كثيرًا ما نمر بلحظات نخضع بها لسيطرة بعض المشاعر، ونرى هنا أننا فقدنا السيطرة على أنفسنا وتصرفنا بسلوكات سلبية أو قمنا بأخطاء فادحة تحت تأثير هذه المشاعر. هذا يحصل حين تسيطر علينا مشاعر كاليأس أو الحيرة أو العجز أو الخضوع أو التخوف أو القلق. هنا سنصب تركيزنا على القلق ونحاول إيضاحه وتبيان كيف يسيطر علينا بأمثلة من الواقع. لمصطلح القلق توضيحات متباينة منذ باكورة دراسته وتحليله مع عدة مشاعر في العصر الكلاسيكي اليوناني، وعلى ما يبدو أن مصطلح القلق مشتق من أصل Angh في اللغة الهندية الجرمانية وهو الشعور بالضيق أو الانخناق رغمًا عنك. أمضت الأبحاث وقتًا شاقًا وهي تبني أفكارها على الاستبصارات القديمة. حتى وضحه بعض علماء النفس توضيحًا محايدًا على أنه “حالة شعورية تحفز المرء على اتخاذ استجابات سلوكية تستهدف تقليل التهديد الذي يتعرض له”، وآخرين عرفوه بسلبية على أنه “تجربة شعورية مزعجة ومستمرة بشأن المستقبل”. أيضا، من العوامل أو الأسباب التي قد تدفعنا للقلق قد يكون مسببه إحدى النقاط التالية:
- التقييم الإجتماعي: هنا يكون القلق لدى الفرد في المواقف التي يراقب بها أو يقيم من قبل الآخرين، على سبيل الذكر لا الحصر؛ في الخطابات العامة والألعاب الرياضية التنافسية، وحالات الإختبار.
- الخطر الجسدي: حيث يزيد القلق لدى الفرد في المواقف التي قد يتعرض فيها للأضرار الجسدية، مثل القفز من الطائرة، القيام بمغامرة خطرة، تنظيف نوافذ بنايات شاهقة.
- الغموض: هنا يكون القلق حين يتعرض الشخص للمواقف غير الواضحة وغير المألوفة، أو حين يكون خائفًا من المجهول، مثل اليوم الأول في وظيفة ذات توصيف وظيفي غامض أو القلق المستمر من المستقبل.
- الروتين اليومي: هنا يرتبط القلق بالمواقف التي تخرج عن الروتين اليومي للفرد، وقد لا تكون ضارة بشكل عام، مثل تغيير إطار السيارة المثقوب، إصلاح صمام يسرب الماء في حوض المطبخ أو حتى ارتداء زوج من الجوارب غير المتطابقة عند الذهاب للعمل.
قد لا تكون الأسباب السابقة هي الوحيدة التي تدفعنا للقلق، إلا أنها كانت محاولة لتلخيص أكثر الأسباب التي تدفعنا له.
القلق من واقعنا
استوقفتني عبارة لكيت سويني الباحثة في فهم أسباب القلق والتوت في جامعة كاليفورنيا: “لا يستغل الجميع تجارب حياتهم ومن حولهم كوقود لأبحاثهم”. بعدما عانت كيت كثيرًا من القلق، استعانت ببعض تجاربها الحياتية كأساس للدراسات النفسية التي تجريها. اتضحت لي فكرة مهمة من عبارتها ووددت أن تكون تجاربي ومن أعرفهم وقودًا لمقالي. لذلك فتحت باب النقاش على إحدى منصات التواصل الإجتماعي حول القلق، وذلك عبر طرحي لسؤال: “صفو لنا تجاربكم مع القلق وكيف أثر على حياتكم سلبًا؟ وهل استطعتم السيطرة عليه؟ وإن استطعتم كيف ذلك؟”. المفارقة أن الإجابات ذاتها كانت مقلقة. منهم من أجابت أنه أصابني لفترة قلق كبير من الموت. فبت أشعر أن الموت بجانبي بأي لحظة، أصبح كل الوقت تفكيري مشغولا بالموت وأخاف من الظلام وأشعر بوجود شيء يلاحقني وأستغرق الكثير من الوقت حتى أستطيع النوم وقلت شهيتي للأكل كثيرًا وأصبحت تصرفاتي سيئة وغريبة. لذا بدأت بالملاحظة أن علي أن أقم بشيء، واظبت على الصلاة وإشغال وقتي بالكثير من الأعمال المنزلية والدراسية وبدأ يخف عندي القلق، ولكنه في بعض الأوقات قد يتكرر وخاصة عند السماع عن الموت.
إجابة أخرى كانت: في إحدى مراحل حياتي كنت من شدة القلق أخاف حتى التخطيط للمستقبل وأشك بكل تفاصيل خطتي ولم تكتمل معي خطة ولو اكتملت لا تُنفذ خشية سوء التنفيذ. وفي مرحلة أخرى، كان القلق عدو النوم الأول، وفي بعض الأوقات لم أستطع النوم إلا بعد تعب، ولم يبق لدي طاقة للتفكير. لم أستطع تجاوز هذا القلق إلا بعدما اقتنعت أن التفكير والقلق لن يغير شيء من المستقبل إلا للأسوأ والحياة قائمة على التجربة والخطأ، ويكون خطأي الآن أفضل بكثير من أن يتأخر لوقت ممنوع الخطأ فيه، والخطأ لن يقلل من قيمتي، بل سيزيد خبرتي. لذا صرت أضع الخطة وأبدأ بالتنفيذ فورًا ولا أفتح مجال للقلق وأشغل نفسي بأي شيء يستنفذ طاقتي قبل النوم حتى أنام نوم عميق. وإجابة أخرى كانت: القلق جدًا متعب، الخوف الذي يصاحبه يجعلني أتردد و أشك بكل خطوة سأعملها ورافقه التفكير الزائد والأرق والصداع الدائم وتراجعت أو بالأصح حياتي أصبحت كأنها واقفة لا تمضي، وبالحقيقة لم أسيطر عليه بعد إلا أني أحاول.
وبخصوص القلق من المستقبل؛ منهم من قال أن القلق أمر طبيعي وخاصة لمن يفكر بمستقبله باستمرار، ولكن إذا زاد عن حده تكمن المشكلة. صحيح أن التفكير بالمستقبل أمر مهم ولكن لا بد من تقليل القلق حياله. ومنهم من قال، “كنت أعاني من القلق من المستقبل، ولكن مؤخرًا أوقفت التفكير أصلًا وتركتها تجيء كما تجيء لأن القلق في بعض الأحيان أوصلني لمرحلة اليأس”. لا أخفيكم أن تجربتي مع القلق تتمثل بهذا الجزء، كثيرًا ما أشعر بالقلق حيال المستقبل والمجهول منه وكثيرًا ما أحاول إدارة هذا الشعور. اتضح مما سبق أنه يكثر الشعور بالقلق بيننا، وبالتأكيد مسبباته كثر، ولكن لا بد أن يكون هناك طرق ووسائل علينا اتباعها ولو للتخفيف من حدته.
ممارسات لإدارة القلق
كما كل المشاعر، قد يكون الشعور بالقلق أمر طبيعي وبالطبع حصل معنا جميعًا. من المحتمل أن يتكرر حدوثه في المستقبل، لذا لا بد من خطوات لإدارته والسيطرة قبل أن يحكم سيطرته علينا. هنالك العديد من الممارسات التي علينا فعلها حين نشعر بالقلق، مثل:
- ممارسة الرياضة: التمرين هو أحد أهم الأشياء التي يمكننا القيام بها لمواجهة القلق قد يبدو الأمر متناقضًا، لكن ممارسة الضغط البدني على أجسامنا خلال الرياضة من الممكن أن يخفف الضغط النفسي. بالطبع تكون الفوائد أقوى عند ممارسة الرياضة بانتظام حيث أن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام هم أقل عرضة للإصابة بالقلق من أولئك الذين لا يمارسون الرياضة.
- تناول المشروبات التي تعمل على التهدئة وتقليل القلق مثل: عصير الليمون والشاي الأخضر وقلل من المشروبات والأطعمة التي تحوي على الكافيين مثل القهوة ومشروبات الطاقة.
- اقضي وقت مع العائلة والأصدقاء: قد تبدو هذه النصيحة كليشيه مكرر، ولكن الدعم الإجتماعي من الأهل والأصدقاء كثيرًا ما يساعدنا على تجاوز المشاعر الصعبة.
- الضحك: من الصعب أن نشعر بالقلق عندما نضحك. الضحك مفيد للصحة، ويساعد في تخفيف التوتر بتخفيف استجابتنا للضغط. لذا حاول مشاهدة عرض تلفزيوني مضحك أو اخرج مع الأصدقاء الذين يضحكونك.
- تعلم أن تتجنب التسويف: هناك طريقة أخرى للتحكم في القلق وهي البقاء على رأس أعمالنا وما يوكل إلينا والتوقف عن التأجيل. يمكن أن يؤدي التسويف إلى التصرف بشكل تفاعلي، مما يجعلك تقلق من أجل اللحاق بالركب. وبالطبع سيسبب لنا القلق، مما يؤثر سلبًا على صحتك ونوعية نومك.
- حافظ على لحظات الهدوء والروحانيات والاسترخاء باستمرار: الإستمرارية بمثل هذه اللحظات ستخفف من القلق.
على الرغم من أن القلق قد ينشأ في مكان عملك وحياتك الشخصية، إلا أنه دائمًا هناك العديد من الطرق البسيطة لتخفيف الضغط الذي تشعر به. غالبًا ما تتضمن هذه النصائح إبعاد عقلك عن مصدر القلق.
ضحى أبو يحيى