اليوم العالمي لترجمة

اليوم العالمي لترجمة

تضم الكرة الأرضية دولًا عدة تختلف في الكثير من الأمور، ولعل الإختلاف الأبرز بينها هي لغة هذه الدول، وبات من الشائع تعلمنا كأفراد للغة أو أكثر أما بدافع علمي، أو ثقافي، أو مجرد ميول نحو تعلمها واكتساب معرفة واطلاع حول تاريخها .ورغم وجود من يتقن الحديث بلغات عدة إلا أنّ الغالبية العظمى قد تجهلها، لذا كان لابد من ترجمة كل لغة وإيصالها لمن لا يتحدث بها بلغتهم الأم. فأصبحنا نرى الترجمة متواجدة في جميع مؤتمرات السلام وفي جميع الإجتماع التى تناهض العنف، فكان لها أثر كبير في نقل لغة السلام الى جميع لغات العالم. ولأهمية الترجمة ودورها البارز في الكثير من المجالات تم تحديد يوم عالمي للإحتفال بها، والذي يصادف ألـ 30 من سبتمبر. ويرتبط هذا التاريخ بوفاة القديس جيروم سنة 420م، أحد أهم أعلام ترجمة الكتاب المقدس من اليونانية والعبرية إلى اللاتينية.

قد تم تأسيس هذا اليوم في عام 1953م، وفي العام 1991 أطلقه الإتحاد فكرة الاحتفاء باليوم العالمي للترجمة كيوم معترف به رسميًّا؛ وذلك لإظهار تعاضد المترجمين في جميع أنحاء العالم ولتعزيز أهمية الترجمة في مختلف الدول.ودورها في نشر السلام. تعتبر هذه الإحتفالية فرصة لعرض مزايا هذه المهنة التي تزداد أهمية يومًا عن الآخر في عصر العولمة، وتذكير المستخدمين للأعمال المترجمة بالدور الكبير الذي يقوم به المترجمون، وغالبًا ما يكون بإتقان ومثالية، ولا يزال أكثر هؤلاء المترجمين يعملون في كثير من الأحيان في الظل. لا تنحصر عملية الترجمة عادة في نقل الأفكار والمعارف، بل هي جزء من منظومة إيديولوجية تقوم فيها بدور الوسيط المعرفي وتشرف على إنجازها السلطة السياسية. فجميع المؤشرات تربط بين الفعلين السياسي والترجمي؛ وأيضا الترابط بين السلام والترجمة فهي فعلا” وسيط لنقل  لغة السلام الي جميع اللغات. ويمكن أن تكون الترجمة بمثابة الوسيط الذي يمنحنا القدرة على تحسين فهمنا لقضايا التنمية ولثقافات الشعوب الأصلية، وذلك بأفكار تتسم بقدرتها على تجاوز الحدود الثقافية والجغرافية. كما تكمن أهمية الترجمة في دورها المهم في حوار الحضارات  والثقافات الذي يهدف إلى تقوية التواصل والترابط؛ في فهم الحضارة في إطار من التعاون المبني على الاحترام المتبادل والأمانة والدقة بين الجيمع .

أيضًا، لعبت الترجمة دورًا حضاريًّا وثقافيًّا وعلميًّا بدأ منذ ظهور التاريخ البشري في نقل السلام وإضهاد العنف، ولا تزال تقوم بدورها حتى وقتنا هذا وستستمر في أدائه ما بقي للبشر حياة على وجه الأرض. والمتتبع لتطوير الحضارات الإنسانية وتنامي التقدم العلمي الإنساني يجد أنّ الترجمة ظاهرة تسبق كل إنجاز حضاري لأي أمة، ثم تستمر لمواكبةً النمو الحضاري لها. حتى كان لها دور فعال في نقل السلام وإضهاد العنف بين الحضارات الإنسانية، عن طريق ترجمة السلام الي كل لغات العالم ، وترجمة الكتب والمقالات التى كان لها دور كبير في ترابط المجتمعات مع بعضها وتقريب المسافة الجغرافية. فكانت أداة تواصل بين الشعوب على مدى العصور؛ وهي الأداة التي يمكن من خلالها مواكبة الأفكار والثقافات في مختلف أنحاء العالم . تعد الترجمة أحد أهم أدوات التواصل بين الشعوب والحضارات، وفي عالم الأنترنت والمتعولم يتسارع فيه إيقاع الأحداث، تجد الدول العربية نفسها مطالبة بالتحاور مع الشعوب الأخرى عن طريق الترجمة ووسائل أخرى بأننا ضدد العنف وبحاجة للسلام.

أهمية الترجمة في إنهاء الحروب أو إندلاعها بين الدول 

كان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر يعرف كيف يجذب انتباه الجمهور. وفي خطاب ألقاه خلال زيارته لبولندا عام 1977، أظهرته الترجمة وكأنه يبدي رغبة جنسية تجاه شعب بولندا التي كانت شيوعية في هذاك الوقت. كان الرئيس كارتر يريد أن يقول إنه يرغب في أن يعرف المزيد عن “رغبات البولنديين في المستقبل” ذلك المترجم الذي احتل مكاناً في التاريخ، حول أيضا عبارة الرئيس كارتر “غادرت الولايات المتحدة هذا الصباح” إلى “غادرت الولايات المتحدة ولن أعود أبداً”، حسبما قالت مجلة التايم. حتى العبارة البريئة البسطية التي قال فيها كارتر إنه سعيد ليكون في بولندا أصبحت تعني بعد ترجمتها أنه كان سعيدا لـ “للإمساك بالأعضاء الحساسة لبولندا”

لم يكن مثيرا للدهشة أن الرئيس إستخدم مترجما مختلفا عندما كان في مأدبة عشاء رسمية في وقت لاحق من الزيارة نفسها. لكن معاناته لم تنته هناك أيضا، بعد أن خطب أول سطر من خطابه، توقف الرئيس كارتر ليواجه صمتا مطبقا، وبعد أن ألقى سطرا آخر،  ساد المكان صمت مطبق مرة أخرى. ربما لو كان تطبيق جوجل للترجمة متوفرا!،  كان باستطاعه ربما أن يترجم  دون وقوع أخطاء ؛كان له أثر في زيادة حدة التوتر خلال الحرب الباردة. ففي عام 1956، جرت ترجمة تصريحات لرئيس الوزراء الروسي نيكيتا خروتشوف جاء فيها حسب الترجمة: “سوف نقوم بدفنكم” مخاطباً سفراء غربيين خلال حفل استقبال في السفارة البولندية في موسكو. الجملة كانت في عناوين الصحف والمجلات، مسببة مزيداً من البرود في العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والغرب. لكن عند وضعها في سياقها الصحيح، كانت كلمات خرتشوف تعني “سواء أعجبكم ذلك أو لم يعجبكم، سيقف التاريخ إلى جانبنا، وسوف ندفنكم”. النازعات أحيانا تكون المشكلة في سوء الفهم ليست في سوء الترجمة، إلا أن بعض الدول تستغل الإختلاف في اللغة لصالحها. لحل أو إنهاء الحروب مثلا.

الترجمة طريق لتواصل الشعوب

فهناك ما يسمى بالترجمة العكسية هي الأمل للتواصل الجاد مع الشعوب الأخرى، وبدونها سوف تبقى الفجوة قائمة، فترجمة مسرحية أو رواية أو مجموعة قصصية، أو كتاب للطفل سوف يقطع مسافات نفسية وفكرية وثقافية كبيرة بيننا وبين الآخر وأيضا هي أدة لنشر المحبة والسلام.  إن نقل ثقافات الأمم، وتحويل ما يصفه البعض بصراع للحضارات إلى تكامل ووئام، يأتي في مقدمة مهام الترجمة. ولن يأتى هدف كهذا، إلا عن طريق الإنفتاح على الآخر. هنا تلعب الترجمة، وبخاصة الأدبية منها، دوراً جوهرياً في تفهم الغير، واحترام تقاليده، وقِيمه، وموروثاته. إذ يُعد العمل الأدبي تلخيصاً لعدة جوانب من حياة المجتمع الذي ينتجه. فإن تمت ترجمته للغة إخرى، واطلع عليه قراء مجتمع آخر، فلا شك في أنه سيعمل على توسيع مداركهم وأفاثهم، ويخرجهم من دائرة ” الأنا” الضيقة، الى رحاب عالم أكثر إنفتاحا. ومن هنا يمكن القول أن الانفتاح على الغير يُعد من أولى مهام الترجمة.

لعل الخليفة المأمون قد فطن لهذه النقطة الجوهرية حين قام بتأسيس ورعاية (بيت الحكمة) في القرن التاسع الميلادي، بيت تعايشت في جنباته الحضارة العربية في وئام وانسجام مع حضارات ذلك العصر، الأمر الذي أدى للفهم المشترك، والتبادل المعرفي البناء. على الرغم من أن الهدف الرئيس للترجمة هو الإنفتاح على الآخرين، وفتح قنوات الحوار معهم، وإعطاؤهم والأخذ منهم، إلا أن الترجمة، ليست بريئة على الدوام، حينما يتعلق الأمر بنشر التوجهات الفكرية، وعند التطرق لقضايا الهوية. الخلاصة بأن الترجمة أداة تواصل من حيث كونها وسيلة نقل لحضارات وثقافات الأمم والشعوب التي تتحدث لغات مختلفة بغرض خلق روح والترابط والتوافق بينها، بدلاً عن الصراع والصدام.

أحمد أبو حميد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *