الفِكري وإجهاد العقل فَحَسْب ولكن ينشأ عن إجهاد الأعصاب والعضلات. كثيرٌ من التعب العقلي يَحدُث بعد تعب العضلات في أثناء التمرينات البدنية الشاقَّة.

ليست أعراض التعب مقتصرة على الشعور الداخلي بالقلق والضَّجَر والسآمة والْمَلَل. الشخص الْمُتْعَب من المجهود الجسمي والعقلي، يبدو عليه التعب وتُصبِح حركاته أقلَّ نشاطًا، وتَصِير مُحَادثته مَيتةً لا حياة فيها، ويتثاءب ويميل إلى النوم ويَمَلُّ العمل أيًّا كان نوعه، والطفل الْمُتْعَب من اللعب قد ينام ولُعَبُه بين يديه. في أثناء التعب يحاول الإنسان أن يتذكَّر الشيء فيَصْعُب عليه تَذَكُّره. هذه الأعراض هي إنذار من الطبيعة يستدعي إيقافَ العمل والاستجمام بالراحة أو المحادثة الودِّيَّة، وترك الأشياء التي تحتاج إلى حَصْر الفكر والتفكير العميق. من أعراض التعب الْمُزْمِن الصداع وثِقَل العينين، وصعوبة فتحهما، ووجود هالات سوداء حولهما، وبطء حركتهما واصفرار اللون والفُتُور العام والكسل، وبطء الحركات الجسمية، وعدم انتظامها، وكثرة الخطأ في القراءة أو الكتابة وضَعْف الانتباه، وخفض الصوت، والأرق والنوم الْمُتَقَطِّع، والإنزعاج والرُّعْب في أثناء النوم بالهذيان والأحلام المزعجة. كل هذه الأشياء تُؤثِّر في نفس الشخص الْمُتْعَب وأخلاقه وتبدو عليه علامات الاكتئاب والحزن، ويضيق صدره ويَكثُر غضبه على غير العادة، ويشتدُّ تَأثُّره وهياجه، وتسوء صحَّتُه على العموم، وتضطرب حالته، وتقل رغبته في الطعام، وتخور قواه، ويَضْعُف نشاطُه، ويَقِلُّ اكتراثه، وهذا كله ناشئ عن كثرة العمل، وقلة الراحة.

الشعور بالضجر والملل والتعب نتيجة الإهمال، هو شعور مزعج. من الممكن أن يؤدي لفقدانك صوابك وحتى أوضح لكم مقصدي كعادتي سأروي لكم قصة عن فتاة توفي والدها. كان هناك إهمال في الرعاية غير مقصود، نتج عنه في البداية عدم محبة الذات ثم دفعها لفعل أشياء خاطئة عكس مبادئها وقيمها في الواقع هي لم تكن راضية عن سلوكياتها. شدة الإهمال التي كانت تعيش فيه جعلها تخاف الرفض أو سماع كلمة “لا”. الخوف ليس من شخص معين، الخوف من عيش مشاعر معينة قد تكون في الغالب مشاعر مؤلمة، لم تعرف كيف تتخطى الخوف من الرفض إلا بعد وقت طويل وبعد عدة أفكار جمة منها السيء ومنها الحسن. بعد ذلك جلست مع أختها التي تكبرها بستة أعوام التي قالت لها أنها تعيش نفس المشاعر التي تسببت بتعبها أيضاً، وأن كلتيهما تعاني من تعب جسدي ونفسي مما أوصلهما إلى الضجر واليأس وإلى النوم لعدة ساعات متواصلة. وفي يوم من الأيام فكرت الأخت الكبرى بما عليها فعله وتوجهت لأختها وقالت لها علينا مواجهة أنفسنا وعلينا مواجهة خوفنا من الرفض، عبر التجربة مع أنفسنا أولاً وأن نتخيل ان هناك أشخاصا أمامنا يقولون لنا لا. وبدل الهرب وتخدير المشاعر علينا أن نتنفس وأن نفتح قلبنا لها علينا إخراج المشاعر كلها وأن نقوم بشكرها، نعم شكرها، شكرها على أنها تخرج دائماً حتى نستيطع مواجهتها. جميعنا لدينا طفل صغير يعيش بداخلنا هذا الطفل يحتاج الحب والحنان فإن لم تجدهما بادر بإعطاءهم لنفسك. لا تجعل نفسك بحاجة لأحد، دائما كن الداعم والسند الأول والأخير لنفسك، لكن إن لم تستطع، فلا بأس بطلب المساعدة ممن قد يساعدك بالفعل.

نوال مسعود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *