الوعي بالذات يمكن تعريفه على أنه الوعي بالجوانب المختلفة للذات وإدراك الشخص لكل ما يحدث له سواء كان من مراقبته لنفسه أو مراقبة الناس له، وإدراكه لردود أفعاله سبب تصرفاته وأفعاله بشكل عام. وهو أيضا فهم نقاط القوة ونقاط الضعف للذات. بالرغم من أنّ هذا الوعي أمر مهم وأساسي للجميع، لكنه ليس شيئا بمقدورنا التركيز عليه بشدة في كل وقت، لانه أمر يظهر في نقاط مختلفة حسب الموقف والشخصية. لابد من التعقيب على أن الوعي بالذات يبدأ بالتكوّن من عمر السنة إلى السنة والنصف من السنة. هو ردة الفعل الكامنة وراء النشاط البدني والعقلي والإجتماعي خلال مراحل متتالية من النمو، من الطفولة وحتى الشيخوخة. كل مرحلة منها تتميز بمجموعة من المميزات الجسدية والسلوكية والفسيولوجية. يتمثل غالبا الوعي بالذات من خلال السلوك والأفعال الصادرة من الشخص في المواقف العديدة، ومن سلوك الشخص يمكننا الحصول على معلومات قيّمة قد تكون مجهولة لدى الشخص، وتتعدد أنواع السلوك البشري من السلوك السلبي، الحازم، العاطفي، الواعي، اللاواعي، العقلاني وغير العقلاني.
في هذا المقال سوف نتطرق للسلوك الواعي أو الوعي بالذات، ينقسم الوعي بالذات الى نوعين أساسيين وهما: الوعي العامّ أو الخاص. يظهر الوعي العام عندما يكون الشخص هو محور الإهتمام ويدرك كيف يجب أن يظهر بالنسبة للآخرين، مثلا عند تقديم عرض تقديمي، أو عند تحدثه أمام مجموعة من الأشخاص، فإنّه يتصرف بطرق مرغوبة ومقبولة لهذا الحدث، ولكن قد ينجم عن هذا الوعي بعض من القلق أو التوتر بشأن كيفية فهم الآخرين له. والخاص يظهر عندما يقوم الشخص بتقيم نفسه بنفسه، كالشعور بألم في المعدة عند نسيان شيء مهم أو الإخفاق، وبالتالي فإن الوعي بالذات يساعد في فهم النفس وكيف ترتبط مع الآخرين وتقيمها أو مقارنتها معهم.
منذ نشر تشارلز داروين كتابه أصل الأنواع عام ١٩٨٥م، اصبح التطور هو النظرية الوحيدة الكبرى في علم الأحياء، إلا أن الوعي الذي يعد أحد أهم الصفات البيولوجية في الإنسان نادرا ما دُرّس في سياق التطور. عند الشعور بالوعي الذاتي، يصبح الشخص مدركا لافعاله الشخصية حتى الدقيق منها، إذ أن فهم الشخصية والقيم والرغبات يساعد كل شخص ليصبح أكثر وعيا بذاته. أضف إلى ذلك أن معرفة المزيد عن النفس يساعد على إنشاء حياة أفضل، وإجراء تغييرات إيجابية لتحسين نقاط الضعف وإدراك الذات وتعزيز الذكاء العاطفي. المقدرة على فهم المشاعر والإعتراف بها هو جزء من الوعي الذاتي، ويفضل عدم حبس المشاعر فمثلا بعد يومين شاق ينصح بالقيام الهوايات المفضلة التي تبعث الأمل والقيام ببعض الأنشطة أو التمارين كاليوغا والتأمل، لأن ذلك يساعد على تهدئة العقل والنفس، ويساعد على التفكير بشكل أفضل. بعض الناس أكثر وعيى بالذات من غيرها، حتى لو كانو ضمن الفئة العمرية ذاتها فكما ذكرنا هو ردة الفعل الكامنة وراء النشاط البدني والعقليه والاجتماعية خلال مراحل متتالية من النمو والتي تختلف من شخص لآخر.
كما قال (دوڤال ويكلاند) في وصفه لنظرية الوعي الذاتي: النظرية تستند على فكرة أنك لست أفكارك، بل الكيان الذي يراقب أفكارك أنت المفكر المنفصل عن أفكارك، حيث أنه يمكن أن نمضي في يومنا دون أن نعطي أنفسنا الداخلية أي تفكير إضافي. مجرد التفكير والشعور والتصرف كما نريد، ومع ذلك يمكننا أيضا تركيز انتباهنا على تلك الذات الداخلية وهي قدرة وصفها دوڤال باسم “التقييم الذاتي”. يتفاعل مستوى الوعي الذاتي لدينا مع احتمالية النجاح في إعادة تنظيم أنفسنا ومعاييرنا، لتحديد كيفية تفكيرنا في النتيجة عندما نكون مدركين لذواتنا، وأحيانا عندما نكون مدركين لذواتنا ولكن نعتقد أن هناك فرصة منخفضة للنجاح في شيء ما، فإننا نميل للإعتقاد بأن النتيجة تتأثر بالعوامل الخارجية أكثر من جهودنا. يندرج تحت مفهوم الوعي بالذات مصطلح تحقيق الذات وهي الحاجة الخامسة والأخيرة ضمن هرم ماسلو للاحتياجات، والتي يحتاج الفرد من خلالها إلى تحقيق ذاته وذلك من خلال استخدامه لقدراته ومهارات الحالية والمحتملة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات.
حسب ماسلو، إن الفرد لن يستطيع الوصول إلى تحقيق تلك الحاجة إن لم يلبي حاجاته الفسيولوجية وحاجات الأمان وحاجاته الإجتماعية وحاجته للتقدير أولا. افترض ماسلو، ان تحقيق الذات بشكل كلي نادرا ما يمكن الوصول إليه وأقترح أن يتم التعامل مع هذه الحاجة كمرحلة لا يسعى من خلالها الفرد إلى تحفيز نفسه. قد يأتي الوعي بالذات من خلال تحديد الشغف الذاتي والذي يأتي حينما تكون صادقا مع نفسك، وتفعل ما يهمك عقلك به دون جهد وعندما يكون ما تفعله متوافق مع طبيعتك، وكما وصفته (أوبرا وينفري) “الشغف هو طاقة، والشعور بالقوة نابع من التركيز على ما يثير حماسك”. وقت تتسائل عن كيفية العثور على شغفك، وذلك قد يتم من خلال أشياء عديدة منها تحديد ما تبرع به، تحديد ما يحمسك، التفكير فيما تكره وما الذي تقضي الساعات في القراءة والتعلم عنه. اصبح من الجليّ الآن أن الوعي بالذات عامل مهم يلعب دوره في طريقة تفكيرنا، وكيف نشعر وكيف نتصرف، وكيف نتفاعل مع أفكارنا ومشاعرنا وأفعالنا. يمكن تطوير ذلك من خلال أن نطلب من الأشخاص المقربين تقييما أو تغذية راجعة صادقه، حيث يقومو بإبداء رأيهم وتحديد نقاط القوة، وكيف يمكن تحسين نقاط الضعف.
من فوائد الوعي بالذات أنه يجعلنا أكثر استباقية ويعزز قبولنا، يسمح لنا برؤية الأشياء من منظور الآخرين وممارسة ضبط النفس. أن نشعر بالفخر بأنفسنا وتقدير الذات بشكل عام، اتخاذ قرارات أفضل وتحسين التواصل في مكان العمل وتعزيز ثقتنا بأنفسنا. من الأشخاص المهمين في بناء الوعي بالذات هم مدربين الحياة والذين بدورهم يعملون كمستشارين ومدربين على تحسين انماط الحياة وتحديد احتياجات الذات، والممارسات التي تساعد بشكل كبير في خلق وعي اشمل للذات. مدرب الحياة يجد من الأفضل لكلا الطرفين أن تحقيق الذات يسهل عملية التدريب أو الإستشارة حتى تكون التجربة حقيقية، مؤثرة وممتدة الأثر. كما ذكرنا سابقا، يعمل الوعي الذاتي عل تحسين التواصل والثقة وحتى الآداء الوظيفي، من السهل أن ترى كيف يمكن للوعي الذاتي أن يؤدي إلى هذه النتائج في مكان العمل، حيث يؤدي التقييم الذاتي بطبيعة الحال إلى تحسين التوافق بين إجراءاتنا ومعاييرنا، مما يؤدي إلى أداء أفضل.
في النهاية، القليل من الوعي الذاتي الإضافي يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة لأي شخص لديه الرغبة في التحسن، والقدرة على رؤية الأمور والذات بوضوح وموضوعية من خلال التفكير والإستبطان والتصرف. على الرغم من وجود فكرة أساسية عن ماهية الوعي بالذات، إلا أننا لا نعرف بدقّة من أين أتى لذا وجِدت نظريات في الوعي الذاتي تقدم بعض الإجابات المحتملة للتساؤلات بخصوص الموضوع هذا. لكن تبقى الإجابة التي تفسر تفاوت الوعي الاجتماعي بإسناد الأمر للتجربة الشخصية/الاجتماعية والمواقف التي مر بها خلال مرحلة تكوين الوعي بالذات وخصوصا في فترة المراهقة التي تكون وقت ازدياد هذا الوعي والشعور بالخجل أكثر من المراحل العمرية السابقة.
يوسف النسور