كل سنه نحتفل بتخريج أكثر من 60 ألف طالب وطالبة من الجامعات، هل تعتقد بأّن هذا الخبر سيكون مفرحا لنا، او حين نقول ان 60 الف طالب وطالبة التحقوا بسوق العمل في تخصصاتهم. نحن ندرك أن هؤلاء هم رأس مال اي دولة، والاستثمار فيهم والإنفاق عليهم من أجل تأهيلهم، ثم اعادتهم الى سوق العمل سواء أكان في القطاع العام ام الخاص، في النهاية كله يعود للوطن وبالتالي تعد من الأرباح التى صرفت على رأس المال، حينها يجب أن نتحدث عن أهمية إعادة النظر في نظام التعليم، بحيث ان يتحول الى تعليم إيجابي بدلا من أن يكون له انعكاس سلبيا، أي أن عندما يتخرج الطالب ويتفاجأ بأن العلم الذي أمضى فية سنوات طويلة لم يكن ولم يحجز له مكانا في سوق العمل أو لم تتناسب مع متطلبات العمل، وتتحول شهادته إلى لوحة معلقة، ومن بعدها يواجه دوامة الخبرة ويجد نفسه في سجل كل الجهات التى تقدم الدعم للعاطلين عن العمل.
ربما ندرك جميعا أنه كلما ارتفع عدد العاطلين والمتخرجين من الجامعات، فهذا يعني بأن سوف تتضاعف الخسائر في رأس المال البشري وأيضا هدر المال وتكون النتيجة غير واضحة، بالاضافة الى تغير كبير في سلوكيات الطلبة نحو الأسوأ مثل تعاطي المخدرات والفراغ وازدياد حالات الجرائم، حيث وثقت بعض الفيديوهات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي التغير السلبي للطلاب من خلال التلفظ بكلمات مسيئة والتى لا تدل على قيمنا، وأيضا عدم منح المعلم احترامه ومكانته التى يستحقها، وهناك أيضا بعض المعلمين والمعلمات لم يعطوا الصور التى يجب أن يقدومها للطلاب والطالبات بأن تكون صورة جيدة ليكونوا قدوة لهم في المستقبل، وازدادت التصرفات والسلوكيات الغير جيدة في المدارس والجامعات، وأصبحنا كل يوم نسمع بأن هناك مشكلة في الجامعة كذا او اعتداء على مدرس، وكأننا نحتاج الى جانب المدارس المسورة بالاسمنت الى بيئة تعليمية محفزة وذات طابع ورسائل ايجابية
التعليم الإيجابي هو توجه إيجابي عالمي، بحيث انه يمزج بين التعلم الأكاديمي والشخصية، ومن خلاله يتعلم ويزود الطلاب بالمهارات الحياتية كـ المثابرة و التفاؤل والمرونة والتنمية الفكرية والتفاعل والتركيز ذهني الكامل وغيرها، حيث تشير تقارير أعده خبراء في جامعات عالمية ومدارس بأن التعليم الإيجابي، يعمل على صقل المواهب الفكرية للطلاب وعلى تطوير مجموعة كبير من نقاط القوة للطلاب وزيادة الكفاءات الفردية التى تعمل على دعم المجتمع.
حيث أقدمت معلمة أسترالية اسمها أنجيلا دوكورث، وهي مستشارة تعليمية، وقد أقدمت على خطوة رائعه جدا في مدرسه بأستراليا، وهي تدريب جميع المدرسين والذي كان عددهم 200 مدرس، فقد دربتهم على علم النفس الإيجابي ونقاط القوة والمرونة ورتبت زيارة للشخصيات البارزة في علم النفس الايجابي من كل أنحاء العالم، وقامت بتعيين مصمم مناهج ليقوم بتوجيه الطاقم التدريسي في وضع منهاج من الحضانة حتى الصف 12 وذلك بإستخدام علم النفس الإيجابي والتعليم الإيجابي وهو التأمل للإحساس بسعادة، في عام 2007 حينما غادر فريق التدريب المدرسة، أصبحت أكاديمية Geelong Grammar مركزا للتعليم الايجابي في العالم، حيث يقوم أعضاء المدرسة بتدريس التعليم الإيجابي في جميع أنحاء استراليا، وفي نهاية التقرير عن مدرسة جيلونغ استخدم طلاب التاسع في نفس المدرسة استراتيجيات الرفاه وهي تدرس في برامج التعليم الإيجابي، لمساعدتهم في الاستجابة الجيدة للأحداث اليومية، بما فيها التفكير المرن، وإتخاذ الخطوات الشخصية من أجل التعامل مع المواقف الصعبة، واستخدام نقاط القوة، والتعبير عن الامتنان، فيما أظهر طلاب الصف العاشر إزدياد ملحوظ في مستويات النمو العقلي وزيادة الأمل والتفكير في المستقبل، مقارنة بالطلاب الآخرين، عندها خرجوا بنتائج مهمة، وهي أن التواصل بين الطلاب والمعلم مهم للشباب، إذ يصبح الطالب يقدر قيمة التعليم الإيجابي عندما يتمكنوا من إدراك بأنه مرتبط بالواقع الفعلي وعند مشاركتهم في نشاط من أجل التعلم، وكيف من الممكن أن تؤثر هذه المهارت التى يتمتع بها المعلم في زيادة قيمة البرنامج بمنظور الطلاب.
أيضا، في المانيا مدينة في هامبورغ الطلاب يتعلمون كيفية الشعور بالسعادة، وهو موضوع يدرس في أكثر من 100 مدرسة في ألمانيا، فالسعادة وفقا للمدرسين فأنه مكسب ضروري لمواجهة الضغوط والإجهاد في المدرسة، وأيضا المناقشات الجماعية، والمدرسون يتدربون مع متخصصين لتعليم جميع الفئات العمرية في هذه المدرسة، وفي أحد الصفوف الطلاب الأصغر سنا” يرسمون ما يتبادر في ذهنهم، والهدف من ذلك هو كيفية التعريف بأنفسهم في المجموعات واحترام الآخر. عند النظر الى جامعاتنا فهي تركز على جوانب زيادة دخلها والاستقلال المالي والإداري والكفاءة في التشغيل، والحقيقة أننا في حاجة إلى تغيير جذري وفعلي في إسلوب التدريس وأساليب التعليم وإدخال التعليم الإيجابي إلى مدارسنا وجامعاتنا، وأن نعيد الى جامعاتنا ومدارسنا هيبة التعليم، وأيضا زرع مفهوم السعادة وكيفية بناء الذات والتعامل مع العصر الحديث بكل أنواعه وأشكاله.
“بيئات التعلم الإيجابية والمنتجة هي مفتاح النجاح الأكاديمي والعاطفي والاجتماعي للطلاب في الجامعات والمدرسة”
إستراتيجيات التعلم الإيجابي: تعتبر بيئات التعلم الإيجابية والمنتجة مفتاح النجاح الأكاديمي والعاطفي والاجتماعي للطلاب في المدرسة، غير أن هذه البيئات لا تخلق من تلقاء نفسها فهناك العديد من المكونات التي تدخل في خلق بيئة تعليمية إيجابية للطلاب، توفر بدورها مناخاً من الأمان وتعزز التفاعل الإيجابي والمهارات الحياتية الأخرى لديهم. هناك بعض الاستراتيجيات البسيطة لتعلم الايجابي التى يمكن للمعلمين والآباء والأمهات تطبيقها لخلق بيئة جيدة:
- الاستماع الجيد: معظم الطلاب يحاولون دائماً جذب الانتباه مما يجعلنا أن نكون حذرين للغاية عند الاستماع لهم، وهي تعكس اهتمامنا لهم ، حيث يمكن استغلالها بمنتهى السهولة كعدم الابتعاد عن الطالب جسدياً، وعدم التحدث إلى شخص آخر أثناء التحدث معه، أو النظر بعيداً عند الاستماع له.
- طرح الأسئلة المفتوحة: هي تعتبر من أهم الطرق الفعالة لتحفيز القدرة على التفكير والإبداع والاستقلال هو طرح أسئلة مفتوحة، أسئلة ليس لها إجابة واحدة صحيحة أو خاطئة، وهذا النوع من الأسئلة مثل “ما رأيك؟” بدلاً من “لماذا؟” و”هذا ليس بالضبط ما أبحث عنه” بدلاً من “إجابة خاطئة” يثير الأفكار المذهلة ويفتح العقول ويمكّن المعلمين والطلاب من بناء المعرفة معاً، بحيث يشجع الطالب أن يفكر بحرية والمعلم من الحصول على أكثر من إجابة واحدة.
- وضع ملاحظات ايجابية مجهولة المصدر: لتحقيق المزيد من المشاركة والإيجابية يمكن للطالب إبداء ملاحظات صادقة وإيجابية مجهولة المصدر من خلال تمرير أوراق فارغة مع اسم زميل له في الأعلى وكل طالب يمكنه كتابة تعليق إيجابي صادق عن صاحب الاسم المكتوب ومن ثم يتم قراءة ومناقشة هذه الملاحظات، فهي بالواقع تعزز احترام وتقبل الآخر.
- التعلم بالاكتشاف: هي اعتماد هذه الإستراتيجية على تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة واكتشاف المعلومات بنفسه من خلال عملية الاستقصاء والاكتشاف لما حوله، وهي طريقة تعتمد بشكل أساسي على الطالب وتنمي التفكير الإبداعي لديه حتى يصل إلى النتيجة النهائية.
لكي يتعلم الطالب عليه أن يشعر بالأمان والانخراط والتواصل وكيف يمكن أن يتوصل للسعاده أولاً، وأيضا يجب تعليم الطلاب القيم الإنسانية الأساسية كالتقاسم، واحترام البيئة، والخدمات المجتمعية .وهذه هي شروط التعلم الإيجابي توفير البيئة المناسبة للطالب وهي تساهم في التحصيل العلمي وترتبط بتحقيق النجاح الأكاديمي والشخصي وتحسين العلاقات الإيجابية،وتطوير المهارات الحياتية للفرد من أجل الإنخراط في المجتمع.
أحمد أبو حميد