عندما كنا صغارا كنا نتخيل بأن الإنسان القوي هو من لديه عضلات و يضرب الآخرين. الذي يهابه الناس ويخافون أن يضايقوه، ويعرف كيف ينتقم ممن يسيء له. عندما كبرنا وصل إلى مداركنا معنى جديد للقوة وتعلَمنا أن القوي هو من يتمالك نفسه عند الغضب. علمنا أن مفهومنا منذ الصِغر كان خاطئا وأن القوة الحقيقية تكمن فيمن يتعرض لصدمة في ثقة أعز الناس على قلبه، ويبقى قادرا على أن يثق بالناس. أيضا، القوي الذي يمرض مرضا شديدا يهلكه ويتحمله حتى لا يكسر قلب أحبته، وهو الذي يصل إلى القاع ويقف بسرعة ويتسلق جدار أحلامه مرة أخرى؛ لأنه يؤمن أن القاع ليس له.
القوة تسكن في أعماق الإنسان، أي في عقله الباطن، إذا ما تمكنت من إعادة برمجة هذا العقل الخفي، ودرّبته جيداً سوف تكون إرادتك قوية وقراراتك حاسمة وبالتالي تمتلك شخصية مميزة. لكن كيف نبرمج العقل الباطن وهو جزء لا شعوري لا نعرفه ولا نحسّ به ولا نراه؟ عليك بالتكرار والإصرار والمتابعة، عندما تكرر أمراً ما وتعتقد بصحته وتستمر على ذلك لفترة من الزمن، فإن العقل الباطن سيستجيب لهذا الأمر ويعتقد به. للقوة في حياة الإنسان أربعة عناصر هي:
- عنصر الإصرار: قد تواجهنا مجموعة من العراقيل، والمشاكل التي يتحتم عليك مواجهتها والتصدي لها بكافة الأشكال مع الإصرار في ذلك والاستمرار على تحمل تلك المشاكل التي قد يقع بها، أملا في أنها ستزيدك قوة وصلابة وتساعدك أكثر للوصول إلى أهدافك وأحلامك.
- عنصرالإيمان: الإيمان بنفسك، بقدراتك بطموحاتك بأهدافك وأقصد هنا الإيمان بالروح، بالنجاح، الإيمان بتحقيق المستحيل، الإيمان بالقدرة على التغير والإيمان هنا أمن ويقين واستقرار وطريق إلى تحقيق ما لا يمكن تحقيقه.
- عنصر التفاؤل: هو منح الإنسان شعورا بالراحة والطمأنينة والقدرة على تحقيق الأهداف التي كان يطمح إليها في حياته بشغف ومثابرة وعزم وإصرار.
- عنصر الحب: يعتبر الحب من أقوى عناصر القوة الذاتية على الإطلاق، الحب هو السعي نحو تحقيق الهدف دون ملل أو كلل وحتى نحصل على قوة الحب يجب علينا التسامح وهو الطريق الوحيد للوصول إلى طريق لا يشوبها الكره والحقد.
القوى الموجودة في الإنسان كبيرة وهائلة، كل إنسان لديه قوة التأثير، ولديه قوة الإرادة ولديه قوة التركيز والتفكير ولديه كمية كبيرة من الذكاء، ولكنه نادراً ما يستخدمها. إذن يجب علينا أن نتعلم كيف نحرر ونطلق هذه القوى ونستفيد منها. وحتى تكون قوي الشخصية يجب عليك الاعتقاد بأن شخصيتك قوية بما فيه الكفاية لمواجهة أي مشكلة أو أزمة بثقة ونجاح. لذلك يجب أن تتعرف على هذه القوى وتتعلم كيف تستثمرها بنجاح. لنتعرف على القوى الموجودة عند الإنسان:
- قوة التأثير: هي القدرة على تحفيز وإلهام الآخرين لاتخاذ الإجراءات اللازمة وهي الصفة التي تميز القائد عن المدير، فأفضل القادة هم من يملكون القدرة على التأثير في المؤسسة أو المنظمة، وهذا بدوره يؤثر على نتائج العمل وتغيير سلوك الموظَفين للأفضل. وينبغي أن يكون هذا السُلوك المؤثِر عملية مستمرة لضمان التأثير الإيجابي على الموظفين.
- قوة الإرادة: وهي تعبر عن مثابرة المرء واندفاعه للقيام بعمل معين بصرف النظر عن العوائق والمصاعب التي سوف يواجهها في طريق إنجازه لذلك العمل، وإنّ السبيل الوحيد للحصول على قوة الإرادة هو إرادة القوة بحد ذاتها، فلا يمكن للفرد أن يقوّي إرادته دون أن تكون لديه الرغبة في القوة نفسها، وعادةً ما يرغب الفرد بأن يمتلك الإرادة القوية من أجل النجاح في مختلف أمور الحياة، ومن ثم تحقيق ذاته، والجدير بالذكر أن الإرادة لا يمكن أن تقوى إلّا إذا أصرّ المرء على تحقيق أهدافه وذاته، حيث إنّ لكل امرئٍ أهدافه التي تحقق كيانه وذاته، وتحقق الغاية من وجوده في هذه الحياة، وكلما كان فهم الإنسان للإرادة وأنواعها عميقاً كلما تمكّن من استخدامها لتحقيق أهدافه، وبذلك يصل الإنسان إلى تحقيق ذاته.
- قوة التركيز: التركيز ببساطة هو توجيه انتباهك الكامل نحو بناء فكرة، وإنجاز عمل أو هدف معيّن لمدة محددة من الزمن دون الالتفات للمشتتات والأفكار الأخرى بناءً على قرارك ورغبتك الشخصية، فيُمكننا تشبيه التركيز بتسليط الضوء نحو جهةٍ واحدة؛ حيث يضيئها بالكامل بتركيز مُضاعف عن توجيه نفس الضوء نحو اتجاهات متعددة بإنارة خافتة تكاد تُرى. كما أن لقوة التركيز فوائد مهمة، منها: مضاعفة القدرة على التفكير والتخطيط السَليم وحل المشاكل بطرق إبداعية، اختصار الكثير من الوقت والجهد اللازم لإتمام المهام، تنمية القدرة على التخلص من الأفكار غير المرغوبة وبالتالي تحقيق نتائج أفضل، و إنجاز الأهداف التي طالما حلمت بها بعد وضعها في إطار التنفيذ.
بالرجوع لعجلة المشاعر نرى إنه يندرج ستة مصطلحات للقوة هي الوعي، الفخر، الإحترام، التقدير، الإهتمام، الإخلاص. سأتحدث عن الاحترام والشعور بالفخر لأنه عادة من يكون مفتخر يكون حر وناجح، وكل من يكن الاحترام يكون مكررم وجدير بالاهتمام. الشعور بالفخر هو شعور إنساني معقد و ينقسم الفخر في مجموعتين: فخر إيجابي مرتبط بالإنجاز وتحقيق الذات والاجتهاد والمثابرة، وفخر سلبي مرتبط بالغرور والنرجسية والحسد، ما يدلّ على قابلية عملية واضحة لدى الإنسان على التمييز بين الفخر الإيجابي المرتبط بالاعتزاز بالنفس وبين الفخر السلبي المرتبط بخداع النفس. و يرتبط الفخر بشكل كبير بإدراك الإنسان منذ سنواته الأولى أهمية الآخر له، وبالتالي فهو يتعلم منه ويكتسب من خلاله استقلاليّته ووعيه بنفسه. فالفخر هو سلوك اجتماعي ، لا يمارسه الإنسان إلا أمام الآخرين إما لكسب احترامهم وتقديرهم وإما للتفوق والاستعلاء عليهم. وعادة نلجأ للفخر بمهاراتنا لإن ذلك سيعلن أننا نتحلى بها وانها مهمة سواء لنا أو للمجتمع وهذا يمثل محفِزا تطوريا فعالا وقويا، الفخر يجعل الشخص ناجحا وحرا.
الشعور بالاحترام: إن قيمة الإنسان الحقيقية فى شخصيته وليس فيما يملك من أشياء قد تضيع مع الوقت. إن الناس تحترم ما يحمله الشخص من صفات و مبادىء وليس ما يملكه من أشياء مادية قد تضيع أو تفسد، والاحترام أحد القيم الحميدة التي يتميز بها الإنسان، ويعبر عنه تجاه كل شيء حوله أو يتعامل معه بكل تقدير وعناية، يتجلى الاحترام كنوع من الأخلاق والقيم ويفضل عدم المبالغة بالاحترام حتى لا يساء الفهم. الاحترام قوة وكل من يعطي الاحترام هو جدير بأن نكن له الاهتمام . حتى نأخذ فخر واحترام الآخرين يجب أن نفخر ونحترم أنفسنا أولا.
كالعادة، عند كتابتي للمقال خطرت قصة على بالي سأستعين بها لإيضاح مفهومي عن القوة. القصة تدور أحداثها حول فتاة جامعية، عانت في بداية المرحلة الجامعية الكثير من الإحباطات. بسبب قلة ثقتها بنفسها مما أثر على إرادتها وشخصيتها تأثيرا سلبيا، وهي التي تحلم بأن تكون شخصية مؤثرة. ولها إهتمام بالكتابة القصصية لأنها تكتب منذ المرحلة الإعدادية، لكن قلة ثقتها بنفسها وحيائها من الآخرين، منعاها عن تحقيق كل ما تصبو إليه مما زاد التشاؤم لديها. وفي أحد الأيام بينما كانت تجلس على الفيسبوك، قرأت ما يلي: “الجميع يحلم بتحقيق أشياء عظيمة في الحياة وتحقيق النجاح، ولكن لسوء الحظ لا يفعل ذلك سوى عدد قليل من الناس ويتخلى معظم النَاس بسرعة عن أحلامهم عند الفشل الأول إذا كانت إرادتهم ضعيفة، من الخطأ أن يوقفنا الفشل عن تحقيق أهدافنا، لأنه جزء لا يتجزأ من طريق النجاح بل هو أحد أهم الركائز، نادرون هم من يحققون أشياء عظيمة من المرة الأولى، معظم الأشخاص الناجحين قد عانوا من الإخفاقات الكبيرة قبل أن ينتصروا بقوة الإرادة”. ظلت تفكر بما قرأته كثيرا لأن وقع ما قرأته أثر كثيرا عليها لأنه شابه حالها، ولأنها أرادت وبشدة أن تغير نفسها للأفضل صنعت لنفسها كوبا من الشاي وأخذت تبحث أكثر عن عبارات تدفعها للخروج من منطقة الراحة التي تحبس نفسها بها طوال الوقت. وظلت تذكر نفسها بأن عليها فعل الكثير، ظلت عازمة على أنها لن تستسلم أبدا في شيء بعد الآن سواء كان شيئا كبيرا أو صغيرا، أو تافه.
في اليوم التالي كان لديها وقت فراغ كبير استغلته ببدء التغلب على العثرات التي تواجهها فبدأت بثقتها بنفسها وأخذت توبخها وتقول لنفسها أنا أستطيع فعل الكثير، كغيري من الأشخاص الذين أحبطوا مرارا وفشلوا كثيرا، وتغلبوا على الفشل بعزيمة و إصرار. قامت بالإتصال على صديقتها لمساعدتها بتصوير مقطع فيديو قصير عن كيفية الكتابة للمبتدئين، وبما أنها صديقتها سوف تدعمها وتساعدها بالمثابرة لتقوية إرادتها، وثقتها بنفسها حتى تتحلى بشخصية قوية أمام الكاميرا. بعد عدة مرات من محاولة تصوير الفيديو أخيرا، تمكنت من تقديم المحتوى بشكل سلس هادف دون أن تتوارى بخجلها عن الآخرين، وعند حلول المساء قامت بنشر المقطع المصور على مواقع التواصل الاجتماعي إذ لاقى الكثير من التفاعل، وإذ بدكتور اللغة العربية في جامعتها يرسل لها بأنه مهتم بمهارتها وأنه يستطيع مساعدتها، وافقت وذهبت في اليوم التالي لدكتور اللغة العربية الذي أعطاها مشروع لتستلمه يختص بتعليم الكتابة، واستطاعت أن تسافر لأحد البلدان لإكمال المشروع وإنهاءه. تعلمت أنه عليها أن تكون متفائلة دوما حتى في لحظات الفشل وان ترى الفرصة في كل صعوبة.
نوال مسعود