حيث تكون الرزانة سبيل السلام

حيث تكون الرزانة سبيل السلام

السلام والرزانة

يعتبر السلام أحد أكثر المشاعر الإيجابية التي تحصل للأفراد خلال حياتهم لما له من انعكاسات متميزة على الأشخاص الذين يحظون به. ينشأ السلام لدى الأفراد – حسب عجلة المشاعر – في ست من الحالات: أولاها الاحتواء؛ وهي حين يشعر الفرد بالسرور والراحة تليها الثقة؛ وتتشكل حين يشعر الفرد بالاستقلالية والأمان ثم الوقار أو الرزانة؛ وتظهر حين يكون الشخص مهذبًا وسمحًا بعدها الأمل؛ ويتحلى البعض بالأمل بعدما يكونوا ممتنين وناشئين تنشئة سليمة فالود؛ ويكون الفرد ودودًا إذا تحلى بكل من الاستجابة لمن حوله وتعزيزهم وتقديرهم وأخيرًا المحبة التي تظهر جليًا حين يكون الفرد من سماته الحنان والهدوء.

كل ما سبق بشكل أو بآخر يحقق السلام لدى الفرد، وفي مقالنا هذا سنصب تركيزنا على الوقار والرزانة وكيف تحققا السلام للفرد. مما لا شك فيه أن الوقار والرزانة أو الرصانة تعتبر من أرقى السمات وأكثر الصفات الحميدة، والوقار هو السكون والحلم والرزانة أو كما عرفه الجاحظ بأنه الإمساك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة فيما يستغنى عن التحرك فيه، وقلة الغضب والإصغاء عن الاستفهام، والتوقف عن الجواب والتحفظ من التسرع. الوقار من الملامح الشخصية التي تُحَس ولا تُرى، ويقال إن الشخص وقورٌ لا بمظهره ولا بملبسه، بل بشخصه وطيب سجاياه. وبالطبع الآنف ذكره لو عكسناه على مواقف من حياتنا سنراه محققًا للسلام لا محالة. أيًّا كان موقعك في الحياة، وبغضّ النظر عن أهدافك وطموحاتك، فإنّ الرزانة وتغليب العقل على القلب هي واحدة من أهمّ وسائل النجاح سواءً على الصعيد الشخصي أو المهني لما تحققه من سلام لك.

 

مما يفقدنا الرزانة  

كثيرًا من العادات التي نمارسها دون ملاحظة تقلل من رزانتنا بشكل أو بآخر ونتيجة لذلك فد يخف الشعور بالسلام لدينا. إن مما يقلل من وقار الشخص ورزانته هو كثرة المزاح، أو فعل المزاح في غير موضعه ووقته، وكذلك كثرة الضحك، أو الضحك فيما لا يدعو إلى الضحك أو المبالغة في الضحك. كذلك السخرية والإستخفاف بالآخرين والإعلان بها، أو جعل السخرية هي الغالب في الحديث عن الأخرين، أو جعل الاستخفاف بالآخرين وأفعالهم هي الغالب في أسلوب الحديث. كذلك تجاهل آداب الحديث مع الغير كعدم الإنصات أو مقاطعة أحاديثهم، أو الحديث إلى الغير بأسلوب تهكمي بلا داعي، أو جعل الاستفزاز هو طبع الحديث إليهم، أو إبداء عدم الإهتمام بشخص من يتحدث إليه، أو كمحاولة الاستئثار بالحديث دون الحاضرين، أو الحديث فيما يعلم الإنسان أو فيما لا يعلم، أو التسابق إلى الحديث دون الأخرين، أو محاولة الاستعلاء على المتحدثين بأي أسلوب، أو كأن يُظهر الإنسان نفسه بأنه الناصح الحكيم الآمر الناهي في المجالس.

بالإضافة إلى كثرة الصياح في أي موضع من المواضع تُقلل من وقار الفرد تفقده من رزانته، وكذا استخدام الشتائم في الحديث عن غيره، أو الانتقاص من منزلة الآخرين، أو الميل بالتعدي على الآخرين بحق أو بغير حق، حين يُساء إليه. ومما يفقد الشخص رزانته ووقاره كذلك هو اتصافه ببعض الصفات الدنيئة، كقبوله بالظلم على نفسه أو غيره وقبوله بالذلة والمهانة واستسلامه لها، أو اتصافه بالجبن، أو اتصافه بالبخل أو بالجشع أو بالطمع، أو أكله حقوق الآخرين أو قيامه بأعمال دنيئة كالسرقة أو النصب أو الاحتيال. إن من إهمال الإنسان لواجباته ومسؤولياته باعث لفقد رزانته ووقاره، والإلتزام بأداء الواجبات والمسؤوليات بإخلاص يوحي بالوقار والرزانة. لكن كثيرًا من الصفات التي ذكرت في حاجة إلى من يقررها ويفرضها، ويلقى استحسانًا فاعلها وسوءًا تاركها، في المجتمع الواحد، لتكون عرفاً بين الناس، يتعارفون عليه، فيتحابون من أجلها ويتباغضون لمخالفتها، إما إن خضعت صفات سيئة كالبخل والغش والخداع والكذب والأنانية وغيرها للحرية الشخصية التي لا يُحاسب الفرد أو الجماعة عليها، تنقلب الموازين في المجتمع الواحد وتنقلب معها بالتالي موازين الوقار أو قوة الشخصية.

 

خطوات لنكون أكثر وقارًا ورزانة

سبقنا الذكر كيف من الممكن للرزانة تحقيق السلام للفرد، وفي ذلك سببًا لجعله شخصًا أفضل، ثم تبعنا ذلك بكيف من الممكن أن يكون فقد الرزانة سيء على الفرد ومن حوله. التالية هي خطوات عملية قد تجعلنا أكثر رزانةً ووقارًا:

  • ألا تستعجل بما تقوم به (التأني): إن الفكرة من التأني هي أخذ الموضوع من الكافة الجوانب ودراسته جيدًا وعدم الإسراع به وترك مساحة واسعة للعمل عليه. وكل ذلك يحقق مفهوم الرزانة لدى الفرد الذي يتأنى بما يقوم به. لكي تكون شخصًا وقورًا، عليك أن تمنح نفسك الوقت والمساحة للتفكير. من المهم أن تأخذ خطوة إلى الوراء وتلحظ ما يحيط بك من أجل أن ترى حقًا ما يحتاجه الأشخاص من حولك. يكاد يكون من المستحيل التفكير عندما تسير بسرعة 100 ميل في الساعة. الوقار يتطلب مساحة للتفكير والتأمل. بضع لحظات إضافية للنظر في الموقف والشخص هو كل ما تحتاجه للحصول على أفكار ضائعة. عندما تبدأ في التباطؤ، ستبدأ في ملاحظة الأشياء. عندما تصبح أكثر انتباهاً، يصبح التفكير أكثر سهولة.
  • كن أعمق بالتفكير: دائما ما يكون الذهاب إلى عمق الأشياء فكرة جيدة، التفكير يعني النظر. إن طرح بعض الأسئلة هو كل ما يتطلبه الأمر لكشف المعلومات المفيدة وإثراء العلاقة  وهذا يثبت أنك لا تقفز إلى الإستنتاجات. يقدر الآخرون ويشعرون بالتقدير عندما تفكر فيهم وما يقولونه. عندما تتعمق أكثر وتظهر اهتمامًا مشتركًا بالناس، وهذا يظهر لهم أنك تحترمهم وأنك مهتم حقًا. عندما تتعمق أكثر، ستتمكن أيضًا من معرفة ما يحتاج الناس إلى المساعدة فيه، وما الذي يعانون منه، وكيف يمكنهم تحسينه.
  • عبر عن تعاطفك مع الآخرين: التعاطف يعني فهم ما يشعر به الآخرون حتى لو لم تشعر بهذه الطريقة. لا يتعين عليك الاتفاق مع شخص ما لفهمهم، وهذا الفهم يخلق جسرًا من التواصل. يمكن أن يؤدي عدم الفهم إلى جعل الآخر يشعر وكأنك تحكم عليه. يمكن أن يساعد التعاطف في تقريبك من الآخرين وسيساعدك أيضًا على فهم أفضل لما يمكنك القيام به لتحسين وضعهم.
  • تصرف تبعًا لما يحصل: ماذا يمكنك ان تفعل لتظهر كيف تشعر؟ مجرد الإستماع أمر جيد. التصرف بناء على ما تسمعه أفضل بكثير. ضع في اعتبارك: ماذا يمكنني أن أفعل لدعم أو مساعدة في ضوء الموقف؟ يستمع الشخص الوقور والفطن ويتعلم مما يستمع إليه. إنهم يتصرفون بناءً على الأشياء التي يتعلمونها حتى يتمكنوا من تقديم الدعم بالطريقة الصحيحة.
  • لا نفترض أن الآخرين يبيتون لك الشر والسوء: فكرة أننا دائمًا نعتقد أن الناس دائمًا لديهم دوافع خفية أو غرض خفي أو نوايا وأهداف شريرة لنا تؤدي بنا إلى أن نكون متسرعين في الحكم قلقين ممن حولنا وبالطبع أن تقوم بعكس ما سبق وذلك بأن تعطي من حولك أعذارًا بعيدًا عن الشك، وتحسن النية تجاههم ستجد أن هناك راحة وهدوء تؤدي إلى الرزانة والوقار.
  • أكثر من الإطراء لمن يستحق من حولك: إن إطراؤك لما بفعله الجيدون من حولك يجعلك أكثر وقارةً ورزانة، لما يعكس هذا الإطراء على فهم لمن حولك.

 

هذه خطوات جيدة تجعلنا أكثر وقارًا ورزانةً ما إن طبقناها، وكل من الوقار والرزانة سيحققان لنا السلام.

ضحى أبو يحيى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *