تعتبر الخصوصية الرقمية من الحقوق الأساسية التي يحرص المستخدمين على حمايتها في عصرنا الرقمي الحالي. ويشير مصطلح الخصوصية الرقمية إلى قدرة الأفراد على التحكم في معلوماتهم الشخصية وحمايتها من الوصول غير المصرح به أو إساءة الاستخدام أثناء تصفح الإنترنت. تمثل الخصوصية اداة لحماية الهوية الشخصية ومنع المراقبة غير المرغوب فيها. ومع ذلك، فإن هذه الخصوصية قد تستخدم من قبل البعض بشكل سلبي لنشر خطاب الكراهية الرقمي، فيتم تداولهم بشكل متزايد على منصات التواصل، حيث يمكن للمستخدمين إخفاء هويتهم وراء حسابات مجهولة أو مزيفة، ما يعزز من انتشار السلوك الضار بشكل سريع. ويعرف خطاب الكراهية الرقمي على أنه أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية.
تمنح الخصوصية الأفراد القدرة على الحفاظ على تفاصيل حياتهم الخاصة بعيدا عن أعين الغرباء. ومن خلال الحفاظ على هذه الخصوصية، يمكن للأفراد أن يتجنبوا الاستهداف أو الاستغلال من قبل طرف ثالث قد يستخدم معلوماتهم الشخصية في أغراض غير أخلاقية. وتعتبر حماية الهوية الشخصية من أهم أبعاد الخصوصية الرقمي، فيحق لكل شخص أن يحتفظ بحقوقه في الحفاظ على سريته الرقمية وحمايتها من التسريب. لكن الخصوصية غير المحدودة قد تحمل تأثيرات سلبية في بعض الأحيان. فعندما يبقى الأفراد مجهولين وراء حسابات مجهولة الهوية أو استخدام أدوات مثل VPN بشكل مفرط، فإن ذلك يتيح انتشار خطاب الكراهية الرقمي بشكل أكبر. ويصبح من الصعب تتبع من يقف وراء الرسائل الضارة مع غياب الرقابة، مما يزيد من انتشار خطاب الكراهية الرقمي الذي يستهدف فئات معينة ويزيد من تعقيد مهمة مكافحة هذه الظاهرة. تعني VPN “الشبكة الافتراضية الخاصة” وتقدم وصفا لكيفية انشاء اتصال شبكي محمي بين الأجهزة من خلال الإنترنت. ويستخدم في نقل البيانات بأمان مع إخفاء الهوية عبر الشبكات العامة. وتعمل عن طريق إخفاء عنوان IP وتشفير البيانات بحيث تكون غير قابلة للقراءة إلا من قبل الشخص المصرح باستلامها. على الرغم من أنها توفر أمان وحماية المستخدمين ضد المراقبة غير المشروعة، فقد يستغل المستخدمين هذه الأدوات لإخفاء هويتهم، فيستطيع الأشخاص الذين ينشرون خطاب الكراهية الرقمي الابتعاد عن المساءلة، مما يعزز انتشار السلوكيات السلبية على الانترنت. السؤال هو: هل تستخدم هذه الأدوات للحفاظ على الخصوصية ام للتهرب من المساءلة؟
تعتمد الاجابة على نوايا المستخدم، فيمكن القول ان هذه الادوات تحمل طابعا مزدوجا، في حال تم استخدامها بشكل نزيه، توفر حماية وخصوصية للمستخدم، ولكن عند استخدامها بشكل غير أخلاقي، قد تسهم في تعزيز الأنشطة الضارة مثل خطاب الكراهية الرقمي الرقمي. ايجاد توازن بين حماية خصوصية الأفراد ومنع اساءة استخدام الإنترنت لنشر خطاب الكراهية الرقمي يعد أمرا مهما جدا في عصرنا الرقمي. فمن جهة، الخصوصية هي حق أساسي يضمن للأفراد حرية التعبير والوصول للمعلومات دون خوف من المراقبة والملاحقة. ومن جهة اخرى، إساءة استخدام الإنترنت لنشر خطاب الكراهية الرقمي يشكل تهديدا خطيرا للمجتمعات الرقمية، فيؤدي الى نشر الكراهية والعنف والتفرقة بين الأفراد والمجتمعات. فيجب إيجاد طرق فعالة لمنع هذه الظواهر السلبية دون التعدي على حدود الخصوصية.
القانون العام لحماية البيانات (GDPR) هو لائحة الاتحاد الأوروبي التي تقوم بتحديث وتوسيع توجيه حماية البيانات السابق (DPD) الذي تم سنه لأول مرة في عام 1995. يهتم القانون العام لحماية البيانات بخصوصية بيانات الفرد، أي العميل أو الموظف أو شريك العمل. الهدف من القانون العام لحماية البيانات هو تعزيز حماية البيانات الشخصية لمواطني الاتحاد الأوروبي، سواء كانوا يقيمون في الاتحاد الأوروبي أو في أي مكان آخر. من الممكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكشف عن المحتوى الضار، تطوير تقنيات تشفير ذكية تتيح الحفاظ على خصوصية البيانات وفي نفس الوقت توفر إمكانيات فحص الأنشطة المشبوهة. الرقابة الذاتية والإبلاغ عن المحتوى الضار، تنظيمات قانونية دقيقة تنظم كيفية مراقبة خطاب الكراهية الرقمي الرقمي مع ضمان حماية الخصوصية. تتحمل منصات الانترنت المسؤولية في الحد من خطاب الكراهية الرقمي في ظل الحفاظ على الخصوصية، ولكن هذه المسؤولية تحتاج إلى توازن دقيق. من الناحية القانونية، تتعرض منصات الإنترنت لضغوط متزايدة من الحكومات والمجتمع الدولي للتصدي لخطاب الكراهية الرقمي و المحتوى الضار، وهو ما يدفعها إلى وضع سياسات واضحة لتنظيم المحتوى.
أسهم منصات الإنترنت في الحد من انتشار خطاب الكراهية الرقمي عبر استخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل اللغة الطبيعية للكشف عن المحتوى المسيء بشكل اسرع واكثر دقة. ويتطلب أيضا بعض الرقابة على المحتوى، فيجب على المنصات ان تضمن ان هذه الرقابة لا تؤدي الى اختراق الخصوصية الشخصية للمستخدمين. يمكن فرض قوانين صارمة للحد من خطاب الكراهية الرقمي دون انتهاك حقوق الخصوصية، ولكن ذلك يتطلب وضع إطار قانوني دقيق ومتوازن يضمن حماية كل من الحقوق الفردية والمصلحة العامة. تعتبر المشاركة المجتمعية والضغط الجماعي من الأدوات الفعالة للحد من انتشار خطاب الكراهية الرقمي. ويمكن أن تلعب المجتمعات الرقمية دورا كبيرا في مكافحة هذا الخطاب من خلال الابلاغ عن المحتوى المسيء والدعوة إلى ثقافة احترام الاخرين. كما يمكن للضغط الجماعي أن يؤدي إلى مطالبة منصات الانترنت باتخاذ اجراءات اكثر صرامة ضد المحتوى المسيء. وهذا النوع من المشاركة يساعد على نشر الوعي وتعزيز ثقافة الانترنت الامن.
يعد خطاب الكراهية الرقمي الرقمي من اخطر الظواهر التي تهدد الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات. فعندما يتعرض الشخص لخطاب كراهية مستمر، يمكن أن يعاني من قلق شديد، وتوتر واكتئاب. وفي بعض الحالات يمكن أن يؤدي الى تدمير الثقة بالنفس، والعزلة الاجتماعية. وفي المجتمع الأوسع، يساهم خطاب الكراهية الرقمي في زيادة الانقسامات بين الجماعات المختلفة ويؤدي الى نزاعات وتوتر بين الأفراد، ما يشكل تهديدا خطيرا على الاستقرار الاجتماعي. إن الخصوصية الرقمي تعتبر من الحقوق الأساسية التي يجب أن تحترم وتحمي في العصر الرقمي الذي نعيشه، فهي تمنح الأفراد حرية التحكم في معلوماتهم الشخصية وتساهم في حماية هويتهم من المراقبة غير المرغوب فيها. ومع ذلك، تفتح الخصوصية غير المحدودة المجال أمام البعض لاستخدامها بشكل سلبي لنشر خطاب الكراهية الرقمي. ايجاد التوازن بين حماية الخصوصية ومنع استخدام الإنترنت لنشر الكراهية يشكل تحديا كبيرا، فمن المهم أن نجد حلولا فعالة لحماية حقوق الأفراد دون السماح بانتشار الانشطة الضارة بالسلام الاجتماعي. وفي النهاية، ان تعزيز ثقافة الانترنت الامن واحترام الاخر هو السبيل للحد من تأثيرات خطاب الكراهية الرقمي على الصحة النفسية والاستقرار الاجتماعي.
عرين الجبر