في هذه الأيام، يوجد تيار ضخم من الأخبار التي نتعرض لها، فمن الممكن أن نجد كذلك عددا هائلا من ما يسمى «بالأخبار الوهميه» والذي يعرف على أنها الأخبار التي تحتوي على معلومات مفبركة أو غير صحيحه أو مضلله تظهر في الصحف وعلى التلفاز وبشكل كبير على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعية، وهذه الأخيرة هي القناة الرئيسية لنشر الأخبار الزائفة والتي يصعب السيطرة عليها أو التحقق منها. هناك أبحاث نشرت في صحيفة تسمى “العلوم”، بعنوان ‘إنتشار الأخبار الحقيقية والزائفة على الإنترنت’، وتبين مدى سرعه الأخبار الزائفة المتنامية وكيف أنها تعمم على شبكه الإنترنت بسرعة. في بحث أجري لمعرفة كمية إنتشار الأخبار المزيفة وجدوا أن هناك 126000خبر على منصة توتر هو بالزائف وجدوو أن الأخبار الزائفة تعمم بطريقة أسرع وتخترق بشكل أعمق وسائل الإعلام الإجتماعية و تنجح في الوصول إلى المزيد من الناس. دون البدء في طرح الأسئلة على أنفسنا لماذا الأخبار المزيفة لديها هذه القوه؟ يمكننا أن نعتبر الطرح التالي على أنه حقيقة: الأخبار الوهميه موجودة بقوة في نظامنا الإخباري.
واحدة من النتائج المباشرة لهذه الظاهرة هو تطبيع الأخبار الزائفة في العقل الجمعي للناس اللذين يقرأون أو يسمعون هذه الأخبار. إنتشرت هذه الفكرة لأن القراء أكثر عرضه لقبول حقيقة أن الأخبار يمكن أن تكون وهمية. عندما تكون جميع الصحف تغطي هذا الموضوع، وتبلغ عن أخبار وهميه، كما وهناك كميه كبيره من الشخصيات العامة الذين ينكرون التهم الموجهة ضدهم، زاعميين أنها وهمية، الأشخاص الذين يستخدمون هذه الطريقة هم على إستعداد للإعتقاد بصحة هذه المعلومات. لذا ، في حين أنه من الجيد دائما أن نسأل أنفسنا إذا كان هناك شيء صحيح أم لا، والشك دائما هو سلاح قوي، وتطبيع الأخبار الزائفة يجعلها تصبح القاعدة وهكذا دواليك، فلا حاجه للتحقق من صحة الأخبار من مصادر أخرى.
حالة إنتشار الأخبار الزائفة تلعب دورا رئيسيا في النقاش السياسي أيضا، مما يخلق قدرا كبيرا من عدم اليقين بين المواطنين وله آثارا عديده على نهج السياسيين في المناقشة العامة. وأرى أن أحد الجوانب الأكثر إثاره للإهتمام في تحويل النقاش السياسي هو الإدخال المنهجي للصك الجدلي كسلاح قلمي أو لفظي الخاص ب “تهمه الأخبار الزائفة”. “هذا الإتهام” ، واللعب على فكرة أن الجمهور هو بالفعل على إستعداد لإمكانيه أن تكون الأخبار وهميه، والرد أساسا على أي إتهام، بغض النظر عما إذا كان صحيحا أم لا، لا يهم إن كان وهميا، ولكنها بالأساس هي أخبار وهميه. على سبيل المثال، دونالد ترامب يتهم بإستمرار جزءا كبيرا من وسائل الاعلام في الولايات المتحدة بنشر أخبار وهميه، وخصوصا عليه، واصفا إياهم “كتاب الخيال”. دعما لهذه الرؤية، في إستطلاع للرأي من قبل “مورنينج كونلت وبوليتيك” (عندما) قالوا أنه 46٪ من الناخبين يعتقدون بأن وكالات الأنباء الكبرى تقوم بتلفيق أخبارهم عن ترامب ويظهر هذا الإستطلاع كيف أن ظاهره الأخبار الزائفة تؤثر على وكالات الأنباء وحتى على النقاش السياسي، مما يفسح المجال أمام المواطنين للإعتقاد بأن هذا النوع من الإتهامات سهل جدا.
أظهرت الدراسة السنوية العالمية لمقياس 2017 “أيدلمان” لمقياس الثقة “أن وسائل الإعلام شهدت أكبر إنخفاض في ثقة أي مؤسسه في 2016-2017، حيث إنخفضت إلى 43% فقط، وتبين مره أخرى مدى تأثير الأخبار الزائفة على الصحافة ومنتجي المعلومات بشكل عام. وقد إتبع العديد من القادة السياسيين في جميع أنحاء العالم مثال ترامب. والمسألة الرئيسية في هذه الظاهرة هي إضفاء الطابع المنهجي على هذه الفكرة والواقع أن أسلوب الهروب من الإتهام الذي يقول أن تلك الإدعاءات زائفه كانت تستخدم دائما، باعتبارها جزءا من إستراتيجية لتقويض مواقف الأعداء، و هنا، لنعيد شرح الفكرة بطريقة مبسطة نوعا ما، بدأ الأمر عندما بدأ الناس بتوجيه التهم لبعضهم وإنكارها ونفيها، شيئا فشيئا أصبح الأمر مثل التقنية فينشر أحد ما خبر كاذب وينفيه آخر وهكذا تطورت الأمور إلى أن أصبحت الأخبار الزائفة جزئا من نظام أخبارنا.كم ويسهم السياق الذي أوجده إنتشار الأخبار الزائفة في الإستخدام المنهجي لهذه التهمه في المناقشة السياسية، وهو ليس بالأمر الأكثر من عذر.
لذلك ، إذا ما جمعنا بين العناصر المختلفة لهذه الحالة، يمكننا أن نلاحظ الصورة التي تنتشر فيها الأخبار الزائفة، وتهمه الأخبار الزائفة أصبحت أكثر وأكثر شيوعا، والصحافة ووسائل الإعلام الرسمية تفقد مصداقيتها. وفي هذه الأرض الخصبة، تأتي الإتهامات الإخباريه الزائفة من بيئة المؤامرة، ومن لغة دبلوماسية، وتكتسب مكانتها من التحليل المقبول. الشعور الواسع بأن إنتشار وسائط الإعلام التقليدية لا تعالج ولا تجيب على أسئله الناس يرتبط إرتباطا عميقا بفقدان شعبيتهم وبميل الناس إلى التمسك بما يعتبر مصدرا مباشرا للمعلومات، مثل حسابات منصة توتر. وينتقل توازن المعلومات بين مصدرين هما وسائط الإعلام التقليدية ووسائط الإعلام الإجتماعية، وكل منهما يعاني مشاكله الخاصة عندما يتعلق الأمر بالإبلاغ عن الحقيقة. ووفقا لذلك، في النهاية، ما نحصل عليه هو واقع مع عده طبقات من عدم اليقين، من واحد متصل مباشره مع الأخبار الزائفة نفسها إلى الثانية متصلة مع الاتهام نفسه.
هذا اليقين حول الحقيقة، أصبحت جزءا من المناقشة السياسية العادية، تضعفه وتضفي المزيد من القوة على تلك التي تظهر الحقيقة السهلة، سهلة الهضم والتأكيد، بدلا من تلك التي تحاول أن تشرح تعقيد الواقع. في لحظات من اليقين، والجواب المؤكد والقوي هو مالذي سوف يبحث الناس عنه دائما، وهذا هو ما تفعله الأخبار المزيفة لأنها معقدة فقط للوهلة الأولى. لأنه كما قال مارك توين: “الحقيقة أغرب من الخيال”، ولكن ذلك لأن الخيال مضطر إلى التمسك بالإحتمالات؛ الحقيقة ليست كذلك. الشك في الأخبار ليست مشروع فحسب ولكنه سلوك جيد، فإنه ينبغي أن يدفعنا للتحقق من المصادر، ولكن عندما يصبح الشك تلقائي وليس أكثر صله بالتحقق من الحقيقة، ومن ثم فإننا نجعل من الشك يقين. مع ظهور الأخبار الزائفة و تهمه الأخبار الزائفة تصبح أكثر وأكثر قبولا، ونحن نشهد صعود الشك إلى الحقيقة بلا شك.
مقال لبيترو منزيني | الترجمة لنور هاني