خطاب الكراهية على الإنترنت: أسبابه وآثاره وطرق مواجهته

خطاب الكراهية على الإنترنت: أسبابه وآثاره وطرق مواجهته

في عصر التكنولوجيا الحديثة والاتصالات الرقمية، أصبح الإنترنت وسيلة رئيسية للتواصل وتبادل المعلومات بين الناس حول العالم. ومع ذلك، فإن هذه المنصة الرقمية قد أتاحت أيضًا فرصة لانتشار خطاب الكراهية. خطاب الكراهية على الإنترنت هو ظاهرة سلبية تؤثر على الأفراد والمجتمعات بأشكال مختلفة. في هذا المقال، نستعرض أسباب خطاب الكراهية على الإنترنت، آثاره على الأفراد والمجتمع، وأخيرًا كيفية مواجهته والتصدي له. يمكن وصف خطاب الكراهية بأنه أي نوع من التواصل، سواء في الكلام أو الكتابة أو السلوك، الذي يهاجم أو يميز ضد هوية شخص أو مجموعة. يشمل ذلك الدين والعرق والجنسية واللون والنسب والإعاقة والعمر والجنس. كما يمكن أن يشمل خطاب الكراهية عوامل أخرى مثل اللغة أو الأصل الاقتصادي أو الاجتماعي أو الحالة الصحية. وفر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي بيئة ميسرة لنشر الأفكار والآراء بسهولة وسرعة. هذا التطور التكنولوجي، بالرغم من فوائده العديدة، قد أتاح الفرصة لنشر الكراهية والتحريض ضد الأفراد والجماعات. تأثير التكنولوجيا على المجتمع أصبح واضحًا في نشر الأخبار والمعلومات بسرعة، وهذا يشمل الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية. هذا التأثير المجتمعي جعل الانترنت سلاحا ذا حدين، فمن جهة، يوفر فرصا لتعزيز الحوار والتفاعل الثقافي، ومن جهة اخرى، يخلق بيئة خصبة لتعزيز الانقسامات الاجتماعية من خلال نشر خطاب الكراهية.

العديد من منصات التواصل الاجتماعي لا تمتلك آليات فعالة لرصد ومنع المحتوى الذي يحض على الكراهية. هذا الغياب للرقابة يؤدي إلى انتشار خطاب الكراهية بسهولة ودون عواقب فورية، مثل الأحداث الأخيرة التي شهدت انتشار خطاب الكراهية عبر منصات مثل فيسبوك وتويتر. يعتمد الكثير من منصات التواصل على انظمة الذكاء الاصطناعي لرصد المحتوى الضار، لكن هذه الانظمة ما زالت تواجه تحديات في التمييز بين الخطاب الساخر والخطاب التحريضي، ما يؤدي الى ازالة محتوى مشروع وترك المحتوى المسيء. يشعر البعض أنهم محصنون من العقاب عند استخدامهم للإنترنت، مما يشجعهم على التعبير عن آرائهم المتطرفة والكراهية دون خوف من العواقب، متجاهلين أن حرية التعبير لا تعني التحريض ضد الاخرين او الاضرار بهم. يعتقد البعض أن ما يقولونه عبر الإنترنت لا يعكس الواقع ولا يحمل عواقب حقيقية.

يوجد العديد من أثار خطاب الكراهية على الأفراد والمجتمع؛ منها نفسية، مثل الأفراد الذين يكونون هدفًا لخطاب الكراهية يعانون من آثار نفسية سلبية مثل الاكتئاب والقلق والشعور بالعزلة. كما أن خطاب الكراهية يعزز من التنمر الإلكتروني الذي يؤدي إلى تدمير الثقة بالنفس وزيادة معدلات الانتحار بين الشباب. ويعرف التنمر الإلكتروني بأنه تنمر باستخدام التقنيات الرقمية، ويمكن أن يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات  المراسلة ومنصات الألعاب والهواتف المحمولة، وهو سلوك متكرر يهدف إلى إخافة أو استفزاز المستهدفين به أو تشويه سمعتهم. أيضا، الآثار الجسدية؛ في بعض الحالات، يمكن أن يتسبب خطاب الكراهية في تحفيز العنف الجسدي حيث يتحول التحريض عبر الإنترنت إلى أفعال عنف حقيقية، مثل الهجمات على الأقليات والابادة الجماعية. تأثير الكراهية المستمر يمكن أن يؤدي إلى تطور أمراض نفسية وجسدية لدى الضحايا مثل القلق والتوتر، اضطراب تقدير الذات، الانسحاب الاجتماعي والسلوك العدواني. كما أن خطاب الكراهية يعزز من الانقسام بين فئات المجتمع المختلفة ويؤدي إلى تراجع التماسك الاجتماعي وزيادة العداوة بين الجماعات المختلفة. يمكن أن يؤدي خطاب الكراهية إلى تعزيز الأفكار المتطرفة وتحريض الأفراد على الانضمام إلى جماعات متطرفة.

ومن أجل مواجهة خطاب الكراهية على الإنترنت عن طريق التوعية والتثقيف؛ يجب على المدارس والمؤسسات التعليمية نشر الوعي حول خطر خطاب الكراهية وكيفية التعامل معه. يمكن أن يشمل ذلك تعليم الأجيال القادمة كيفية التفكير النقدي والتعامل مع المعلومات بحذر. أيضا، التثقيف الإعلامي؛ يجب على الأفراد تعلم كيفية التحقق من المصادر والتفكير النقدي عند قراءة أو مشاهدة محتوى عبر الإنترنت. ممكن زيادة التثقيف الإعلامي من خلال إطلاق حملات توعية رقمية، تطوير أدوات التحقق من الأخبار. بالإضافة إلى، دور الحكومات في وضع قوانين صارمة لمعاقبة من ينشر خطاب الكراهية على الإنترنت. و العمل على تحديث القوانين لتشمل التطورات التكنولوجية الجديدة وضمان أن تكون فعالة في مكافحة خطاب الكراهية. مع الدور المهم للتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي من حيث العمل بجدية لمراقبة المحتوى وإزالة المنشورات والتعليقات التي تحض على الكراهية بشكل فوري. وتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها اكتشاف المحتوى الكاره قبل أن ينتشر على نطاق واسع، مما يقلل من تأثيره السلبي.

كما أن من وسع تشجيع الحوار الإيجابي البناء بين مختلف فئات المجتمع لتعزيز التفاهم والعيش السلمي ودعم المبادرات التي تسعى لنشر القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية عبر الإنترنت، سواء من خلال الاعلام او منصات التواصل الاجتماعي التي تهدف الى نشر الوعي بأهمية التعامل الإنساني مع الآخرين. أيضا، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لضحايا خطاب الكراهية الرقمي. تختلف قوانين مكافحة خطاب الكراهية من دولة إلى أخرى. على سبيل المثال، تفرض غرامات على منصات التواصل الاجتماعي التي تفشل في ازالة المحتوى الذي يحض على الكراهية خلال 24 ساعة. وفي العالم العربي، فتوجد قوانين تجرم خطاب الكراهية في بعض الدول، لكنها تواجه تحديات في التطبيق بسبب ضعف الرقابة الالكترونية والتباين في تفسير النصوص القانونية.

وهنالك عناصر مهمة في تحديد خطاب الكراهية؛ موقع أو صفة المتحدث؛ التدقيق في المتحدثين وتحليل كلماتهم. ومدى وصول خطاب الكراهية الرقمي؛ تحديد الفئة المستهدفة من الخطاب، وتحديد معدل انتشار الخطاب، فهل أصبح محتوى فيروسي على الإنترنت أم انتشر في منطقة صغيرة. وتحديد أهداف خطاب الكراهية الرقمي؛ يمكن توجيه أسئلة، مثل، ما الذي يفيد المتحدث والمصالح التي يمثلها؟ ومن هم ضحايا الخطاب وما هو تأثيره عليهم كأفراد داخل مجتمعهم؟. بالإضافة لتفقد محتوى وشكل الكلام؛ هل يحرض على العنف أم يزيد من حدة الكراهية؟ وفهم السياقات الاجتماعية، والتاريخية، والسياسية، أي يمكنك تقييم توجهات المتحدث السياسية حتى تفهم لغة الخطاب التي يستخدمها. خطاب الكراهية على الإنترنت هو تحدي معقد يتطلب تعاونًا مشتركًا من الحكومات والمؤسسات التعليمية والاجتماعية ومنصات التواصل الاجتماعي. من خلال التوعية والتثقيف، وتحسين القوانين، وتشجيع الحوار الإيجابي، يمكننا الحد من تأثير هذه الظاهرة السلبية وبناء مجتمع أكثر تماسكًا وسلامًا. لنكن جزءًا من الحل ونعمل معًا لمواجهة خطاب الكراهية وتعزيز القيم الإنسانية والأخلاقية في عالم الإنترنت.

اماني باسم معروف قاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *