أصبحتم تعرفون أنني في كتاباتي أستعين بعجلة المشاعر بالمقام الأول لأنه عندما نستعملها تساعدنا على فهم مشاعرنا. عجلة المشاعر اليوم وقف مؤشرها عند السّلام، حيث يتفرع عنه أن يكون الشخص راضي، مراعي، حميم، محب، لديه أمل، وواثق. حيث ينتج عن الوثوق، الشعور بأنك مستقل وآمن، وعندما يطبق السّلام يتبعه الأمان وهو العيش براحة وطمأنينة. السّلام هو مفهوم الصداقة والتناغم المجتمعيين في غياب العداء والعنف. وفقا للمعنى الإجتماعي، يستخدم السلام عادة ليعني عدم وجود نزاع (مثل الحرب) والتحرر من الخوف والعنف بين الأفراد أو الجماعات.
سيايا، تم توظيف بناء السلام بطريقة دبلوماسية لتأسيس نوع معين من ضبط النفس السلوكي الذي أدى إلى إقامة سلام إقليمي أو نمو اقتصادي من خلال أشكال مختلفة من الاتفاقيات أو معاهدات السلام. كما أن ضبط النفس السلوكي يؤدي غالبا إلى الحد من النزاعات، وزيادة التفاعل الإقتصادي وبالتالي تحقيق الإزدهار الملموس. ربما يكون “السلام النفسي” (مثل التفكير والعواطف المسالمة) أقل تحديدًا بشكل جيد ولكنه في كثير من الأحيان هو مقدمة ضرورية لتأسيس السلام السلوكي. ينتج السلوك السلمي أحيانًا عن التصرف الداخلي السلمي. أعرب البعض عن اعتقادهم بأن السلام يمكن أن يبدأ مع نوع معين من الهدوء الداخلي الذي لا يعتمد على عدم اليقين في الحياة اليومية لوجوده كما وإن اكتساب مثل هذا “التصرف الداخلي السلمي” للذات وللآخرين يمكن أن يساهم في حل المصالح المتنافسة والتي تبدو غير قابلة للتوفيق.
العديد منا يُعرّف السلام على أنه يجعلك تشعر بالراحة والطمأنينة ويزرع في داخلك السّكينة. هو شعور يأخذك نحو السماء ويجعلك تحدق متأملا في خلق الله، وصفاء في القلب. هو شعور غير ملموس تستشعر به عندما تتقبل نفسك والآخرين، فتكون في حالة من الأمان والإستقرار. الأمان هو وجود السلام الداخلي ليجعلك واثقا ومستقلا بذاتك. ويحثك على التطور والتقدم وأن تكون في حالة سلام مع نفسك ومع الآخرين. السلام أمر سامي ومن خلاله يزدهر كل شيء لتكون في حالة من الأمان والإستقرار النفسي. من أجل أن يتكون لدينا حالة من السلام، فلا بد أن يكون لدينا القيم التي هي حجر أساسي للسلام. القيم هي جملةُ المقاصد التي يسعى القوم إلى إحقاقها متى كان فيها صلاحهم، أو إلى إزهاقها متى كان فيها فسادهم. هي القواعد التي تقوم عليها الحياة الإنسانيّة وتختلف بها عن الحياة الحيوانيّة، كما تختلف الحضارات بحسب تصوّرها لها. ورد في القاموس التربويّ بأنّها صفاتٌ ذات أهميّة لإعتبارات نفسيّة أو اجتماعيّة، وهي بشكل عامّ مُوجّهات للسّلوك والعمل. وجود القيم يعمل على حماية الفرد من الوقوع في الخطأ والإنحراف. للقيم أهميّةٌ عُظمى في حياة الفرد والمجتمع حيث أنها تُساهم في بنائه تكوينه، ومن أهميّتها:
- بناءُ شخصيّةٍ قويّةٍ ناضجةٍ ومُتماسكةٍ صاحبةِ مبدأ ثابت.
- اكتساب الفرد القدرة على ضبط النّفس.
- التّحفيز على العمل وتنفيذ النّشاط بشكل مُتقن.
- حماية الفرد من الوقوع في الخطأ والإنحراف حيث تُشكّل القيم درعاً واقياً.
- إحساس الفرد بالسّلام الداخليّ.
- الإستقرار والتّوازن في الحياة الإجتماعيّة.
- إحساس الفرد بالمسؤوليّة.
- كسب ثقة النّاس ومَحبَّتِهم.
- إكساب الفرد القدرة على التّأقلم مع الظّروف برضا وقناعة.
- تشكيل نمطٍ عامٍّ للمُجتمع وقانون يُراقب تحرُّكاته.
كما أن للسلام دورا تنمويا مهما في داخل المجتمع مثل؛ التخلّص من الخصام، تحقيق العدالة، والمساواة، الحفاظ على التنمية الإقتصادية، والتي ينتج عنها التطوّر الإستثماري، وإيجاد فرص عمل جديدة، وتحسين مستوى المعيشة، الحفاظ على النظام الإجتماعي والإستقرار السياسي، و المساعدة على نشوء علاقات صحيّة وجيّدة بين الأفراد والدول. عند كتابتي لهذا المقال، أود أن أخبركم قصة ألخّص بها الموضوع. كان هنالك مجموعة من الفتيان يلعبون مع بعضهم في فترة الإستراحة تختلف أشكالهم، أطوالهم وأعمارهم، في وسطهم كان هناك صبيان. الأول يكبرهم عمرا يخرج من عائلة لا سلام فيها والثاني يصغره بعامين تربى على الحب والسّلام. حصل بينهم شجار بسيط خلاصته أن الأول يتنمرعليهم ويتكبرعليهم كونه الأقوى والأكبر، هنا استوقفه الطفل الصغيروأخذ يشرح له أن موقفه خاطئ، وأن الصحيح أن يتصرف المرء بتسامح وسلام مع مختلف الفئات والأعمار. لأن الشخص المتكبر لا سلام فيه وغير نقي وسوي داخليا، وأن السلام لا يعني التنازل عن الحقوق. بعد هذا النقاش، أخذ الأول يفكر بما سيفعله، وبعد التفكير مليا ذهب إلى مرشد المدرسة ليخبره بالنقاش الذي حصل، أعجب المرشد بما حصل وأخبره بأنه يتوجب عليه نشر الوعي في باقي المدرسة. توجه الأول إلى الطفل الذي نصحه واتفقا على أن يعملو نشرات توعوية بمساعدة المرشد. فتعلما أن التعاون يولد السلام.
بناء التقبّل، وتعزيز التعاون، وضمان الدمج، وتطوير الإحترام، وتحمل المسؤولية، وبناء الثقة. من ثم يتم نقلها إلى واحد تلو الآخر، يخلق مجموعة من العلاقات والشراكات والتبادلات المستدامة بدون نزاع. هذا ما يدعونا لحب الآخر محبة لا ضغينة فيها. لأن كل الأديان تنادي بالتسامح والسلام بيننا، حتى يتكون لدينا سلام داخلي يجب علينا تقبل ذاتنا أولا. تقبل الذات، هو قبول الفرد لجميع سماته وصفاته الشخصية، إيجابية كانت أو سلبية. هذا التعريف يؤكّد على ضرورة القبول التام لجميع جوانب الشخصية. إذ لا يكفي أن تحب ما هو جيّد فيك أو إيجابي في شخصيتك. بل عليك أن تحبّ أيضًا جميع الصفات والسمات الأقلّ روعة، وتتقبل الجوانب البشعة والمظلمة من نفسك. لا شكّ أنّك تفكّر الآن بأن تقبل الجوانب السلبية ليس أمرًا سهلاً. وهذا صحيح تمامًا، ليس من السهولة بمكان أن تحبّ تلك الصفات أو الجوانب التي ترغب بشدّة في تغييرها. لكن ما لا تعلمه هو أنّ الخطوة الأولى لتغيير هذه الجوانب يتمثّل في تقبلها. لعلّ هذا هو السبب الذي يحول بينك وبين التخلّص من الصفات السلبية في شخصيّتك وأنّك ببساطة لا تتقبّلها مع رفض الآخرين لك؟.
تقبل الذات غير المشروط الخطوة الأولى للبدء بتغيير نفسك للأفضل، لا تتمثّل في قبول الذات، وإنّما في قبول الذات غير المشروط. من السهل بالطبع أن أن تتقبل نفسك عندما تكون في أفضل حالاتك . لكن أن تتقبل نفسك في حالات الفشل، وفي المواقف الصعبة التي تشعر فيها أنّك مليء بالأخطاء والسلبيات هو ما يحقق لك تقبل الذات غير المشروط. وهنا يمكننا تعريف مصطلح “تقبل الذات غير المشروط” على أنه إدراك حقيقة أنّك منفصل عن أفعالك وسماتك. تتقبل أمر ارتكابك للأخطاء، وحقيقة أنّك تمتلك نقاط ضعف وجوانب سيئة. لكّنك مع ذلك لا تسمح لهذه السمات أو الصفات أنّ تحدّد ماهيتك. حينما تتدرّب على ممارسة تقبل الذات غير المشروط، عندها فقط يمكنك أن تبدأ بحبّ نفسك، واحتضان ذاتك الأصيلة، ومن ثمّ البدء بالعمل على إصلاح جوانب الضعف أو السمات السلبية.
كيف نفهم مشاعر الآخرين وهل لدينا علم بما يحتاجونه منّا بالفعل وما هو الفرق بين تقبل الذات وتقديرالذات؟ على الرغم من تشابه المصطلحين تقبل الذات وتقدير الذات لكنّهما مع ذلك يختلفان عن بعضهما البعض. صحيح أن “تقدير الذات” يتعلّق هو الآخر بعلاقتك مع نفسك، لكنه يختلف عن تقبل الذات في جانب مهم. تقدير الذات، يتعلّق بما تشعر به تجاه نفسك. إن كنت تحسّ بأنّك جيّد بما فيه الكفاية أو ذو قيمة حقيقية أو تستحقّ الحصول على الأمور الجيدة من حولك. أمّا تقبل الذات، فهو ببساطة أن تعترف وتتقبل نفسك كما أنت بجميع جوانبك. هنا يمكننا القول أنّ كلا المصطلحين مرتبطين ببعضهما البعض ارتباطًا وثيقًا. تقبل الذات بشكل صحيح يعدّ القاعدة الأساسية لبناء تقدير عالٍ للذات. فكّر في الأمر، حينما تتقبل نفسك كما أنت سيصبح من الأسهل عليك أن تشعر بقيمتك الحقيقية الإيجابية، لأنك تدرك حينها بأنّ صفاتك السلبية لا تحدّد شخصيتك الكاملة ولا تعبّر عنك مئة بالمئة، وإنما هي جزء من تركيبتك كإنسان.
ستفكر بأنك أحمقًا لأنك تصرّفت بطريقة حمقاء، لو لم أفعل ذلك لما وسعني التعلّم من أخطائي. لديّ الكثير من النواقص، ويمكنني العمل على إصلاحها دون الحاجة لتأنيب نفسي أو إدانتها أو شتم ذاتي لأني أمتلكها. إصلاح الذات: نعم! إدانتها: كلاّ! لا يمكنني إثبات ما إذا كان إنسان ذو قيمة عالية أو متدنية، الأفضل إذن ألاّ أحاول تحقيق المستحيل. تقبل نفسي كإنسان أسهل وأفضل بكثير من محاولة إثبات أنّي إنسان خارق أو تقييم نفسي على أنّي لا أستحقّ أن أكون إنسانًا. أستطيع تحديد نقاط ضعفي ونواقصي وفشلي دون إطلاق الأحكام على نفسي أو تعريف نفسي على أساسها. أستطيع مدح تصرّفاتي دون الحاجة لمدح نفسي. أستطيع الإعتراف بأخطائي وتحمّل مسؤوليتها دون الحاجة إلى لوم نفسي والتقليل منها لأني ارتكبتها. من السخف أن أحكم على نفسي بشكل إيجابي أو سلبي اعتمادًا على مدى قدرتي على إثارة إعجاب الآخرين، وكسب موافقتهم وقبولهم ورضاهم. أنا لستُ جاهلاً فقط لأنني تصرّفت عن جهل. لا يجب عليّ أن أجعل تقبلي لذاتي تحت رحمة الظروف المحيطة بي. أستطيع تقبل نفسي بعيدًا عمّا يعتقده الآخرون بشأني. السّلام لا يعني أن تكون في مكان لا يوجد فيه ضوضاء أو مشاكل. عند تقبلنا لذاتنا يسهل علينا التعبير عن الرأي.
التعبير عن الرأي هو الحق السياسي لإيصال أفكار الشخص عبر الحديث. يعترف بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان بموجب المادة رقم 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويعترف به في القانون الدولي لحقوق الإنسان في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. تنص المادة 19 من العهد الدولي على أن “لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة وأنه لكل إنسان حق في حرية التعبير”. يشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. تستمر المادة بقول أن ممارسة هذه الحقوق يستنبع واجبات ومسؤوليات خاصة وأنه وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود عند الضرورة لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. عندما نتحدث عن التعبير الرأي يخطر ببالي الإستقلال الذاتي.
الاستقلال الذاتي أو الحكم الذاتي هو مفهوم يتم تناوله في الفلسفات الأخلاقية والسياسية ويشير إلى قدرة الفرد العاقل على صنع قراره الذاتي أو قانونه بنفسه من دون تدخل من أي طرف آخر سواء كانت الدولة أو المجتمع. بهذا يصل لمرحلة الأمان ويتم استخدام هذا المصطلح للإشارة لتحديد المسؤولية الأخلاقية لتصرفات الفرد. السلام يعني أن تكون في وسط كل الفوضى العارمة في وسط زحام الحياة وأن تظل هادئًا في القلب. السلام الحقيقي هو الحالة الذهنية، وليس حالة البيئة المحيطة لتبقى روحنا مسالمتاً مع قلبنا النقي.
نوال مسعود