النزاعات

النزاعات

من المعروف أن البشرية قد شهدت خلال القرن العشرين مجموعة من الحوادث المأساوية التي تركت أثرا كبيرا على حياة ملايين من البشر على هذا الكوكب. لا شك أن الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت من أبرز هذه الحوادث وأهمها على الإطلاق ليس فقط من ناحية النتائج الكارثية التي خلفتها هذه الحروب على كثير من الأمم والشعوب. لكن أيضا من ناحية التأثير على طبيعة النظام الدولي الجديد والذي ابتدأ بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945. كان من أهم إرهصاته بروز الولايات المتحدة والإتحاد السيوفيتي كأبرز قوتين على الساحة الدولية. قد رافق ظهور هذين القطبين بروز مجموعة من المشاريع والأبحاث التي تعنى بدراسة أسباب الحرب والصراع والعمل على حلها وتلافي حدوثها مستقبلا. تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 والتي أصبحت تعد واحدة من أهم المشاريع الدولية في القرن العشرين لبناء السلام العادل بين جميع الشعوب والأمم في العالم. مما يجدر ذكره هنا بأن دراسات السلام والصراع كانت مرتبطة في مجالات أكاديمية أخرى مثل العلوم السياسية أو العلاقات الدولية أو حتى علم الإجتماع. كان لإسهام العديد من المفكرين في هذه المجالات دور كبير في بناء الأساسيات النظرية والإطارات المنهجية لدراسات السلام والنزاع من أمثال كارل ماركس وماكس فيبر، بالإضافة إلى اسهامات كثير من علماء النفس والنفس الإجتماعي أمثال بانادورا ويونج وفرويد.

تنامى الإهتمام بدراسات السلام والنزاع نتيجة ظهور وانتشار حركات الإستقلال الوطني والتحرر من العنصرية وازدياد الحركات المطالبة بحقوق العمال والنساء والأقليات في عقود الخمسينيات والستينات من القرن المنصرم فضلا عن بروز أشكال عديدة من المعاناة الإنسانية كالعنف والفقر والإضطهاد. قد استدعى هذا الإهتمام ضرورة تأسيس علم مستقل يعنى بفهم أسباب ودوافع هذه الظواهر وآلياتها مع كيفية تسوية أو حل المنازعات المتصلة بها. منذ الستينات بدأت بعض الجامعات والمراكز الأكاديمية في الغرب – خاصة الولايات المتحدة- في تخصيص دورات دراسية المجال النزاع والسلام، ثم تطور ذلك إلى تأسيس برامج أكاديمية لدراسات السلام والنزاع كمجال أكاديمي مستقل.

حتى يومنا هذا، أصبحنا نشهد وجود العديد من البرامج والخطط الدراسية المرتبطة بعلم السلام والنزاع في العديد من جامعات العالم، بالاضافة إلى بروز كثير من المفكرين الذين ساهموا أو ما زالوا يساهمون في تطوير هذا الحقل من العلم من خلال الأبحاث العلمية المستمرة التي تتناول كثير من المشكلات الدولية والإقليمية وذلك بهدف الوصول إلى بناء نموذج علمي ليس فقط لحل النزاع وإنما أيضا للوقاية من الصراع قبل حدوثه من خلال معالجة الأسباب الكامنة وراءه. لا بد من الإشارة هنا بأن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني لها دور كبير في التأثير على تطور هذا العلم وبروزه وذلك لأن أهدافها بالأساس تتعلق في توفير بيئة آمنة يسودها السلام والرخاء لجميع الناس. جاء هذا المقال ليوضح تعريف النزاعات، أثر النزاعات على المجتمعات، وطرق المعالجه.

هناك العديد من المفاهيم والتصورات النظرية المختلفة لمصطلحات السلام والنزاع والسبب في ذلك يعود إلى اختلاف المدارس الفكرية والتوجهات السياسية لمنظري هذا العلم، فضلا عن المتغيرات العديدة التي واكبت القرن العشرين والتي بلا شك كان لها أثر واضح في نشأة هذا العلم وتطوره. تجدر الإشارة هنا إلى أن علم دراسات السلام والنزاع لا يعد علما جامدا، بل هو علم ديناميكي ومتغيركباقي العلوم الإجتماعية التي تحاول دائما ايجاد تصورات ونماذج حديثة لمفاهيمها النظرية وذلك يرجع الى ظهور الكثير من القضايا الدولية المعاصرة والتي تستوجب البحث والتطوير المستمر لايجاد الحلول والبدائل العلمية المناسبة للتعامل معها. يمكن اجمال بعضها كما يلي:

  • النزاع: هو تصارع فعلي بين طرفين أو أكثر يتصور كل منهم عدم توافق أهدافه مع الاخر أو عدم كفاية الموارد لكلاهم وتعويق تحقيق أهدافهم (ويلمورت و هوكر، 1991).
  • النزاع :هو عبارة عن مجموعة من الإدراكات لجملة من الاهداف غير المتوافقة (ديفيز، 2009).

للنزاعات آثارها الخطيرة على المجتمع سواء من الناحية الإنسانية لإمكانية سقوط العديد من الضحايا بين قتلى وجرحى. كذلك من الناحية السياسية، تهدد الدولة في كيانها السياسي إذ قد تؤدي إلى إنفصال إقليم من أقاليم الدولة وتكوين كيان سياسي مستقل مما قد يدفع أقاليم أخرى إلى التطلع للقيام بمثل هذه النزاعات أملا في الحصول على استقلالها عن الدولة الأم وهو ما حدث أبان انهيار الاتحاد السوفيتي في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، ولا تتوقف آثار هذه النزاعات عند هذا الحد بل قد تكون لها آثارها التدميرية للمنشآت الاقتصادية. بالإضافة إلى أنها تعمل على هروب الاستثمارات سواء في ذلك المحلية أو الدولية، ووسنبين هذه الاثار كما يأتي:

إن الآثار الإنسانية للنزاعات الداخلية خطيرة جدا بسقوط العديد من الضحايا المدنيين الأبرياء بين قتلى وجرحى. هذا ما اعترف به الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق (دي كويار) عندما أعلن بمناسبة احتفال للمنظمة بعيدها الأربعين أن (2) مليون شخص لقوا حتفهم في نزاعات داخلية مسلحة. تعد الحروب والنزاعات الداخلية من ابرز الأسباب التي تؤدي إلى انتهاكات الحق في الحياة بشكل كبير لأنها توقع عددا كبيرا من القتلى في صفوف المدنيين الأبرياء.

أما بالنسبه  لأثارها السياسية على الدول المصابة بها، حيث تعد مشكلة انهيار الدولة من أولى النتائج والآثار المترتبة على النزاعات الداخلية والحروب الأهلية، يقصد بانهيار الدولة تقويض مؤسسات الدولة وانهيار اجهزتها بما لايسمح لها باداء وظائفها المختلفة. يتخذ هذا الإنهيار كنتيجة للنزاعات نمطين اساسين: النمط الأول: هو الإنهيار الشامل للدولة ويقصد به انهيار السلطة المركزية للدولة، ويحدث عندما تؤدي الإطاحة بالنظام إلى حدوث حالة من الفوضى الشاملة بما لا يسمح لاي من الجماعات المتنازعة السيطرة على الحكم بصورة كاملة. أما النمط الثاني: فهو الإنهيار الجزئي ويقصد به ضعف سلطة الحكومة وترهل جهازها البيروقراطي الذي ينجم عنه عجز الدولة عن فرض سيطرتها على جميع اقاليم الدولة، وقد تؤدي النزاعات إلى مطالبة بعض الجماعات بالإنفصال عن الدولة الأم ومحاولة إنشاء كيان سياسي آخر مستقل.

أما من الناحية الإقتصادية حيث تؤدي إلى إعاقة حركة التنمية بسبب هروب الإستثمارات الداخلية ومنع تدفق الإستثمارات الأجنبية إلى الدولة محل النزاع نظرا لإمكانية تدمير المنشآت الاقتصادية وتدمير البنية الأساسية اللازمة لتطوير العمليات الاقتصادية داخل الدولة. بالإضافة إلى خلق أعباء جديدة تتمثل في عمليات الإغاثة اللازمة لضحايا هذه النزاعات. إن آثار النزاعات تمتد إلى الجانب النفسي كذلك وما تتركه من طبع وسلوك غير سليم لأبناء المجتمع في تعاملهم مع البعض ومع الآخرين. حتى بعد انتهاء النزاع، الكثير من الأحقاد تبقى وان الكثير منهم غير مستعد لكي يعمل من اجل خدمة وبناء المجتمع من جديد. اضافة الى الآثار الاقليمية للنزاعات حيث ان حركة التجارة الدولية والاستثمارات بين دولة النزاع والدول المجاورة لها تتاثر بالنزاع، وكذلك حركة اللاجئين عبر الحدود تعمل على تحميل دول الجوار باعباء اقتصادية اضافية لتوفير الحاجات الضرورية لهؤلاء اللاجئين، وامكانية تسرب بعض الفئات المعادية للدولة المستقبلة للاجئين مما يؤثر على حفظ النظام وحدوث اعمال فوضى في الدولة المجاورة.

هناك وَسيلةٌ لحلّ المشاكل والخلافات بين طرفين دون الاحتكام إلى الجهات الرسمية، وهو خطوةٌ أولى وفرصةٌ جيّدة للوصول إلى توافقٍ بخصوص الكثير من المشاكل توجدُ الكثير من الطُّرق المتّبعة لحلّ النزاعات، ومنها:

  • التّفاوض: صبّ التّركيز على مصالح الطرفين وليس على موقف واحد: حيثُ إنّ التّركيز على موقفٍ مُحدّدٍ والإستمرار في ترديده بغضّ النّظر عن مصالح الأطراف الأخرى والتّفكير في إمكانية تحقيقها يقودُ إلى طريقٍ مغلقٍ أو إلى حلٍّ وسط لا يُرضي الأطراف ممّا يستدعي النّزاع مرّة أخرى لعدم رضى الأطرافة المعنيّة. طرحُ اختيارات ووجهات نظرٍ عديدة قبل التوصّل لاتفاق.
  • فصلُ الأشخاص عن المشكلة: يجبُ توجيه نظر الأطراف المُتنازعة إلى أنّهم يسعون سويّةً لمُهاجمة المشكلة وليس لمهاجمة بعضهم. تحديد مقياس مُنصف لقياس صلاحية الحلّ الذي خرجت به الأطراف المتنازعة: حيثُ من الممكن أن يكون هذا المقياس قانوناً معيّناً أو رأيَ شخصٍ ذي خبرة.
  • الوساطة: من خلال الجهدُ المبذول من قبل طرفٍ ثالثٍ مُستقلٍ عن أطرافِ النِّزاع، ويتمتّع بالحياديّة والشّفافية لمساعدة أطراف النّزاع على إدارة أو حلّ النّزاع. تَختلفُ شرعيّة الطّرف الوسيط وأسلوب تدخّله تبعاً لثقافة المُجتمع الّذي حصل فيه الخلاف. تُعتبر الوساطة غير ملزمةٍ للأطراف كونها لا تُعدُّ حكماً واجبُ التّنفيذ، إلّا في حال توافر نصّ أو قانون في ذلك.
  • التّحكيم: يكون  بالأسلوب الذي يقومُ به الطّرف الثالث المُتدخِّل في حلّ النزاع أو إدارته، والمُكلَّف بإصدار قرارات مُلزمة للأطراف المتنازعة. يُعدّ التّحكيم أسلوباً يُستخدم على نطاقِ النّزاعات الدّولية وفي المؤسسات الاقتصادية، كما يُعدّ رائجاً في المجتمعات التّقليدية، وهو أكثرُ الطُّرق قرباً من النّظام القضائي إلّا أنّه أكثرُ من الأخير سرعةً وأقلّ رسميّةً.
  • التّقاضي: يعدّ التقاضي الأكثر شيوعاً في طرقِ حلّ النزاعات إذ تتجّه الأطراف المتنازعة لجهةٍ مدنيّة للفصل بينها، ويُصار تحديد الحكم إلى قاضٍ ومُحلّفين، إذ يهتمّون بسرد الأدلة والاستماع للمعلومات المنقولة.

من وجهه نظري، أجد أن النزاعات موجوده بطبيعه الحال في الحياه  ولكن يجب توجيه هذه الطاقه الى شي ايجابي قابل لتطور والقبول من أجل أن يحدث تغيير ايجابي ويعم السلم , والأمن. من أهم الطرق لحل أي نزاع هو التقبل والقدره على التغير لتجد النتيجه التي تريدها بدون أن تتعدى على اللآخرين.

سراء القضاة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *