عجلة المشاعر والذكاء العاطفي

عجلة المشاعر والذكاء العاطفي

لقد اختلفت النظريات والدراسات في الآونة الأخيرة حول معرفة ماهية المشاعر والأحاسيس بصورة أوضح. في بداية السبعينات بدأ العلماء بتعريف و تصنيف المشاعر، حيث تمّكن العالِم “آيمكان” عام ١٩٩٢ من إلقاء الضوء على ستة مشاعر أساسية ألا وهي: الخوف، الغضب، الإندهاش، الإشمئزاز، السعادة والحزن. إذ ينظر البعض إلى العواطف كَـردّات فعل عصبية تطلقها محفزات خارجية أو داخلية، بينما المشاعر هي ما يشتمل عليه العقل من وعي و إدراك و وجدان. أمّا في الثمانينيات جاء “روبورت بلوتشك” صاحب عجلة المشاعر لـيتحدّث عن مدى إندماج وإختلاط العواطف والإنفعالات في الوقت عينه. وأردف قائلاً أنّ هنالك ثمانية أبعاد عاطفية أولية: السعادة مقابل الحزن، والغضب مقابل الخوف، والثقة مقابل الإشمئزاز، والإندهاش مقابل الحدس. 

 

عجلة المشاعر والخوف

يعتبر الخوف حالة طبيعية فيسيولوجية ونفسية تشعرُ بها الكائنات الحيّة خاصةً الإنسان. هو موجودٌ لدى الإنسان منذ ولادته أيّ بالفطرة. لكن تختلف درجاته وأنواعه تبعًا للظروف التي يعيشها كلّ شخص. علاوةً على ذلك، يعدّ الخوف من الإنفعالات التي تصنع إنساناً انتقاديّ، شكّاك، عدواني، و كاره. ماهو الشعور؟ يتداول الناس كلمات الإحساس والشعور بشكلٍ شبه يومي ليصفوا حالاتٍ عدّة يمرّون بها، لكنهم قد لا يعرفون ما الفرق بين الإحساس والشعور. قد يخلط الكثير من الناس بين هذين المصطلحين ويعتبرون أن معناهما واحدًا، لكن في الحقيقة يوجد بعض الفروقات بين هذين المصطلحين. أوّل هذه الفروقات هو الفرق في المعنى، ومعنى الإحساس في معجم المعاني: ظاهرة فسيولوجية نابعة من الداخل مثل: العطش والجوع والألم، وهو ناتج عن إحدى حواس الإنسان حين تتأثر بمؤثر ما، ويمكن قياس الإحساس بحسب المتغيرات والمنبهات، كما يمكن أن يكون الإحساس متبادلًا ويعني: الإنسجام والتفاهم والإتفاق.

 

جذور الخوف

الأنا هي التي تدير حياتك بسبب طبيعتها الوهمية. على الرغم من آلياتها الدفاعية الدقيقة، الأنا ضعيفة للغاية وغير آمنة و على الدوام ترى نفسها تحت التهديد. هذا هو الحال نفسه حتى و لو كانت الأنا واثقة جداً من الخارج. لابد لأن حالة الخوف النفسي منفصلة تماما عن أي خطر مباشر، حقيقي وملموس. هي تأتي بأشكال عديدة: عدم الارتياح، القلق، عدم اليقين، الهم، العصبية، التوتر، الرهبة، الفزع، الرهاب، وما إلى ذلك. هذا النوع من الخوف النفسي هو دائماً مقابل شيء ما، قد يحدث، ليس شيئاً ما يحدث الآن. أنت هنا و الآن بينما عقلك في المستقبل. هذا الأمر يخلق ما يمكن أن نسميه فجوة القلق. إذا كنت على اتصال مع عقلك وفقدت التواصل مع قوة وبساطة الآن إن فجوة القلق هذه ستكون رفيقك الدائم. الأمر بسيط جداً، إذ يمكنك دائماً التعامل، والتوافق، والتأقلم مع اللحظة الحالية ومواكبتها.

لكن لا يمكنك التعامل أو التوافق مع شيء ما، ليس أكثر من إسقاطٍ عقليٍ و ذهنيٍ محض إنه من الصعوبة أن التعامل والتأقلم مع المستقبل. طالما أنك متماشي مع عقلك، فإنك من أن تتذكر الآن أن المشاعر و العواطف ماهي إلا ردة فعل مباشر من جسمك على عقلك. السؤال الهام للغاية، ما هي الرسالة التي يتلقاها الجسد باستمرار من الأنا؟ من الذات المزيفة (التي هي من صناعة العقل)؟ الرسالة الدائمة من الأنا هي: خطر، خطر ، أنا تحت التهديد. السؤال الثاني المهم  الذي يتبع السؤال السابق: ما هي العاطفة الناتجة عن الرسالة الأولى المستمرة؟ بالتأكيد… الخوف.

 

أنواع الخوف: مكتسب وفطري

الخوف في بعض الأحيان فطري وفي أحيان اخرى مكتسب. ينظر إلى الخوف على أنه فطري وذلك على أنه له علاقة بغريزة الإنسان منذ  ولادته بالفطرة؛ أي مدموغ فينا، وهي غريزة البقاء التي تحمي البشر من الاخطار. مثلا، عندما تكون في الغابة وترى أسد، أنت تعمد للإختباء أو الفرار من هذا الخطر. أيضا، خوف الأنسان وتنبه المستمر لحركة السيارات خوفا على حياته اثناء قطعه للشارع.

الأن لنذهب إلى وجهة نظر أخرى لمفهوم الخوف وهو أنه في أحيان قد يكون مكتسب؛ أي له علاقة في موقف مخزن في عقلنا اللاواعي. يشبهه الكثيرون بأنه يطفو على السطح عندما يحدث موقف مشابه له. يجب على الفرد التخلص والتحرر من مخاوفه، هي تحول دون تقدمه وتطوره في حياته، لذا تُعَالَج العديد من الاضطرابات المتعلقة بالخوف باستخدام العلاج بالتعرُّض. وهذا يساعد الناس على نسيان الخوف الناجم عن التهديد، وذلك عن طريق كسر الترابط بين “المُحفِّز” (صورة أو صوت يسبب تلك الاستجابة) وبين العواقب المؤذية للتهديد؛ وهذا عن طريق أن يُعرَّض المريض للمُحفز لكن دون أن يُعرَّض للعواقب.

الخوف نَتَجَ عن مجموعة أفكار غير حقيقة ووهمية من العقل الداخلي إلا إن الشعور بالخوف هو شعور حقيقي يشعر به الإنسان السوي ولا يسمح بإن يتحكم به ويجعله مهزوم. ممكن تعريف الذكاء العاطفي بأنه القدرة على فهم واستخدام وإدارة مشاعرك وعواطفك الخاصة بطرق إيجابية، لتخفيف المشاعر السلبية كالقلق والتوتر والإحباط، والقدرة على التواصل مع المحيطين بك بفاعلية أكبر.

كما وتوجد أربع صفات للذكاء العاطفي:

  1. الإدارة الذاتية: التي تُمكنك من التحكم في مشاعرك، والسيطرة على سلوكياتك الإندفاعية، وإدارة عواطفك بطريقة صحيّة، واتخاذ المُبادرات في الوقت المُناسب، ومُتابعة الالتزامات، والتكيّف مع الظروف المُتغيرة.
  2. الوعي الذاتي: بحيث تعرف مشاعرك الخاصة، وتعرف كيف تؤثر في أفكارك وسلوكك. تدرك به نقاط قوتك وضعفك، وهو ما يعزز الثقة بالنفس.
  3. الوعي الإجتماعي: يمد الذكاء العاطفي صاحبه بالقدرة على فهم عواطف الآخرين واحتياجاتهم ومخاوفهم. كذلك يُمكّنه من التقاط الإشارات العاطفية الصادرة إليه منهم. يُساعد أيضاً على الشعور بالإرتياح الإجتماعي، ويحمي من سوء الفهم الذي يُفسد العلاقات. على نطاق أوسع، يساعد على فهم ديناميكيات السلطة في مجتمع أو مجموعة أو مُنظمة أو مقر عمل.
  4. القدرة على إدارة العلاقات: إذا حظيت بقدر مُناسب من الذكاء العاطفي، أنت في هذه الحالة تعرف كيف تُطور علاقات جيدة وتُحافظ عليها، وتُلهم الآخرين وتؤثر فيهم. تستطيع العمل بشكل جيد في فريق، وتعرف أيضاً كيف تُدير الصراعات وتُنهي الخلافات.

 

علينا أن نعي بإنه فترة طبيعية تحصل لنا نتيجة تراكمات إلا إننا قادرين على تجاوزها. من الطرق الأخرى لمواجهة الخوف هي دعم الأسرة وتماسكها والأمان بين أفرادها. احدة من الوسائل الّتي تُساعد على تخطّي المخاوف الّتي يتعرّض لها الأفراد، ويعود ذلك للعديد من الأساب الّتي من ضمنها مُساعدة الفرد على إجراء تقييم واقعي ومنطقي لأنواع التهديد أو المخاوف الّتي يُعاني منها. إضافة إلى حرصهم على تقديم الدّعم الّذي يحتاجه الفرد للتعامل مع القضايا المُختلفة الّتي تواجهه وبالتّالي ستتنمّى لديه ثقة أكبر بنفسه للمواجهة. التعرف على الذات يُفيد اتّباع أسلوب التعرف على الذّات في تحديد العوامل الّتي تتسبب للفرد بالخوف أو القلق. يُمكن أن يُشكّل ذلك بداية الطّريق للسّيطرة عليها أو حلّها، كما أن هذه العمليّة تُعتبر بسيطة؛ حيث أنها قد لا تتطلّب أكثر من أن يحتفظ الفرد بمدوّنة حتّى يتسنّى له تسجيل ما يمر به من مواقف أو ظروف وتحديد الشّعور الّذي يُسيطر عليه في ذلك الوقت، ثُم إضافة بعض الوسائل الّتي يعتقد بفائدتها في تلك الظّروف.

مخاوف الأفراد ممكن أن يتبدد منها أو يتخلص منها عن طريق العديد من الطرق والإستراتيجات. على الفرد أن يفهم ذاته، يفهم هو لماذا خائف او مصدوم او حزين او فرح، ليستنى للمشاعر أن تكون خارجه من مكانها الصحيح، وليستطيع التعامل مع افراد مجتمعه، ويستطيع ان يطور وينمي في بلده، لأن أعمار الارض عبادة. كما قال جوزيف كامبل, قديكون الكهف الذي تخشي دخولة يحمل الكنز الذي تبحث عنه.

رنا ضمرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *