هل سمعتم عنها يوما؟
ترتبط وسائل التواصل الإجتماعي إرتباطا وثيقا وقويا في حياتنا اليومية، مما يحمل أثرا كبيرا على طريقتنا في التفكير والتعاطي مع الأمور الحياتية البسيطة أو المعقدة، وهنا بالتحديد يكمن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي علينا، قد تتساءلون حول السبب وراء طرح مواقع التواصل الإجتماعي وما علاقتها بما ستقرأوه في هذا المقال. هل صدف وأن ظهر لك إعلانات ترويجية حسب إهتماماتك عبر محركات البحث على الإنترنت؟ هل وصلك إشعار من إحدى مواقع التواصل الإجتماعي حول محتوى ما نال إعجابك، أو نقرت عليه دون أن تقصد؟ هل سبق وأن شاهدت الإعلانات الموجودة على فيسبوك والمواد المطروحة لك عند فتح صفحتك الرئيسية؟
لابد أن هذه الأمور متواجدة بمحض الصدفة أو كما تعتقد أنت وغيرك الكثيرون، في الحقيقة يجب أن تسأل نفسك العديد من الأسئلة لتعرف أين تضع معلوماتك وإلى ماذا قد تصل، لابد أنك تعتقد أن هذا أمر طبيعي لكن الأمر أكثر تعقيدًا مما تتوقع فما يحدث هنا هو أمر مرتبط بما يسمى (فقاعة الترشيح – Filter bubble) والتي ترتبط بشكل أساسي من خلال إستخدامنا للإنترنت، وبعدد الساعات التي نقضيها خلف الشاشات، في ذلك العالم الإفتراضي الذي يؤثر على حياتنا دون أن نعي مدى خطورته، وفي هذا المقال سنقوم بالحديث بشكل مفصل عن فقاعة الترشيح وأثرها على حياتنا وسلوكياتنا.
ما هي (فقاعة الترشيح – Filter bubble)؟
يعنى بفقاعة الترشيح أنها حالة من العزلة الفكرية تأتي من خلال عمليات البحث المخصصة والتي ترتبط بالخوارزميات الموجودة على الإنترنت،والتي يتم معرفتها من من خلال مواضيع البحث التي نستخدمها على الإنترنت، وعلى عدد نقراتنا على فيديو أو إعلان معين وعلى ما يلفت إنتباهنا من خلال مجموعة خيارات تم فلترتها بطريقة ما لمعرفة ماهية إختيارك لها وعلى أي واحدة ستقع نقرتك الأولى.
هذا الأمر بشأنه أن يجعل المستخدمين ينفصلون عن وجهات نظرهم؛ هذا إذا كانوا مدركين لها في عقلهم الباطن، مما يعزلهم في فقاعاتهم بعيدًا عن ما يختلف عنهم بناءً على إهتماماتهم التي تمت فلترها. والتي قد تمت صياغة هذا المصطلح عبر الإنترنت حوالي عام 2010 من قبل الناشط إيلي باريسر.
كيف تعمل (فقاعة الترشيح – Filter bubble)؟
الفلتر هو إنحراف خوارزمي يزيح أو يحد من المعلومات التي يراها المستخدم الفردي على الإنترنت. يحدث الإنحياز بسبب الخوارزميات الموزونة التي تستخدمها محركات البحث ومواقع الشبكات الإجتماعية والمسوقين لإضفاء طابع شخصي على تجربة المستخدم، وأحد الأمثلة التي تفسر فقاعة الترشيح إنتخابات الولايات المتحدة الأمريكية عام 2016. فقد عملت فقاعات الترشيح الرقمية على التأثير على الحملة الإعلانية للإنتخابات وقد وصلت بطريقة مزيفة إلى الناس، الذين بدورهم جسدوا كبش الفداء المثالي الذي تعمل عليه بشكل أساسي، منصات الإنترنت الخوارزميات المدروسة يمكنها أن تتناسب مع معظم الناس على الرغم من اختلافهم بهدف خلق حالة من العزلة الفكرية للمستخدمين؛ من خلال فلترة إهتماماتهم وأمورهم الشخصية التي لم تعد كذلك ظاهرياً على الإنترنت.
على ماذا وقعت نقرتك الأولى؟
هذا السؤال يجب أن تسأله لنفسك كثيرًا خاصةً إن كنت تقضي الكثير من الوقت على الإنترنت، قد تقع النقرة الأولى على الكثير من الأمور دون أن نعي ذلك عند استخدامنا لمحركات البحث فعلى سبيل المثال: تمتلك شركة جوجل – Google على وجه التحديد 57 خوارزمية فلو بحثنا بأي كلمة على سبيل المثال، البحث عن كلمة مثل “الإكتئاب” سيتم السماح للموقع بتثبيت أكثر من 200 خوارزمية تتبع على جهاز الكمبيوتر الخاص بك حتى تتمكن المواقع من استهدافك بمضادات الإكتئاب من خلال إعلانات ستصلك من خلال الإنترنت، كل هذا بسبب بحث بسيط حول شيء أصابك بالفضول قد يوصلك إلى مكان غير جيد في حال لم تكن واعي له.
نقرتك الأولى خيارك الأول بالبحث سيكون له تأثير بالمحتوى الذي سيصلك عبر الإنترنت، وهذا ما سيجعلك منعزل لا ترى سوا الأمور التي تهمك وقد تنقلك فقاعات الترشيح هذه إلى غرفة الصدى – Echo Chamber فيما بعد، والتي تكون فيها متصل فقط مع من يشابهك بالإهتمامات ويتقاطع معك ما يجعلك منعزلا تماماً عن أي شيء لا يشبهك ما سيحولك فيما بعد لكبش فداء تتحكم به محركات البحث ومواقع التواصل الإجتماعي، لذلك فكر جيدًا قبل النقر على أي شيء! كن واعيًا لما تفعله هذا كل ما تحتاجه!
ممارسات وأمثلة لتطبيق الخوارزميات على الإنترنت
تعتمد بعض الشركات لنشر خدماتها على الإنترنت وتعمد شركات الإنترنت على تطوير دخلها، وهنا تأتي الخوارزميات التي تكمن في مواقع التعارف على الإنترنت التي تعتمد على التوافق (Match)، والتغذية الإخبارية (NewsFeed) وما يظهر لنا من إعلانات وصفحات مقترحة، إن وكالة ناسا والتي يعرف عنها ما نشرته من خوارزميات للتجسس على الناس من خلال تحديد مواقعهم الجغرافية وصورهم من خلال الكاميرات الموجودة في أجهزتنا، وغيرها من مواقع إلكترونية التي ننشىء عليها حسابات مثل الفيسبوك وإنستغرام وجوجل، هناك العديد من الشركات الأخرى التي تبني إقتصادها وأرباحها بناءً على إهتماماتك.
من المؤكد أن هذه الفلترة والأدوات المستخدمة ستؤثر على سلوكياتنا على الإنترنت ودرجة ارتباطنا كأفراد بالواقع. من وجهة نظري علينا أن نمتلك الوعي الكافي لنعرف ما يحدث لنا أثناء استخدامنا للإنترنت هذا بشأنه سيحمينا من أن نكون كبش فداء لأي طريقة يتم استخدامها عبر الإنترنت قد نسأل أنفسنا بعض الأسئلة ونفكر جيدًا بها، ونتبع بعض الخطوات لنتمكن من حماية أنفسنا:
- أعطي نفسك فرصة ومساحة للتعرف على ما هو جديد الحياة ليست في العالم الإفتراضي والتكنولوجي فقط
- استخدم الإنترنت بطريقة ذكية وعند الحاجة إليه، حدد هدفك وما تريد تعلمه
- اقرأ محتوى الخصوصية وشروط الإنضمام قبل إنضمامك لأي موقع إلكتروني
- كن واعيًا ومدركًا للمكان الذي تضع فيه معلوماتك وبياناتك الخاصة
- قم بنشر معرفتك للأخرين وحاول فتح نقاشات حتى لو إختلفت معهم في وجهات النظر، لا تقلق هذا يسمى تعلم!
- لا تنسى أن تعرف وتحدد ما هي المعلومات التي تريد نشرها على الإنترنت
قد نحتاج في مرحلة ما أو دائماً أن نعود ونتواصل مع الناس بشكل حقيقي بعيدًا عن منصات العالم الإفتراضي، وقد يكون مفيدا في بعض الأحيان أن تقرأ كتاب لنحصل على المعلومات والمعرفة ما قد يعطي لدماغنا ومخيلتنا الفرصة للعمل والإبداع والإجابة على التساؤلات التي تخطر لنا، بهذا يمكننا أن نبتعد عن الخطر ونعطي لأنفسنا فرصة التعامل معه.
علينا أن لا نحبس أنفسنا داخل فقاعة تعزلنا عن ما يحدث حولنا، وتسيطر على طريقتنا بالحصول على المعرفة لنتخيل هذه الفقاعة حقيقية لا تمتلك أي لون وهي فقط محيطة بنا ومغلقة بإحكام قد يكون المنفذ بين يدينا طوال الوقت لكنا لم نكن نعي ذلك، فلو فرضنا أننا نريد أن نغير أي لون نراه في الطبيعة لنسقطه على فقاعتنا الشفافة لمجرد أننا شاهدناه سوف نقتنع به، مع أننا لو فكرنا قليلًا كنا قمنا بإزالة هذه الفقاعة، لكن خوفنا من تقبل أي شيء مختلف عنا قد يدعنا متمسكين أكثر بالبقاء في مكاننا حتى لا نخرج من مساحة الأمان التي قد تقبل التغيير لا الإختفاء تمامًا. بهذا التصرف نكون قد عزلنا أنفسنا عن أي فرصة لإختبار شيء جديد وقد نكون عزلنا أنفسنا أيضًا عن أي فرصة تعلم جديدة.
وقد تكمن خطورة هذه الفلترة على أسلوب التفكير الخاص بنا وطريقتنا في تقبل كل ما هو جديد ومختلف عنا، ما قد يؤثر على النسيج الإجتماعي والخطاب المستخدم على الإنترنت، ما سيجعلنا نميل إلى عزلة فكرية وإجتماعية بعيدة عن التواصل الحقيقي المليء بالتجارب، التي قد تكون سلبية أو إيجابية لكن بالتأكيد ستكون معلمة وفرصة جيدة للتعرف على العالم وتقبل الآخرين.
من الضروري جدًا أن نعي ونعرف الجانب السلبي من الإنترنت وأن نتعامل دومًا بمعرفة ووعي كي لا نتحول إلى آلات تشاهد وتقرأ من وراء الشاشات، فوعينا بمصطلحات الإنترنت وشروحاتها سيساعدنا كثيرًا على تحديد علاقتنا بالإنترنت وحجم الفائدة الذي نريد وتجنب أي ضرر ممكن حدوثه، لذلك أزل هذه الفقاعة عنك أخرج منها فهناك الكثير لتتعلمه وتختبره في الحياة حاول أن تستمتع قدر الإمكان، وتذكر دائمًا أن الإنسان هو معيار لكل شيء كما يقول بروتاغوراس.
رند أبو ضحى