الحوار والفوضى

الحوار والفوضى

يتم تعريف الحوارعلى أنه مناقشة الكلام بين الأشخاص دون التعصب لرأي معين أو عنصرية وهو أيضا مطلب من مطالب الحياة الأساسية. من خلاله يتم تبادل الأفكار وفهمها، ويسمح لنا الحوار بالتواصل مع البيئة المحيطة بنا والإندماج بها. الحوار هو تعاون بين الأطراف المتحاورة بهدف معرفة الحقيقة والوصول لها. الحوار مهم جدا لمعالجة المشاكل وتعزيز القيم والأخلاق في الحضارات، وعندما أغلقت بعض الحضارات باب الحوار كان ذلك من أهم أسباب سقوطها أو تدهورها لذا فلابد من معرفة وجهات النظر والوصول إلى نتائج أفضل وإيجاد حل وسطي. هناك الكثير من الأمثلة على قضايا لم يُفتح باب الحوار بها و أدت لأحداث تاريخية كانت منعطف مهم جدا في كثير من الأمور على الصعيد السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي وغيرها.

التساؤل الذي نطرحه هنا: ما هو السبب الرئيسي للقيام بمجموعة معينة من الناس للتظاهر؟ مهما كانت الغاية من المظاهرات، وغالبا ما يكون الجواب أنهم لم يُسمع صوتهم ولم يتم اقامة الحوار بهدف الوصول إلى نتائج وحلول كما ذكرنا أعلاه. واحدة من أهم هذه الأمثلة برأيي هي حفلة الشاي في بوسطن أمريكا التي أدت إلى استقلال الولايات الأمريكية عن بريطانيا. حيث أنه عام 1773م،  تسلل مجموعة من الأشخاص لميناء بوسطن وقامو برمي شحنة كاملة من الشاي في البحر بسبب رفع بريطانيا الضرائب عن الشاي المصدّر لأمريكا من خلال الشركة الهندية البريطانية والتي بسبب الغاء الضرائب عنها جعلها تحتكر السوق. حادثة حفلة الشاي أشعلت فتيل الصراعات بين بريطانيا وأمريكا وانتهت باستقلال أمريكا بعد 3 سنوات. هنا نرى أن الحوار لو كان قد حدث لتم تفادي الخسائر البشرية والمادية لكن، باب الحوار لم يكن مفتوحا وذلك من أكبر أسباب حدوث أي مظاهرة أو ثورة.

حادثة أخرى كهذه أدت إلى تحول جذري في فرنسا وتغير في نظام الحكم، الا وهي حادثة اقتحام سجن الباستيل عام 1789م والتي كانت بسبب غلاء سعر الخبز وصعوبة المعيشة. على الرغم من أن السجن كان فيه 7 سجناء فقط ولكن لم تكن الغاية تحريرهم بل بدء الشعب بإيصال صوتهم الغير مسموع من خلال هذا الفعل. مقومات الحوار في فرنسا في ذلك الوقت تحديدًا لم تكن موجودة بسبب عدم تكافئ الأطراف المتحاورة مما أدى إلى انعدام وصول الصورة الواضحة وبالتالي اللجوء إلى الثورة. أما في حادثة سلمية بهدف ايصال رسالة للمستعمر، قام المهاتما غاندي في العام 1930م،  بالمشي في مسيرة طولها 385كم  ورافقه 80 شخص وكانت بسبب الإحتكار الهندي لتجارة وصناعة الملح وانتهت بأخذ غاندي حفنة من ملح البحر كرمز لكسر الاحتكار وكانت تلك المسيرة من أهم الخطوات التي أدت الى استقلال الهند عن بريطانيا وذلك بسبب قيام الكثير بتقليد غاندي مما أدى إلى اعتقال أكثر من 50 ألف شخص، وانعدام الحوار في هذه الواقعة هو الذي إلى لإعتقال هؤلاء ال 50 ألف شخص.

أيضا من أكبر الثورات أو المظاهرات التي أدت الى تغير مهم، مظاهرات واشنطن في أمريكا عام 1963م، حيث خرج مارتن لوثر كنج ومعه 200 ألف شخص وخطب خطبته الشهيرة ( أنا لديّ حلم) والتي أدت الى اصدار قانون يجرّم التفرقة العنصرية ونال بعدها مارتن جائزة نوبل للسلام. لطالما كان الحوار مطلب أساسي للوصول لحلول وأرضية مشتركة من الأهداف والنتاجات ولكن للأسف عند غياب الحوار يلجأ الأشخاص لطرائق أخرى للتعبير وإيصال الصوت كنوع من اثبات الوجود. كما يقول المثل “الأفعال أعلى صوتًا من الأقوال”، لو كان الحوار فعالا وكانت وجهات النظر واضحة لما تصعدت الأحداث هذه، لما رأينا ولكان التاريخ ليس كما هو الآن. لابد لنا أيضا من التطرق لأنواع الحوار، الحوار له عدة أشكال مثل: الحوار الديني، الحوار الوطني، الحوار السياسي، الحوار الاجتماعي و الحوار الاقتصادي.

لما كان الحوار غير وارد بأشكاله كانت الثورة، وكثيرا من الأحيان يرتبط مفهوم الثورة أو المظاهرات بالخسائر أو حتى المشاعر السلبية. إلا أن المفهوم أكبر مما يطرأعلى بال الكثيرين، الثورة لو بسّطناها هي فكرة أو أيدولوجية تتبناها جماعة أو فئة معينة بهدف التغيير بدافع عدم الرضى. ومن الأرجح أن يكون هذا التغيير للأفضل كما رأينا في الأمثلة السابقة ولكن المقصد هنا، أنه لو تم الحوار بطريقة سليمة وبصورة واضحة لما كانت وقعت خسائر أو حتى اضطر الناس للتظاهر بسبب عدم سماع صوتهم. الحوار البنّاء الذي يؤدي لنقاش مثمر دائما يفضي لنتيجة فضلى. وفقا للأحداث التاريخية، تثور الشعوب لأسباب دينية واجتماعية واقتصادية، ولكن العامل الأخير لعب دورا محوريا في اندلاع أبرز الثورات على مر التاريخ، إذ اقترن “الخبز” على وجه الخصوص بالعديد من أسمائها وشعاراتها وهتافاتها، فعدا عن كون الخبز منتجا غذائيا رئيسيا لدى معظم الشعوب. يمثل أكثر من نصف الطعام المأكول في نصف دول العالم، بحسب الكاتب المصري جمال كمال محمود في كتابه “الخبز في مصر العثمانية”، فإن الخبز دليل على مدى تحضر المجتمعات المستقرة، ما يجعله “سلعة إستراتيجية” ومقياس حساس للمؤشرات الاقتصادية، سواء في حالات الانتعاش أم الانهيار.

هذا ما حدث تحديدا في فرنسا على سبيل المثال، حتى أصبح لهذا النوع من المظاهرات والثورات أسم: “ثورة الخبز”، وكما كانت الهتافات في مصر خلال أحداث الربيع العربي الذي لاشك من أحد الأحداث المهمة التي تعد من الأمثلة على ثوارت تمت بسبب عدم فتح باب الحوار، كانت الهتافات تقول: “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”، حيث أعطوا الأولوية للخبز. لا شك أن للحوار أهمية كبيرة حتى لو انحسرنا به على الصعيد الشخصي والعائلي قبل المجتمعي والدولي، حيث أنه مهم لفهم وجهات نظر الآخرين ومن أين أو ما اسلوبهم في التفكير في الموضوع الذي يتم مناقشته وأيضا للاستنارة بآراء الأطارف المتحاورة ويكون للحوار مبادئ ليكون فعالا وصحيح ومتكافئ. من المهم التنويه على أن التفريق بين الحوار والمناقشة والمناظرة مهم جدا ولو تقارب المعنى بشكل كبير. الحوار قد قمنا بتعريفه آنفًا اما المناظرة فهي نوع مرتب أو رسمي من المناقشة ولكن تختلف عن المناقشة المنطقية والمناظرة تنتهي بفوز طرف على الآخر فاستخدام اساليب التواصل، والنقاش فهو الكلام في الأمور المراجة دون فوز طرف على الآخر أو اقناع احد الاطراف برأي الاخر ولكن الهدف من النقاش الوصول لنتيجة متفق عليها.

قد قمنا برحلة عبر التاريخ لنرى أثر اهمال اهمية الحوار، كيف أنه لو تم كان قد منع حدوث أحداث تاريخية رسمت عالمنا وخريطته بشكل آخر وحدّدت منعطفات أخذت بمجرى التاريخ نحو الآن، أتمنى أن يكون الحوار البنّاء هو طريقة التفاهم الحضارية التي سيتم تبنيها حتى لا تكون تغييراتنا التي لا مفر منها، ثورات تأتي حامله معها خسائر انسانية أو اقتصادية أو كلتيهما معًا.

يوسف النسور

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *