ماذا نعني بالصورة النمطية؟ وما دورها في تشكيل الذات وتكوين الهويات؟
يعتبر ال “ستيريو تايب” مصطلح جديد نوعا ما، ونستخدمه بشكل كبير في أيامنا هذه لنصف حالة فكرية معينة، لنوصف بها مجموعة تعتبر صغيرة أو أقلية، أو جماعة مهمشة،أو مختلفة. يكون وصف هذه الجماعة أو الفئة إمّا بشكل مبالغ فيه من الإفتعال لأي صفة أو مظهر ملاحظ لديهم، أو من خلال تبسيط مبالغ فيه، وذلك حسب تعريف معجم أكسفورد. إذن، تأتي صناعة الصورة النمطية من خلال تسميتها بحد ذاتها فهي عبارة عن صناعة الصورة من خلال أدوات ومصطلحات تعبيرية ولغوية، وأيضاً مع دمج التصورات المسبقة المبالغ بها أوالمستخف بها وهنا يمكن اعتبار الصورة النمطية إحدى اشكال التواصل الإجتماعي.
سأطرح بعض الأمثلة التي توضح مفهوم الصورة النمطية بشكل دقيق:
أولاً: التصور العام من الإعلام الغربي عن المسلمين بأنهم إرهابيون و قتلة وخطيرين. بينما التصور العربي عن الثقافة الغربية بأنها ثقافة منحلة ومنفتحة بشكل مطلق ولا يوجد لديهم أي قيم أو وازع ديني رادع للإنحلال المجتمعي لديهم. كل مجتمع يشكل مجموعة من التصورات عن المجتمع الآخر؛ بالنسبة للعرب هم الأغلبية التي تتمتع بمعايير الشرف والكرم والأخلاق والأعراف المجتمعية المحترمة والموروثة عبر آلاف السنين. أما الفئة الأخرى فهي تمثل مجتمع آخر دخيل لدى العرب تصورات متجمعة من عدة مصادر عنه ولكنها مجرد مجموعة اعتقادات وتصورات وإشاعات وأحكام مسبقة، بالطبع لايمكن تعميمها ولا يمكن إطلاقها من الأساس على أي فئة مجتمعية أو حتى أي فرد.
ثانياً: الصورة النمطية عن الفتاة التي تقوم بممارسة ألعاب القوى أو رفع الأثقال وتمارس رياضة كمال الأجسام. للأسف في هذه الحالة نتحدث عن صورة نمطية عالمية، حيث لا يقتصر هذا الإعتقاد على تفكير العرب وحسب، بل أيضا ينتشر هذا المفهوم في الثقافة الغربية وفي أكثر المجتمعات تحضرا وعلما وثقافة، حيث يظنون أن الفتاة بمجرد أن تقوم برفع وزن والتمرن فيه سوف تنمو لديها العضلات بين ليلة وضحاها وسوف تصبح ضخمة مثل أبطال لاعبي كمال الأجسام من الرجال!. هذا أيضا مستحيل، حيث يحتاج بناء العضل والضخامة العضلية إلى تمرين مكثف، مجهود سنوات من الهدم والبناء للعضلة لتتمكن من النمو بشكل صحي، حيث نقوم بهدم العضلة من خلال التمرين ومن ثم بناء العضلة من خلال تعبئة مخازن الجلايكوجين في الألياف العضلية وإمدادها بما تحتاجة من الأحماض الأمينية والتغذية اللازمة بشكل متكامل من بروتينات وكربوهيدرات ودهون. كما أن عمليات البناء العضلي تحتاج بجانب التمرين إلى استهلاك كمية سعرات حرارية أكثر من احتياج الجسم الأساسي من السعرات الحرارية الازمة خلال اليوم حسب نمط حياة كل شخص.
من أجمل الأمثلة على فتاة كسرت الصورة النمطية لراقصات الباليه هي الفتاه ليزي هول،هي فتاه أمريكية تبلغ من العمر 15 عاما، ليزي فتاة لديها وزن زائد وجسمها لا يطابق بأي شكل مواصفات الجسم الرشيق والمثالي لراقصات الباليه أو حتى قريب منه، ولكنها ضربت بكل القواعد المتعلقة بوزن ومواصفات جسد راقصة الباليه عرض الحائط وكسرت الصور النمطية لراقصة البالية، فها هي ترقص وتنشر رقصاتها على صفحتها على انستجرام والتي تلاقي رواجاً كبيراً. على الرغم من كل العوائق ومن كل المضايقات ومن كل التعليقات، لم تصغ ليزي لأصوات أصحاب الصورة النمطية السائدة عن راقصة الباليه الكلاسيكية، تحدت الجميع ورقصت على المسرح لتثبت العكس ولتقوم بتوصيل رسالة إلى الجميع، إلى أي شخص يحب الرقص أن بإمكانك أنت أيضا القيام بذلك والرقص ببساطة. لم تكتف بمجرد الرقص بل تفوقت وحصلت على منحة مكثفة للرقص وأصبحت ليزي هول نجمة بعد أن انتشرت رقصتها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أنها تعاني من ورم دماغي، ويخفف الرقص َالضغط على الجمجمة لديها ويساعدها على تخطي حالتها المرضية التي تعاني منها، والرقص ساعد ليزي بشكل دراماتيكي على تخفيف حالتها. ليزي هول أصبحت اليوم سفيرة لحملة توعوية عن الراقصين ذوي الإعاقة لتلغي من خلال ما قامت به الحاجز بينها وبين الاعتقادات المسبقة والتشوهات الفكرية التي يثقلنا بها المجتمع وتتداخل مع حيواتنا وأهدافنا وتؤثر بالنهاية على مصائرنا. لهذه الدرجة هي مهمة ولهذه الدرجة علينا فهم مدى خطورة الصورة النمطية و كيفية محاربتها، وسنبدأ بدواخل كل فرد منا. في البداية لنتجرأ على التفكير خارج هذه الصورة، وعدم إتاحة الفرصة لها بالسيطرة على حياتنا.
لكن الآن كيف يمكننا محاربة العنصرية والتمييز من خلال محاربة الصورة النمطية؟
يرتبط مفهوم العنصرية والتمييز ارتباطاً وثيقاً في مفهوم الصورة النمطية، حيث يعتبر تكوين صورة مسبقة عن مجموعة أو فئة من الأفراد أو المجتمعات والتعامل معهم بناء على هذه الصورة التي تعكس اعتقادات داخلية في عقل الشخص العنصري نفسه والتي تمثل مجموع ترسبات أفكار الشخص العنصري فقط عن كل ما تكون لديه من معلومات ومجموع خبراته عن أشخاص من نفس نوع الأشخاص اللذين شكل عنهم صورة نمطية، وقام بالتعامل معهم بطريقة معينة وفقا لتلك الصورة التي تعنيه وحده، يعتبر هذا تطبيق لمفوم العنصرية والتحيز بالإضافة إلى تطبيق مفهوم الصورة النمطية. إن نحليل أي سلوك عنصري يمكن إرجاعه إلى الصورة النمطية التي يقوم الفرد بتشكيلها وتكوينها بنفسه. الكثير من الصور النمطية تم تخزينها في عقولنا بناء على تجارب خاصة بنا نحن ولكن عممنا فكرتها على كل ما يتعلق بالفئة التي حصلت لنا التجربة معهم.
نحن نقوم بتنميط خبراتنا الشخصية، وفي كلا الحالتين سواء كان تنميطاً ايجابياً أو تنميطاً سلبياً؛ يكون خاطئ! لأنه بكل بساطة لا يعكس حقائق فعلية ولا يمكن تطبيقها على الجميع اذ يمكن أن تكون ممثلة لفرد واحد من جماعة ومن الظلم تطبيقها على الجميع. مثلا:
- أفضل العمل مع سهى وليس خالد، حيث أن خالد رجل (تحيز) والرجال أمهر من النساء وببساطة سَيتفوق عليْ ( صورة نمطية)
- لن أُصدق علي فهو بالنهاية شاب (تحيز) وكل الرجال كاذبون (صورة نمطية)
- أتمنى أن يسكن جواري جارة لبنانية (تحيز) لأن اللبنانييون يحتفلون كل يوم ويرقصون ويشبهون هيفاء وهبي.
الصورة النمطية والتمييز: التمييز هو سلوك يعتمد على التحيز، حيث يقوم على التعاطي مع الآخرين بناء على انتماء هؤلاء الأشخاص لمجموعة شكل الشخص صورة نمطية عنها. مثالا:
- توظيف شاب وفتاه في نفس الشركة وإعطاء الشاب راتب أعلى من الفتاة ( تمييز جنسي).
- توظيف مهندسين في نفس الشركة مع َإعطاء الأجانب وأصحاب الجنسية الأمريكية راتب أعلى( تمييز قومي).
- لدَي صديقتين ولكن سأهدي سارة هدية أغلى وأفخم لأنها من طبقة راقية ومستوى رفيع جداً ( تمييز طبقي).
- سأقوم باستبعاد أصحاب البشرة السوداء من المشهد والأدوار الخاصة بالفيلم الذي أود التحضير إليه ( تمييز عرقي).
- لن نعين معلمة مسلمة لإبنتنا حيث أن المسلمين إرهابيين ( تمييز ديني).
- لن أُعالج أي شخص لا يتحدث الإنجليزية ( تحيز لغوي).
هل لكم أعزائي أن تتخيلو حجم المعاناة والمأساه التي يمكن أن تتحول إليها حياتنا عند اتباع أو تفشي قيم التحيز والتمييز والصورة النمطية؟ لذلك علينا مناهضتها بكل شكل من الأشكال ونشر التوعية الازمة عنها في كل منبر متاح.
روان العمد