قد يبدو على أننا مجتمع يخاف الإختلاف وإن حاولنا تقبله يكون مجرد غلاف، غالبا ما نسأل عن الجنسية قبل الأخلاق، المذهب قبل الفكر، القبيلة قبل الإنجاز. الشخص المتبني لظاهرة العنصرية يبني أفضليته على غيره بناء على معادلة مغلوطة من عدم فهمه لحقيقة ما يحدث، في جذور هذا التعصب والتمييز تكمن الفكرة الخاطئة بأن الجنس البشري مكون من أجناس منفصله وطبقات متعددة والحقيقة أنه لا يوجد سوى جنس بشري واحد وأن مبدأ وحدة العالم يضرب على وتر حساس. لكي ندرك مدى سيطرة الأحداث الأكثر رواجا على المشهد، نحتاج لمراقبة الوقائع العنصرية والإنتهاكات التي لاتزال تطفو على السطح! الأمثلة كثيرة أختصرها فيما يلي:
الكثير من الأحداث العنصرية والإنتهاكات التي حدثت تجاه العرق والأقليات وأبرزها ما حدث من تهجير قسري عام 1838 للهنود الحمر الذين كانوا هم شعوب أمريكا الأصليين حيث تم تهجيرهم من موطنهم الأصلي في جنوب شرق الولايات المتحدة -بعد إقرار قانون إزالة الهنود- حيث قامت السلطات الحكومية بتهجيرهم وهنا عانت الشعوب التي هُجّرت من المرض والجوع والبرد في طريقها إلى المحمية الجديدة التي تم تعيينها لهم وقد توفي العديد منهم قبل وصولهم إلى الوجهة المحددة. تم تهجير خمس قبائل قسرا من قبل رئيس الولايات المتحدة آنذاك (أندرو جاكسون) من أجل بناء المستعمرات للبيض.
وعد الكونجرس تلك القبائل أنهم سيكونون مستقلين في تلك الأراضي ولا يتبعون سوى حكمهم القبلي الذاتي حيث أنهم لن يخضعو لقوانين الدولة إذا وافقو على الإنتقال لتلك الأراضي و ترك أوطانهم. بدء السكان الأصليين بالمسير نحو أراضيهم الجديدة تاركين ورائهم أرضهم رغم الظروف القاسية التي عانو منها جراء تهجيرهم كالبرد والجوع و المرض. بعد إبعاد القبائل إلى اوكلاهوما عمل الكونجرس على تفكيك وإضعاف الحكم القبلي، ولم ينفذ بنود المعاهدة سوى بند الإنتقال.
لم تقتصر العنصرية على العرق بل كانت لها تأثيرا أكبر يشمل العنصرية على أساس الجنس. فأوموجا و التي تعني باللغة السواحلية (الوحدة)، أوموجا هي قرية تقع في كينيا كانت الملاذ للنساء الذين يتعرضون للإهانات والممارسات التقليدية التي تحط من شأنهم والعنف الذي يمارسه رجال القبيلة عليهن. بدأت القصة بسبب محاولات الإغتصاب العديدة التي قام بها الجنود البريطانيون وقت الإستعمار، و بعد ذلك يصبحن النساء مرفوضات من المجتمع ينظر لهم بنظرة استعلاء، ويرفضهم ازواجهم أيضا، متغاضين عن فكرة انهن ضحايا ولا يقدمون الدعم لهن بل و يتم الالقاء بهن خارج المنزل، مما يضطر النساء تحت الإجبار ببيع مشروب ما يعتبر غير قانوني وبالتالي يتم الزّج بهن في السجن. ريبيكا هي إحدى النساء اللواتي نجون من إغتصاب الجنود وهي الأم التي ترأست فكرة القرية هي وخمسة عشر امرأة أخرى. كما واتخذت موقف المحاربات للتصدي للأفعال المسيئة للنساء بداية من حماية الأرامل والأيتام والزواج القسري والفتيات المغتصبات.
للعنصرية على أساس الدين، العديد من الأمثلة، على سبيل المثال ميانمار بلد الأقليات المضطهدة؛ الأقلية المسلمة في ميانمار تتعرض للكثير من الجرائم وعمليات القتل والتعذيب والإعتقالات من قبل جيش ميانمار بسبب هيمنة العرق الأكبر من غير المسلمين. غالبية شعب ميانمار من البوذيين مع بعض الأقليات الصغيرة من الديانات الأخرى، بما في ذلك أقلية صغيرة من المسلمين ومعظمهم تم منعهم من التصويت وحرمانهم من الجنسية. يهيمن على البلاد الشعب البورمي والذي يعد متبني بشدة لفكرة العنصرية ضد الأقليات وخاصة الأقليات العرقية والذي يمثل الأغلبية المجموعات العرقية الأخرى. إنها تعاني من التمييز وإساءة المعاملة والإهمال من جانب الحكومة حتى أن مسلمى الروهينجا فرو من ميانمار إلى بنجلاديش، وذلك بسبب أعمال العنف الكبيرة التى يتعرضون لها وسط إدانة طويلة للمذابح التى تمارسها.
بدأ القمع والإضطهاد لهذه الأقلية المسلمة منذ القرن السابع عشر الميلاد، من قِبل حكام بورما، حتى وقعت مذبحة كبرى لمسلمى الروهينجا سميت بالمذبحة الكبرى وترتب عليها تدمير مئات القرى للمسلمين وقتل سكانها الذين قيل إنهم بلغو 100 ألف مسلم، وبلغ عدد اللاجئين الذين سُجلت أسماؤهم فى بنجلاديش حينها 80 ألف شخص، لتستمر المعاناة حتى الآن.
كما أن العنصرية القائمة على أساس اللون هي ظاهرة منتشرة و متوغلة في المجتمع منذ زمن طويل جدا و ما زالت حتى يومنا هذا! يموت من لا يستحق الموت و يعيش من لا يستحق الحياة. في نهاية عام ١٩٥٦صار من حق الأشخاص من ذوي الأصول الأفريقية الجلوس في مكان واحد مع البيض وإعطائهم نفس الحقوق وتسري عليهم نفس القوانين والسبب كان فتاة تدعى “روزا باريكس”؛ سيده من ذوات البشرة السمراء أمريكية رفضت ان تترك مقعدها في الحافلة التي كانت تركبها. أنه في ذلك الوقت كان القانون يفرض على الركاب من ذوي الأصول الأفريقية الجلوس في المقاعد الخلفية ومن حق السائق أن يأمر الركاب من ذوي الأصول الأفريقية الجالسين أن يتركو مقاعدهم من أجل أن يجلس شخص أبيض. عند رفض باريكس ترك مقعدها قامت الشرطة باعتقالها بتهمة مخالفة القانون.
كان للحادث أثرا كبيرا في تأجيج مشاعر الأشخاص من ذوي الأصول الأفريقية ضد الظلم والتمييز العنصري و قامو باحتجاجات عديدة، وفي نهاية المطاف خرجت المحكمة بحكم نصر موقف باريكس، هذا الحدث يعتبر واحدا من أهم الخطوات التي جعلت المواطنين من ذوي الأصول الأفريقية يحصلون على حقوق متساوية مع البيض. على الرغم نجاح الأشخاص من ذوي الأصول الأفريقية في القضاء على العبودية والفصل العنصري، فإن مجتمعهم ما زال يعاني حتى اليوم من مظاهر العنصرية وحتى بعد نصف قرن من خطاب مارتن لوثر كينج “انا لدي حلم” ما تزال الظروف المعيشية الصعبة في أمريكا قائمة تجاه الأشخاص من ذوي الأصول الأفريقية.
صحيح أنه لم يعد يحرم الأشخاص من ذوي الأصول الأفريقية من دخول السينما والمطاعم المخصصة للبيض وأصبح منهم رؤساء وصحفيين ورئيس جمهورية، إلا أن تكرار حوادث المواجهات بين رجال الشرطة البيض وبين الأشخاص من ذوي الأصول الأفريقية تذكرنا بأن الطريق ما زال طويلا طالما أن قواعد العدالة الاجتماعية غائبة. ما حدث مؤخرا في مدينة منيابولس الأمريكية مع المواطن الأمريكي إفريقي الأصل (جورج فلويد) والذي توفي أثناء تثبيته على الأرض بهدف اعتقاله حين قام الشرطي بالضغط على عنق فلويد بركبته لمنعه من الحركة أثناء الإعتقال رغم عدم مقاومة فلويد لأمر اعتقاله، ما يقارب التسع دقائق وفلويد يستنجد بالشرطي “لا أستطيع التنفس”، إلا أن توقف نفس فلويد و نبضه فارق الحياة دون تلقي أي مساعدة.
“أعمال الشغب هي لغة غير المسموعين”، بعد مقتل فلويد مما ادى لانطلاق المظاهرات والإحتجاجات التي تطورت لأعمال شغب. تكاد العنصرية تكون موجودة في كل المجتمعات وبأشكال عديدة، سواء عنصرية الدين أو اللون، اللغة، أو حتى العنصرية الرياضية. العنصرية تحجيم للعقل، لأثرها السلبي على الفرد والمجتمع بطبيعة الحال، ولا يستطيع العنصري ممارسة عنصريته في وجود بيئة عادلة ذات قوانين رادعة ومجتمع رافض لكل أشكال التمييز، عندها يستطيع المجتمع التحرر من ظاهرة العنصرية.
“ليس هناك شيء اسمه نضال لأجل حق صغير أو مؤقت أو ظرفي بل هناك نضال دائم لأجل الإنسان خلقه الله حرا و عليه ان يعيش حرا”، تؤذينا الإختلافات ونحاول اغتيال كل اختلاف فينا، دعونا نحاول لا نرى إلا الإنسان فينا.
يارا النسور