القوالب الفكرية

القوالب الفكرية

مصطلح الصوره النمطية يشير إلى الحكم الصادر لوجود فكره مسبقة  في شيوع فكره معينة عن فئه معينه. تأخذ الصورة النمطية صفة العمومية، وإن هذه الأفكار النمطية والفكير النمطي يمكن ارجاعه إلى عادات وتقاليد وموروثات اجتماعية وثقافية. أيضا، إن التأثر بالمبادئ والأفكار دون الغوص في المبررات والتفكير قبل أن تتولد قناعة وإيمان لدى الفرد تجاه أمر ما، يؤدي لحدوث النمطية. إن الصورة النمطية هي طريقه لتصنيف مجموعة من الأشخاص وتوصيفها والحكم عليها بمميزات ثابته، ومصطلح التعميم هو الأقرب للغتنا المتداولة لوصف هذه الظاهرة وأي شخص ينتمي لمجوعة يوسم بالخصائص التي أطلقت على المجموعة ككل بدلا من النظر إليهم على أنهم أشخاص مميزين متفردين بصفاتهم و مميزاتهم.

إن اصطلاح ظاهرة النمطية ظهر منذ فترة قريبة نسبيا فقد طرح لأول مرة عام ١٩٢٢ في كتاب الرأي العام للكاتب والترليبمان وأشار إلى معتقدات الناس عن الفئات الإجتماعيه المختلفة. علماء الاجتماع في ذلك الوقت أكدوا عدم دقة هذه الاحكام. للصور النمطية خصائص، يمكن أن تكون الصور النمطية واضحةً أو ضمنية؛ الصور النمطية التي تتكون ثقافية أو مجتمعية غالبًا ما تكون مصدرا للصور النمطية الضمنية. تؤدي القوة والإمتياز دورا محوريا في تكوين الصورة النمطية؛ إذ تؤيِّد الصور النمطية التمييز وعدم المساواة وهذه الخصائص يمكن أن تساعد المجتمع على تحديد الأفكار التي يمكن وسمها بالتعميم. يدفع الناس للتفكير مليا بتلك الأحكام التي تصدر تجاه المجموعات الاخرى في المجتمع، وهذا لا يعني تقييد حرية التعبير بل هي وسيله لتفتح الذهن و البعد عن العنصرية و الطبقية. لعل من أسباب الصور النمطية هي تصنيف الفرد ضمن جماعات، كل فرد يصنف باقي الأفراد وفقا لخبرته و مفاهيمه أو لتعامله مع أحدهم. لعل خطاب الكراهية سبب أساسي لتكوين الصور النمطية والذي يعد أي كلمة أو تصور أو فكرة تدعوا لنشر الكره والبغض نحو فئه معينه من الناس.

توصل علماء النفس بعد الدراسات إلى أن الانطباعات الأولى عن الآخر تنشأ بناء على توقعاتنا المسبقة، حيث أننا نتصرف بتلقائيه بناء على الصورة النمطية التي في دماغنا. الصورة النمطية تنشىء ترابطات أو اقترانات وهمية بين أحداث أو موضوعات غير موجوده في الواقع تدفعنا لبناء أحكام غير دقيقة. تتعدد أشكال الصور النمطية في أشكالها، أول الأنواع هي الصور النمطية العرقية، التي تتشكل حول عرق معين، وثاني الأنواع هي الصور النمطية الدينية حيث يتم فيها تكوين صورة عامة عن دين معين. شكل آخر للنمطية هي الصور النمطيه الجندرية، التي تكونت بسبب أفكار ومعتقدلت تقليدية وتناقلتها الأجيال. يوجد أيضا الصور النمطية الثقافية، التي تتعلق بثقافة أو بلد أو موقع جغرافي. إن الصورالنمطية موجودةفي كل مكان في العالم وتتعدد في أشكالها تبعا لتفكيرمتبنيها وأهدافه. 

من أين تأتي القوالب النمطية؟ هناك عدة تفسيرات وفرضيات بحثت في نشوء القوالب النمطية. مبدئيًا يمكننا القول أننا نتعلم ذلك من الحياة ومَن حولنا. الكثير من المعلومات التي تدخل وعينا تأتي بطبيعة الحال من الثقافة المحيطة بنا، عملية تمرير المعلومات الإجتماعية بشكل متكرر من شخص لآخر يمكن أن تؤدي إلى التشكيل العفوي وغير المقصود للقوالب النمطية عن الأشياء والأشخاص والمجموعات. أيضا، نظرية الدور الإجتماعي التي تلعب دورا كبيرا من ناحية تكوين الصور النمطيه، حيث أنه أدوار، فتصنيفات، فقوالب نمطية. في علم الاجتماع وعلم النفس الإجتماعي، تنصّ نظرية الدور الاجتماعي على أن الأدوار اليومية للأفراد في المجتمع تخضع لمجموعة من التنبؤات والتوقعات والمعايير والسلوكيات التي يجب على كل فرد أن يحققها. تستند هذه النظرية إلى فكرة أن الأفراد يتصرفون بطرق يمكن التنبؤ بها، وأن سلوكياتهم تخضع للسياق الإجتماعي إضافة بعض العوامل الأخرى.

وفقا للنظرية، يؤدي الفرد في حياته الإجتماعية أدوارا يتوقعها منه المجتمع لكونه يشغل مواقع معينة، وتختلف أدوار الأفراد باختلاف تلك المواقع، كما أن التفاعل بين هذه الأدوار ينتج ما يسمى بالبناء الإجتماعي الذي يمثل مجموعة أنظمة تتداخل فيما بينها وتتفاعل لتشكيل وتحديد أنماط السلوكيات الفردية حسب القيم والمعايير السائدة في المجتمع نفسه، والتي تسعى لتحقيق تكامله واستمراره. يمكن استخدام نظرية الدور الإجتماعي لفهم القوالب النمطية التي يطلقها المجتمع على الأفراد، حين يصبح كل فرد مسؤولا عن دور معين يتوقعه منه المجتمع، تتشكل الملاحظات اليومية عن ذلك الدور وغيره من الأدوار. بالتالي يصبح سهلا على العقل رسم قوالب نمطية معينة بناء على ما يتوقعه أو ما ينتظره من الآخرين. هناك ميل إلى الإفراط في التركيز على ما يفعله الآخرون ويقومون به من أدوار معينة وافتراض أنها مناسبة تماما لهم دون غيرها من أدوار، أو أنهم وحدهم الذين يستطيعون القيام بها دون غيرهم. على سبيل المثال، تقوم النساء بتحمل مسؤوليات تربية أطفالهن أكثر من الرجال، إلا أن عقولنا تميل للتفكير بأن ذلك من طبيعة المرأة نفسها، وأنّها خلقت لهذا الدور، لذلك نبدأ بإسقاط بعض الصور النمطية من قبيل أن الفتاة خلقت للتربية والإعتناء بالأطفال والزوج، والحد من قيمة مسؤولياتها الأخرى وأدوارها المغايرة في الحياة.

بعض القوالب النمطية الخاصة بالجنسين لديها القدرة على إحداث ضرر في المجتمع من خلال الحد من الكيفية التي يرى بها الناس أنفسهم وكيف يراهم الآخرون، والقرارات المتعلقة بالحياة اليومية التي يتخذونها. الإعلان الذي يظهر الرجل أو المرأة وهما يفشلان في تحقيق مهمة خاصة بسبب جنسهما، مثل عدم قدرة الرجل على العناية بالطفل بالشكل الصحيح أو عدم قدرة المرأة على قيادة السيارة بمهارة ، قد يكون سببا لقرارات مستقبلية منها تمنع الرجل عن رعاية طفله، أو تخوف المرأة من سياقة السيارة. الأخطر من هذا كله عندما يتعدى التنميط صورة الرجل والمرأة إلى أنماط أخرى تبنى عليها نظرة لشعوب بالكامل. مثلا، الصوره النمطيه العرقيه  تكون عدة تحاملات وفوبيات عرقية مبنية على صور نمطية عرقية سواء أكانت صحيحة أو خاطئة. تذكر الصور النمطية العرقية أحيانا في النكت العرقية ولكن بعضها يعتبر عنصريا أو متهجما بدرجاتٍ مختلفة. يستعمل “ريتشارد إم ستيرز” و “لوسيارا ناردون” في كتابهما حول الاقتصاد العالمي نكتة “لديك بقرتان” ليمثلا الإختلاف الثقافي بين بعض الدول. كتبا نكتا من هذا النوع. شركة كاليفورنية؛ لديك مليون بقرة أغلبها مهاجرة، هذا النوع من النكت يعتبر مضحكا لأنها تمثيلات كاريكاتيرية واقعية لعدة ثقافات. ترجع شعبية هذه النكت إلى الإختلاف الكبير بين ثقافات مختلف الحضارات البشرية. يذكر ستيرز و ناردون أيضا أنه يجب توخي الحذر عند إلقاء هذه النكت أو نشرها.

الصور النمطيه الجندريه؛ تُعرِف منظمة الأمم المتحدة التنميط الجنساني على أنه نظرة معممة أو فكرة مسبقة عن خصائص أو سمات يملكها أو ينبغي أن يملكها الرجال والنساء، أو عن الأدوار التي يؤدونها أو ينبغي لهم تأديتها. القالب النمطي الجنساني يكون ضاراً عندما يحد من مقدرة النساء والرجال على تنمية قدراتهم الشخصية، ومواصلة حياتهم المهنية، واتخاذ خيارات بشأن حياتهم وخطط حياتهم. القوالب النمطية الضارة يمكن أن تكون سلبيه او ايجابيه.

يشير تعبير التنميط الجنساني إلى الممارسة التي تُنسب بها إلى امرأة معينة أو رجل معين خصائص أو سمات أو أدوار محددة لسبب وحيد هو عضويتها أو عضويته في الفئة الاجتماعية من النساء أو الرجال. التنميط الجنساني يكون غير مشروع عندما يسفر عن انتهاك أو انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وغيرهم الكثير من الصور النمطيه. باتت الصور النمطية مشكلة كبيرة في مجتمعاتنا في الوقت الحاضر والمشكلة الأكثر خطورة هو تضخمها وانتشارها في المستقبل إذا لم يتم الحد منها، لذلك يجب زيادة الوعي الثقافي والاجتماعي في المجتمعات حول العالم. هنا يقع العاتق الأكبر على المدارس والشبكات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي. لا يخفى على عاقل أن وسائل التواصل الاجتماعي قدمت عصاة سحرية لبناء تلك الصور النمطية واستغلالها، والقولبة في زمن العوالم الإفتراضية أصبحت أسهل وأسرع وأخطر. كيف ستحل المشاكل إذا كانت القولبة أو التنميط هي أساس العلاقات والتعامل؟ بل ما الذي يدعو للتغيير في مجتمع الوصمة؟ وكم يكون صعبًا تراجع المخطئ عن خطئه أو توبة المذنب؟

إذا بقي المعيار هو الصورة النمطية في الوعي الجمعي، وليس القيم العليا المتصلة بالخالق، فكيف سيؤول بنا الحال والإعلام يمعن في سحب المجتمع وأخلاقه نحو الهاوية. برسم صور نمطية تقلب الحقائق وتهدم القيم والدين وحتى الإنسانية؟ وأخيرًا، هل هناك أمل في تغيير الصور النمطية المسيطرة؟ الجواب مرهون بالتربية أولًا، وبدور التعليم في المجتمع ثانيًا، ووسائل الإعلام ثالثًا. يجب علينا تعليم أبنائنا القدرة على ممارسة الفكر الناقد، ومهارات المشاهدة النقدية لوسائل الإعلام، ربما ذلك سيجعلهم مشاهدين مستنيرين، بدلًا عن متلقين سلبيين تسيطر عليهم وسائل الإعلام التي تكرس لديهم الصور النمطية غير المرغوبة.

يارا النسور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *