لا شك أن القوة في كل العصور كانت محور اهتمام كل الشعوب والقبائل؛ إذ أن في حالات الحروب ودفاع الدولة عن أراضيها، كان يتم تدريب الجنود تدريبات عسكرية كثيفة ليقاتلوا في الحروب ويدافعوا على أراضيهم، وكانت الدولة القوية تتحكم وتهيمن على الدولة المستضعفة. من جهة أخرى كانت الشعوب عندما تريد أن تختار حكيما لهم، كانت تختار شخص مثقف، قوي فكريا ليدير أمورهم بحكمة. أول ما يتبادر للأذهان عند سماع كلمة القوة، القوة فزيائيا اذ هي مؤثر يؤثر على الأجسام فيسبب تغييرا في حالة الجسم أو اتجاهه أو موضعه أو حركته. لكن نحن هنا نقصد القوة كشعور من عجلة مشاعر بلوتشك؛ شعور الثقة بالنفس، شعور أنك شخص موثوق وجدير بالثقة، شعور تقدير الآخرين لك، مشاعر الإحترام التي يبادلوك بها الناس، إشعار الناس لك بأنك موضع فخر، شعورك بأنك شخص منجز وناجح، كلها مشاعر تصب في الشعور بالقوة.
يرى الكثيرين من الناس بأن للقوة نوعين: جسدية وفكرية؛ جسدية حينما تتمثل بامتلاك عضلات وجسد قوي، وأن تكون في صحة جيدة، لذا تشعر بالفخر وبالثقة بالنفس، وينتابك الشعور بالقوة لأنك قوي جسديا، بينما القوة الفكرية تتمثل بأن يكون للفرد أهداف قد حققها، وقدرته على التفكير بتروي وعدم التعجل في اتخاذ القرارات، واستخراجه لأفكار او حلول للمشاكل، فكره القوي في الإبداع والإبتكار، تفائله وإيجابيته؛ لذا تراه قليلا ما يتذمر أو يشكي. إلى جانب ذلك، يعرف نقاط ضعفه؛ إذ هو لا يهملها بل يسعى لفهمها جيدا لتقليل منها او التخلص منها. أيضا تتمثل قوته العقلية في محاولته ليفهم ما يمر به من مشاعر حتى يديرها، ويتحرر من أي مشاعر سلبية، اذ أنه واعي فكريا يحترموه ويقدره الناس، وبالتالي يشعر بمشاعر القوة ايضا، وهناك القوة الإقتصادية او القوة المالية؛ وهنا نفترض من يملك مال أكثر هو قوي أكثر؛ ترى هذه الفئة من الناس أن القوة في مالهم، لذلك يشعرون بالثقة في النفس وأنه شخص مهم؛ لذا يشعر بالقوة بإمتلاكه المال. هناك العديد من التساؤلات من الأفضل قوة الإنسان الفكرية أم قوة الإنسان الجسدية؟ الجواب ليس هناك مفاضلة بينهم؛ اذ أن أي موقف يجب أن نستخدم النوعين من القوة، ولكن هناك مواقف تستدعي أن ترجح استخدامك لقوة على الأخرى؛ في حلبات المصارعة هنا القوة التي ستحتاجها وتهيمن عليك هي القوة الجسدية، بينما القوة التي ستحتاجها في تحليل المواقف وفهمها، هي القوة الفكرية، وهناك مواقف تستدعي استخدام القوتين بنفس القدر، وفي المجمل، كل انواع القوة تشعرك يالشعور بالقوة؛ ينتاي
لاشك أنه جميل أن يشعر الفرد بالقوة، ويتمتع بالشخصية القوية، ولكن أحيانا اذ زادت الثقة بالنفس لديه وتعالى، هنا نكون انتقلنا الى الغرور والتكبر؛ اذ هو مرض نفسي يصيب الإنسان، وهو وهم يجعل الإنسان يتصرف بناءً على أهواءه ورغباته، بما يضر مصلحته الشخصية، ونعني به هنا التفوق والغطرسة التي تتجسد في أقوال الشخص وأفعاله وافتراضاته، وهو حب الإنسان لنفسه بزيادة والتي قد ينتج عنها الحقد والكراهية والبغضاء من قبل الآخرين تجاه الشخص المتكبر، ومن أشكال التكبر؛ الإعجاب الشديد بالنفس من جمال أو ثراء فيفتخر بذلك ويتكبر على الناس، يتفاخر بالعشيرة والنسب والمال، يجادل بالباطل ولا يقبل الحق. وذلك ربما ينبع من حالة الدفاع عن النفس؛ لإخفاء النقص اللذي في ذاته، لإخفاء النقص بداخله، أو انعدام الامان خوفا من أن يرفضه أحد.
وايضا لو كان الفرد لا يشعر بالقوة في شخصيته، لذا هنا نحن نتكلم عن ضعف الشخصية؛ الذي دائم الشكوى، ويلجأ في أبسط الأمور للآخرين وغالبا ما يكون له راي، ضَعيف الإلهام والتحفيز. ضعيف التحكُّم في النفس. ضِيق الأفُق، ومحدود التفكير، عدم مقدرته على تحمُّل المسؤوليَّة، عدم المقدرة على الرَّفض، عدم القدرة على التمسك بمبادئه الخاصة. وأسباب ضعف الشخصية تعزى الى العديد من الأسباب؛ ومنها: التعلُّق بالماضي، وتجاربه المُؤذية، والمُؤلِمة التي يَصعُب نسيانها. الشعور بعدم الكفاية من قِبَل الأشخاص المُقرَّبين، كالوالدين، أو أيّ شخص آخر له تأثير في حياة الفرد، الاعتقاد السَّائد في المُجتمعات بأنَّ المظهر يُعبِّر عن الشخص بشكلٍ كامل، دون النظر إلى شخصيّته، أو جوهره. التأثُّر الكبير بالتجارب الفاشلة، وتجاهُل قصص النجاح ، التأخُّر في التخطيط، والتنفيذ، للمستقبل .الى جانب ذلك، يقوم البعض بإستغلال القوة لفرض النفوذ؛ وهذا يصبح عندما يفهم الفرد القوة بالشكل الخاطىء.
هناك عدد من الطرق التي يمكن للفرد أن يتبعها ليولد الشعور بالقوة لديه، وليطرد مشاعر القلق والتوتر، ومنها: على الفرد أن يحدد أهدافه وطموحاته ليحققها، وبالتالي يصبح فخورا بنفسه. وايضا على الفرد تعزيز نقاط قوته ومعالجة نقاط ضعفه قبل أن تتفاقم، وبذلك الأمر يعرف نفسه أكثر وتزيد ثقته بنفسه، لذا يشعر بالقوة، أن تكون مسؤولا ولا تتهرب من مسؤولياتك على الصعيدين الأسرة والعمل، ذلك تشعر أنك شخص يعتمد عليه، لذا تشعر بالقوة. ايضا، عليك أن تكون متنبه ويقظ لأي تطورات تحدث في محيطك وتتكيف معها، في ذلك الأمر تشعر أنك نوعا ما مسيطر، لذا ينتابك الشعور بالقوة، أن تكون معطاء ومبادر لحل مشاكل مجتمعك، اذ أنك هنا ستشعر أن لك قيمة في المجتمع وأنه مرحب بك، وبالتالي تشعر بالقوة، وايضا جانب قراءة الكتب له دور مهم في تثقيف نفسك وإشعارك أنك مهم، وبالتالي ايضا شعورك بالقوة.
أيضا من الطرق الذكية لإكتساب الشعور بالقوة هي الحديث الذاتي بعبارات توكيدية متكررة التي تستطيع من خلالها التأثيرعلى العقل الواعي أو العقل الباطن لأي شخص، لأن التكرار المستمر للعبارات التوكيدية يؤدي بأي طريقة الى الإقناع الذي يؤدي في النهاية إلى الاعتقاد، وبمجرد أن يصبح الاعتقاد يقينا عميقا، لذا الأشياء تبدأ في التحرك إلى الأمام؛ قولك باستمرار أنا ناجح وأنا واثق بنفسي وكل هذه المصطلحات التي تمدك بالقوة، لذا أنت بعد مدة سيأخذ عقلك هذه العبارات، وبالتالي تشعر بالقوة. تقترح دراسة جديدة بأن طريقة وقوفنا تجعلنا نشعر ونبدو أكثر قوة؛ الوقوف والجلوس بشكل سليم يمكن أن يغير من مستويات الهرمونات؛ اذ يزيد من مستويات هرمونات التيستوستيرون، ويقلل من مستويات هرمون الإجهاد كورتيزول، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالقوة والثقة بالنفس، والقدرة على تحمل المخاطر، بالمقابل الوقوف بشكل متقوقع يقلص من حجم الجسم؛ مما يجعل الشخص يبدو أضعف وأكثر تعرضا للخطر. وفقا للباحثين في كلية الأعمال في هارفارد، في الحقيقة جسمنا يمكن أن يخدع تفكيرنا.
في دراسة جديدة نشرتها جريدة الرأي عن أن الإحساس بالقوة يجعل الإنسان أطول؛ أن إحساس الإنسان بالقوة يجعل الإنسان أطول على الأقل في تفكيره، فقد أجرى علماء اميركيون تجارب عاش فيها المتطوعون تجربة الشعور بأنهم اقوياء أو ضعيفي القوة. وقد طلب اليهم التفكير بموقف شعروا خلاله بأنهم أقوى من الآخرين، في الوقت الذي كانوا فيه يقفون بجوار سارية اطول منهم بمفدار50 سم. وعندما سئل المتطوعون عن توقعهم لطول السارية كانت اجابة ذوي الشعور بأنها أطول منهم بمقدار 48سم، في حين أجاب المتطوعون ذو الشعور الضعيف بالقوة بأنها أطول منهم بمقدار64 سم.
في رأيي أهم بيئة تنمي لدى الفرد الشعور بالقوة هي البيئة الأسرية، التي تنمي مشاعر القوة لدى الطفل في أسرته؛اذ يقدرون مساعدة الطفل في أعمال المنزل، تشجيعه على القيام بإنجازات وتتويجها حتى تزداد ثقنه بنفسه، وتفويض مهام للطفل حتى يشعر أنه شخص موثوق، وايضا تحفيزه بإستمرار على كل شيء يقوم به حتى يشعر بأهمية نفسه، دعم مواهبه وتعزيزها، والإحتفال بكل إنجاز، إشراكه بفعاليات والنشاطات المجتمعية؛ حتى يشعر بأهميته وان له دور في مجتمعه، لذا أنا لدي إيمان بأن الأسرة هي عليها مسؤولية أكبر في تحفيز الفرد وإشعاره بالقوة، اذ أن الأسرة هي كل شيء في هذه الحياة هي التعزية في الحزن، الرجاء في اليأس والقوة في الضعف.
سلام عثمان