إذا كانت طبيعتك متعصبة وترى العالم باللونين الأبيض والأسود ولامكان للون الرمادي في رؤيتك وحياتك، ولم تعود نفسك بأن تضع نفسك في مكان آخر، ولا يوجد لديك مجال لتفكير أو مرونة في التفكير وهذا هو أكبر مرض متفشي في هذه الأيام. إذا تواضعنا قليلا وقرارنا أن نتعامل مع المعلومات المخزنة في عقولنا، على أن كل هذه المعلومات ليست حقيقية وغير نافعة، حينها ستكون لدينا الجاهزية لتطوير إمكانيات ذكائنا. ربما كل الراحة التي من الممكن أن تصل إليها اليوم ليس فقط لانك غيرت قناعتك وأيضا من طريقة استقبالك وتقبلك للمعلومات الجديدة، وأن تكون جاهز من أن تغير من أفكارك عن أي موضوع. ذلك لايعد نفاقا أو عدم تمكنك من الدفاع عن ما تملكه من معرفة ومعلومات. يجب أن يكون لديك القناعة بأن هناك من يعرف أكثر منك و لديه الحجة، وربما قد يأتي شخص آخر عنده نظرية وفرضية أفضل من الذي قبلة ويحاول أن يقنعك. مادام هناك جهاز الضبط والقياس الموجود لديك والذي تستخدمه كوقود ومحرك أساسي هو المنطق والعقل والتجربة. تناول الكاتب كارل سانج مجموع من النقاط وأطلق عليها مسمى “معدات كشف الهرم”، وهي عبارة عن 5 نقاط يتحدث عن كيف من الممكن استقبال المعلومات:
- التأكد من وجود مصدر مستقل للحقيقة.
- التشجيع على المناقشات الموضوعية مع الأدلة مع أصحاب المعرفة وحاول ناقش جميع وجهات النظر.
- ابحث عن أكثر من فرضية، وبعدها ضع أختبارات تستطيع من خلالها اختيار الافضل منها ولكن بشكل منهجي ومنظم والفرضية القابلة للنجاة هي التي تقاوم النقد.
- لا تتعلق بالفرضية فقط لأنها فرضية، واسأل نفسك لماذا تحب هذه الفرضية، قارنها جيدا بفرضيات أخرى بديلة.
- إذا كان هناك سلسلة للحجة، فكل حلقة فيها يجب أن تعمل وليس أكثرهم.
يجب علينا خلع القناع الذي تخفي فية هويتك والتوقف عن قول الأشياء التى يريد الآخرين أن تقولها وتلبس ملابس وأفكار الآخرين. في النهاية، سوف تنتبه أو أنك تكتشف أنك تعيش حياة هؤلاء الآخرين وللأسف أنت لا تعيش حياتك!. هذا هو بحد ذاته الموت البطىء، والركض وراء هؤلاء، يعيق نفسك والآخرين أمام تحدياتهم الذين بذلوها لخلق عالم تواصل معك. انت الرافض لهذا التواصل، وتقتل كل الفرص وكل محاولات المساعدة، وفي يوم من الأيام هذا الشىء سوف يقوم بتدميرك بأنه كان أمامك فرصة لإبراز مواهبك وإمكانياتك وانت رفضت هذه الدعوة لأنهم أوهومك أو عيشوك في صراع جوهري معهم، وأن لا يكون عندك اي ارتباطات بالعالم الذى من حولك. من الممكن أن يكون هناك اختلافات مع حضارات أخرى، بالتأكيد هذا ليس الصراع الجوهري الذي نفكر فيه، وهو أن تحمل نفسك حروب وصراعات أنت غير مسؤول عنها ولم تراها أو حتى تلمسها ولم تعشها وتعاصرها. المشكلة أننا على يقين بها أو اجبرنا على التعلق بها. ربما استهلكت كل نشاطاتنا الذهنية والعقلية فقط لتمجيد أفراد على حساب سمعتك وتقدمك وأنت في هذا العالم. هناك أشخاص يشعرون بالارتياح مع هذه الأوهام لأنها تشعرهم بالراحة وعدم المعاناة في التفكير ووضع الإحتمالات والدخول في المتاهات التى تفرضها عليهم الحقائق من متاعب لتفسير حقيقة هذا العالم الجميل.
في كل مرة نحاول أن نراجع فيها الحقائق لنتعرف على أنفسنا وعلى الحقيقة نخاف ونهرب منها ونعاني من مواجهتها ونرجع نتعامل مع نفس الأخطاء بإصرار وهزيمة ونجدد الولاء لنفس الهزيمة والخطأ. الأهداف اليوم هي التى تقود أعمالنا، وأن نتطلع على كل ما لدينا من معرفة وعلم ونفهم جذورها وكيف كبرت وما هي جوهرها. يجب اختبارها بكل ما نملك من مصادر فكرية. ربما الإحتمالات التى تنتظرنا لمعرفة ماهية المستقبل كثيرة وليس لها نهاية، مستقبلنا معتمد على ماذا تفكر به الآن. المشكلة هو بأننا نقيد أنفسنا داخل قوالب تجعلنا لا نعرف عن هذه الفرص العديدة التى تحيط بنا، وذلك لاننا لم نتعود على الإستعداد على رؤيتها. جرب إلقاء نظرة على الأطفال، حاول وإذهب لمدرسة وأسأل طلاب الصف الأول من منكم يستطيع الطيران بمظلة؟ أنت تعتقد بان هذه النظرية غير منطقية وغير واقعية، ولكن هم منفتحين على كل الفرص التى تقدمها لهم الحياة، وهم على استعداد على تجربة كل ما هو جديد وما هو مثير، هم قد لا يعرفون ماذا يعني القفز بالمظلة. السؤال كيف من الممكن إرجاع الحب النقي والحماس مثل ما كانت لدينا ونحن أطفال؟ إذا آمنا بوجودها وقدرتنا على الحصول عليها، وبالتالي نستطيع الرجوع إليها.
عندما تتخلى عن الصورة الخادعة وتبدأ بملاحظة الواقع على حقيقته بكل جماله وروعته تصبح الحياة أسرع، يصبح كل شىء جميل، وتسأل نفسك لماذا الايام تمر بسرعه؟. إذا سألت الحياة أسأله صحيحه ستجيبك بطريقة صحيحة والعكس تماما. هناك ما يسمى بالتنافر المعرفي، بأن يمر الإنسان بالعديد من المفترقات والقرارات التي من الممكن أن لا يعرف نتائجها. وجد الباحثين أن عقل الإنسان ينجذب نحو القرارت التى تكون مؤيدة لمعتقداته واتجاهاته الفكرية. حتى أنه من الممكن أن يبحث عنها ويتجاهل الأفكار والأفعال التى تتعارض مع قناعاته. ربما هذه التحيزات المعرفية من الممكن أن تجعل الفرد يتخذ قرارات خاطئة لأنه يرى الحقيقة الكاملة أو أنه يتجاهلها.
جميع المعتقدات ووجهات النظر هي عبارة عن تراكمات موروثة من العائلة أو تم اكتسبها من المجتمع ونحن صغار. أي شي تعلمناه في الصغر يتعامل معه المخ باهتمام وبحماية دائما ويركز على المعلومات الأساسية التي هي جزء من هويتنا وصورنا الشخصية. تعتمد درجة التنافر على العديد من العوامل منها الإعتقاد، كلما زادت قمية الإعتقاد زاد التوتر. العامل الآخر مبنى على طبيعتنا وارتكاز هذه المعلومة في وجداننا، إذا كنت ترى العالم باللونين الأبيض والأسود، هذا يعني لا يوجد لديك مرونة فكرية تتقبل بها أراء الآخرين. أيضا، يجب علينا أن نكون صريحين مع أنفسنا. تؤكد الأبحاث بأن التنافر المعرفي قد يكون جيد في بعض الأوقات وذلك من أجل التغيير وكسب معرفة جديدة من الممكن أن تكون مفيدة لنا. لذلك على الفرد أن يلاحظ سلوكياته وربما أن يتابع أفكاره حتى يتمكن من فهم جميع المواقف وما ينتج عليها من تغير. لعل التنافر يلعب دورا مفيدا ومهما في اعادة تنظيم إدراكنا وبذلك يقلل من الصراع الداخلي.
أحمد ابو حميد