إنّ من أراد أن يغير الواقع الذي نعيشه سواء على مستوى نفسه وأسرته أم على مستوى جماعته ومجتمعه الكبير يجب أن يحيط علماً بسنن التغيير. المقدمات السليمة لابدّ وأن تعطي نتائج سليمة، إذا ما رأينا خللاً في وضعنا الإجتماعي الذي هو نتيجة لأوضاعنا النفسية ولأفكارنا، لابدّ من أن نراجع ونعيد النظر فيها ومن معرفة سنن التغيير لما بالأنفس. أيضا، لابدّ من معرفة ما الذي ينبغي أن نغيره، ماهي الأوهام وما الذي ينبغي أن نثبته، ومعرفة من هؤلاء الذين ينبغي أن نجري على ما بأنفسهم هذا التغيير وإن اختلفت معادنهم الشخصية، إذ انّهم مشتركون في أصل البلاء. المعرفة المفصلة أمر لابدّ منه للبدء في أيّة عملية تغيير جاد. والتغيير عملية حياتية تاريخية مستمرة، لا يمكن ايقافها باي شكل كان مهما كانت هناك خطوات متعمدة للتراجع في مرحلة ما على الأرض لاي مجتمع كان . كل شيء في تغيير بكل الصفات، التركيب، المضمون من الحالات الثلاث للجماد، حتى الاحياء، ما تتحمل من الجدل في كينونتها، كيفية تغييرها بفعل الزمن والنظريات حول ما جرى لها. إلا أن التغيير ليس بنفس المستوى، المقدار، الفترة الزمنية لكل الأنواع لأن العملية بذاتها خاضعة للظروف وللعوامل المتعددة حسب المؤثرات الاخرى والمكان والنوعية.
نقصد هنا التغيير الإيجابي للإنسان؛ ما وصل إليه، مايتعلق به في حياته من كافة النواحي السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية، والعلاقات المرتبطة بين هذه النواحي، افرازاتها، تداعياتها كما هو حال تغيير التركيبية البايولوجية. من اجل التخليص، لابد أن ندخل مباشرة في المجتمع الشرقي والصفات العامة للمجتمع، ما يمتلكه من الثقافة العامة ومستوى الوعي. النظرة إلى الحياة ليس وليدة اليوم ولا الساعة، بل هي تراكم لما مر به في التاريخ، والمؤثرات التي أثبتت ماهو الملتصق به من السمات وما يميزه عن الاخرين في مسيرته سواء كانت نتيجة حركة أو ثورة أو تطور أو قفزة في مجال ما أو تاثير ابداع أو نتاج عمل فرد أو جماعة أو المجتمع بشكل كامل. يمكننا أن نفصل الفرد عن المجتمع بشكل كامل، نجرده عما تبنى فيه من التربية، والثقافة، والوعي. به نتأكد من وجود العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع من حيث مسيرتهما، الترسبات أو التراكمات لامؤثرة على شكلها وتركيبتها المادية والمعنوية. لو تعمقنا في تحديد البداية، من الأولى لابد أن نعلم أن العوامل المؤثرة على الفرد تكون أكثر تاثيرا وعمقا في أقل زمن من المجتمع بأكمله الذي يسير في تغيير بطيء ودائم.
الجدل هنا، هل الفرد هو المؤثر على المجتمع أم المجتمع يتغير بشكل مستمر وبدوره يؤثر على الفرد؟يعمد المختصين في هذا المجال إلى تبيان ما هو الأقرب للصحة عن طريق البحوث والإختبارات الميدانية. لم يتيقن بشكل مطلق احد من المؤثر الأكبر أومن هو الأساس في عمليات التغيير الدائمة. إلا أن النتيجة النهائية وصلت إلى حال أن الفرد لابد أن يواكب أي تغيير يحصل على الأرض الذي يعيش فيه مهما كان مستواه من كافة الجوانب، أما الفرد المتغير فهو أقل تاثيرا ولكنه يؤثر بشكل غير مرئي أو واضح. هذا المقال يحاول ايضاح مفهوم إدراه التغيير، ولماذا التغيير مرتبط بالأعمال و الشركات، وأمثله عن أشخاص قامو بالتغيير من خلال فلم عيش تجربة التغيير، وأثر نظرة المجتمع لأشخاص من ذوي الإعاقه وكيفية تأثير ذلك على عدم انخراطهم في المجتمع.
- التغير: هو تحول الشيء من حال إلى حال بشكل مفاجئ وقاطع، وتترتب نتائجه على مدى ما سوف يحالفه من ظروف محيطه به، بمعنى أن تتغير أنت داخليا مما يؤثر ذلك على سلوكك.
- التغيير: هو التحول القائم على فكر وتدبر مسبق والنتائج تكون محسوبة بقدر المستطاع لنجد أن الخلل في هذا التحول يكون في مساحه ضيقه تسهل السيطرة عليها، بمعنى أن له علاقة بما يحدث من حولك من تغيير في حياتك أو المجتمع أو حتى وظيفتك. وهو شعوري أي يحدث عن قصد وتعمد من الإنسان عندما يدرك في نفسه صفات أو أفكار غير ملائمه أو غير مناسبة أو لا تقرها العقيدة أو المجتمع الذى يعيش فيه فيقرر العمل على إحداث التغيير.
- إدارة التغيير: هي عملية الإنتقال من وضع قائم بالفعل إلى وضع مستهدف لتحقيق أهداف محددة فى إطار رؤية واضحة مشتركة بين القيادة والعاملين تتم من خلالها عمل تغييرات في نظام معين، حيث يتم تنفيذ هذه التغييرات بطريقة يمكن التحكم بها عن طريق اتباع إطار معين.
هنا تأتي أهمية التعامل مع عامل التغيير في القطاع الخاص والقطاع العام. لا تقف الحياة عند منعطف ولا في منتصف طريق بل هي جارية . الجميع بشكل عام بحاجة لإدخال عامل التغير في ثقافة المؤسسة والمجتمع، وفي المدرسة وفي البيت وفي الشركة وفي المؤسسات. إن كان الإنسان يحتاج للراحة إلا أنه لا يجب أن تتحول الراحة إلى استراحة وأن لا تغرنا الإنجازات، الوقت يحول الإنجازات مع مروره إلى أطلال. يترجم ذلك في الخطط والاستراتيجيات والهياكل والبنى التحتية على شكل مراكز أبحاث وتطوير ولذا، عادة ما تنظر الشركات والمستثمرون في نسبة الصرف على البحث والتطوير. في الشركة والمؤسسة وعلى مستوى البلدان، تعد المساهمة في تشكيل التغيير من أهم العوامل الإنسانية حيث أنه كلما كان هناك وعي وتسخير للموارد لخدمة البحث والتطوير كلما سعى الناس والمستثمرون للحصول أو التواجد لأنها دليل على أن ثقافة تلك الدولة أو الشركة ثقافة تقدم وتطوير، وهذا يعد نوعا من التأمين المستقبلي للبلد والسكان والشركات لأنه يمكنها من البقاء والإستمرار.
نأتي الأن إلى فيلم عيش حياتك والذي يسند دور البطولة إلى موظف في شركة يدعى إبراهيم المتسم بمزيج من ترددات وأوهام وتخوفات مرضية لا مبرر لها ستجعله منغلقا ومنطويا لا يعرف في حياته سوى الشغل ومتاعبه فقط وقد حذا به ذلك إلى أن تضيق زوجته بتصرفاته وسلوكاته لينتهي بهما الأمر لللطلاق. هنا سينشأ اهتمامه بابنه خوفا من مستقبله ولن يتخلص من كل ذلك كله سوى بـ”داليا” الموظفة التي اختارتها الشركة كي تصطحبه في رحلة ممتعة لأداء المهمة التي أشرنا إليها ضمن قصة الفيلم. تتعلق أحداث الفيلم بحياة إبراهيم المتردد الخائف خوفا مرضيا والذي يعيش حياة رتيبة جعلت زوجته تحكم عليه بالفشل وهو حكم ظل منقوشا في نفسيته زمنا طويلا. يسافر مع زميلته داليا إلى سينا وسيوى لتصوير حملة دعائية وإعلانية تحت شعار “عيش حياتك” وقد نجح في ذلك بمساعدة زميلته التي صارت زوجته في نهاية الفيلم.
يعود إبراهيم ـ وقد صار شخصا آخرـ إلى الشركة فيشكره مدير الشركة على عمله الجميل الذي أعجب به الباشا، وفي حفل بهيج يحضره موظفو الشركة، يرتبط بداليا التي أكملت نقصه وصارت رفيقة حياته تبادله مشاعر الحب. الفيلم مشوق ورُكِّزَ فيه أكثر على داليا وابراهيم تركيزا واضحا يجعل المشاهد يقف على مختلف التغيرات التي طالت حياة إبراهيم الذي غادر جانبه السلبي فصار إيجابيا بفضل داليا التي يمكن اعتبارها بمثابة طبيبته النفسية التي رافقته وقبلت بنقائصه وصححتها بشكل متدرج وذكي ليصير زوجها في نهاية الفلم وقد تخلص من عقده ونقائصه. الفيلم بذلك يحاول إيضاح فكرةِ يُسْر التغيير السلوكي انطلاقا من تفهم المحيط للمصدومين والإنطوائيين والمعقدين باعتبارهم طبيعيين لا يحتاجون سوى التشجيع والتحفيز والتفكير المغاير للأشياء.
يجب أن لا ننسى أن كل شخص معرض للإعاقة في أي زمان ومكان. والإعاقة التي نصف بها أحد إن كان من نقص جسدي موروث أو مكتسب توجد أيضاً في عقلية وفكر أسر المعاقين ومجتمعاتهم. الشخص المعاق يصطدم بعقلية أهله التي لا تخرج عن دائرة تفكير المجتمع الخارجي وهي عقلية الإعاقة. بدل أن تحاول الأسرة زرع الثقة والطموح والأمل في نفس الشخص المعاق، تحاول تحطيم طموحه على صخور الواقع الأليم وعرقلة حياته أكثر وأكثر ورغم أن النظرة إلى المعاق تختلف من أسرة إلى أخرى غير أن السائد منها هي نظرة الشفقة والعطف. بعض الأسر تتعامل معه بوعي وتؤمن له الرعاية والعناية والبعض الآخر منها ربما منعته الظروف الإجتماعية أو النفسية أو المادية من تقبل الواقع والتكيف مع حالة الإعاقة عند الطفل أو التسليم بها. ردود الفعل هذه وطريقة التفكير والمعالجة تؤثر تأثيراً كبيراً على حياة هذا الطفل فهي تحول دون تحول حياته إلى عجز دائم أو تزيد في عجزه، تفهم الأسرة لحالة الطفل ومعاملته معاملة الطفل الطبيعي يساعده على مواصلة حياته بشكل سليم ويشعر من خلال قبوله داخل الأسرة أنه مقبول في المجتمع.
لذا مهمة توعية الأسرة بكيفية التعامل مع الشخص المعاق هي حاجة ملحة. لذلك يجب أن تحصل الأسرة على الإرشادات اللازمة لتعريفها بحقوق الشخص المعاق وواجباتها تجاهه لما يسهم هذا الوعي والتفهم لحالة الشخص المعاق في تقليل الشعور بالنقص وتنمي لديه الشعور بالذات والقدرة على المشاركة والمساواة داخل المجتمع. هذا المجتمع الذي يشكل جانباً مهماُ في حياة الشخص المعاق والذي يكمن في استيعاب الشخص المعاق والتعامل معه على أنه إنسان عادي له أحاسيس ومشاعر وأنه عنصر قادر على العطاء وعلى التفاعل والإبداع. لا ننسى أن العديد من المبدعين الذين قدموا أعظم ما لديهم أثناء معايشتهم للإعاقة ومنهم على سبيل المثال: طه حسين والموسيقار العالمي بيتهوفن وغيرهم كثر من مبدعين أطباء ومحامين وعلماء. هذا كله يدفعنا إلى أن نتجاوز الحواجز الاجتماعية والطبيعية والنفسية التي فرضت عزل وفصل الشخص المعاق عن مجتمعه ومنعته من ممارسة حقوقه الاجتماعية والثقافية وإمكاناته التي قوبلت إما بالتجاهل أو التحامل المجحف وحجمته داخل فكرة الإعاقة خاصة أن هذا المعاق يعاني في مجتمعاتنا من التهميش والنسيان.
أحينا، لا يكتفي المجتمع بعرقلة ممارسة الشخص المعاق لحياته بشكل طبيعي ومن عدم تهيئة البيئة المناسبة له ومن عدم مراعاة ظروفه النفسية والجسدية والإجتماعية، بل يزيد الأمر سوءا وتوجه له كلمات العطف ونظرات الشفقة التي تسيء له وتؤلمه أكثر مما تسعده وتساعده والتي تجبره على الانطواء على نفسه. لذلك على المجتمع مساعدة الشخص المعاق في التغلب على الجوانب السلبية التي يعانيها الشخص المعاق ومن خلاله يأتي دور الدولة في الاهتمام والعناية التي تقدمها بالتعاون مع الهيئات والمنظمات المهتمة بشؤون هذه الفئة والتي تهدف إلى أن يكون للأشخاص المعاقين إمكانية ممارسة حقوقهم وواجباتهم مثل غيرهم من الأشخاص العاديين. يتطلب أن تتم رعاية الأشخاص المعاقين والبحث عن حالات إعاقة محجوبة عن النور سهواً أو عن عمد وخاصة في الأرياف ومحاولة دمجها في مجتمعاتها وفي مؤسساتها التعليمية. تساهم هذه الهيئات بعمل الإجراءات اللازمة لتوعية المجتمع بوجود الأشخاص المعاقين وحقوقهم وحاجاتهم وكذلك بقدراتهم ومساهماتهم وبضرورة احترامهم بشكل كامل من قبل سائر أفراد المجتمع. في نهايه المقال ومن وجهه نظري، أجد أنه لابد للإنسان أن يبدا بنفسه و يغيير من افكاره ومعتقداته التي باتت لا تخدمه. أيضا، أن تتغيير سياسه المؤوسسات وتهتم بالتغيير الفعلي والجوهري للمؤسسة وأن لا يكون الغرض فقط ماديا.
سراء القضاة