في عصر الحياة الرقمية أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة تتلاقى فيها مختلف الأفكار والمعتقدات. ومع ذلك، فالتقارب الرقمي لا يخلو من التحديات، فتتولد ما تدعى بالفجوة الثقافية، ومع انخفاض الوعي الكافي لتقبل الآخر والانخراط مع التنوع الثقافي، تنشأ بعض المشاحنات وخطاب الكراهية. وفي ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم لمواجهة خطاب الكراهية وحماية المجتمع. يوصف خطاب الكراهية بأنه أي نوع من التواصل، سواء في الكلام أو الكتابة أو السلوك، الذي يهاجم أو يميز ضد هوية شخص أو مجموعة. يشمل ذلك الدين والعرق والجنسية واللون والنسب والإعاقة والعمر والجنس. كما يمكن أن يشمل خطاب الكراهية عوامل أخرى مثل اللغة أو الأصل الاقتصادي أو الاجتماعي أو الحالة الصحية. يعرف التوتر السياسي على انه حالة من الاضطراب او عدم الاستقرار بين الاحزاب او الجماعات السياسية، التي قد تؤدي الى اضطرابات واحتجاجات وحتى صراعات مسلحة. وغالبا ما يكون لهذا التوتر اثر سلبي على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع. قد يكون التوتر السياسي ظاهرة طبيعية في الأنظمة الديمقراطية، لكنه قد يصبح خطيرا عندما يؤدي للعنف، لذلك يتطلب تجاوزه بطريقة سليمة. في اوقات الازمات، يبحث الأشخاص عن جهة معينة لإلقاء اللوم ووضع المسؤولية عليها، فيتم توجيه الغضب تجاه فئة معينة، مما يؤدي الى تصاعد خطاب الكراهية ضدها.
تؤدي الفجوة الاقتصادية إلى زيادة الغضب الشعبي، مما يتسبب في اضطرابات سياسية. اضافة الى الازمات الاقتصادية مثل البطالة وارتفاع الأسعار التي تؤدي الى احتجاجات وعدم استقرار سياسي. ويؤدي عدم المساواة بين الفئات بالمجتمع إلى خلق توترات سياسية. انتشار خطاب الكراهية الذي يحض على العنف أو يستهدف فئة معينة يؤدي لتصعيد الخلافات السياسية. أيضا، يمكن أن تؤثر وسائل الإعلام من خلال نشر الأخبار الزائفة أو التحيز، او من خلال حملات دعائية تستهدف إشعال الصراعات بدلا من تهدئتها. كما ويحفز خطاب الكراهية العنف الاجتماعي والسياسي، فيمكن ان يؤدي الى اشتباكات بين جماعات مختلفة أو إلى جرائم كراهية. يعيق هذا الخطاب الحوار البناء، حيث يؤدي الى تآكل القيم الديمقراطية، مثل التسامح وحرية التعبير. ويتسبب ايضا هذا الخطاب في تقسيم المجتمع، مما يجعل حل النزاعات أكثر صعوبة وتعقيد. تستغل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام في نشر خطاب الكراهية، مما يجعله أكثر خطورة. وعندما يستخدم من قبل شخصيات سياسية أو جهات رسمية، فإنه يؤثر على المواطنين بزعزعة ثقتهم بمؤسسات الدولة. وهنا يبرز خطاب الكراهية، ويستخدم كاداة لتأجيج الصراعات وتعزيز الانقسامات ويكون اداة للتعبئة السياسية وتصوير الخصوم السياسيين كأعداء أو تهديدات، فيزيد من حدة الصراع ويخلق بيئة عدائية، فتتسبب بتعميق الانقسامات وانتشار المعلومات المضللة، تستخدم لتبرير خطاب الكراهية والعدائية تجاه الآخرين.
في ظل التوتر السياسي في الشرق الاوسط، ينتشر الذباب الالكتروني وحدة 8200، التي تخلق نزعات سياسية وثقافية بين الدول العربية المجاورة، فينتشر الكلام المغلوط عن الدول المختلفة; لخلق الفتنة بين الشعوب، الذي يؤدي إلى الحساسية ويخلق ايضا الكره تجاه تلك الدول، التي بدورها تولد التفكك الشعبي، والذي يسهم في الكثير من المشاكل. اما الان وبعد التدخلات الخارجية وتقسيم الدول إلى حدود، فاصبحو يسعون الى اختلاق مشاكل جديدة لتفكيك الوطن الواحد بالمسميات القبلية والعشائرية، ومحاولة زعزعة استقرار الدول، ففي هذه اللحظة يصبح من واجب كل منَا أن يوقف هذه السياسات الاستعمارية الدخيلة، وينشر الوعي لإفشال هذه المخططات. ينتشر خطاب الكراهية عبر الانترنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تروج الخوارزميات للمحتوى الجدلي لأنه يزيد المشاهدات والتفاعل وينتشر بشكل سريع. انتشار الهاشتاقات التحريضية لخلق ضغط ضد طرف معين، ليتصدر الترند وينتشر على نطاق واسع. أيضا، تأثير غرف الصدى، فيتفاعل الأشخاص مع أشخاص يشاركونهم نفس الأفكار، فتزداد حدة الاستقطاب. وفي أوقات التوتر السياسي، يتم استغلال الوضع لنشر نظريات المؤامرة وخلق الفتن وإلقاء اللوم على فئة معينة. ويصبح الناس أكثر عرضة لتصديق الأخبار الزائفة. أدت التوترات السياسية في العديد من دول الشرق الاوسط الى انتشار خطابات تحريضية عبر الانترنت، حيث تم استخدام الذباب الالكتروني لخلق الانقسامات الداخلية في الدول وتشويه صورة المعارضين السياسيين.
احيانا، يعود انتشار خطاب الكراهية في كثير من الاحيان الى مشاعر الغضب والإحباط تجاه الأوضاع السياسية. الأفراد المهمشين أو غير القادرين على إحداث تغيير حقيقي يلجؤون إلى تفريغ إحباطهم من خلال الهجوم على فئات أخرى على الانترنت. تعمل غرف الصدى على تعزيز خطاب الكراهية، وتعرف بأنها البيئة التي يتعرض فيها الإنسان لأفكار ووجهات نظر تعكس وتعزز أفكاره ووجهات نظره؛ حتى يظن أنَّ هذه الأفكار والمعتقدات، هي الحقيقة الوحيدة وكل ما خالفها باطل. وكأنه يتحدث في غرفة فارغة تعكس الصوت ولا يسمع إلا صدى صوته مراراً وتكراراً، حتى يظن أنه الصوت الوحيد الموجود في العالم. ويتم استغلال غرف الصدى خلال أوقات التوتر السياسي لنشر الأخبار المزيفة ونظريات المؤامرة، التي تغذي العداوة بين الفئات في المجتمع. اطلقت الامم المتحدة “استراتيجية الأمم المتحدة وخطة عملها بشأن خطاب الكراهية” التي تهدف إلى تقليل تأثيره في المجتمعات. تعمل مؤسسات المجتمع المدني على نشر التوعية حول مخاطر خطاب الكراهية عبر الانترنت، من خلال برامج تدريبية وحملات توعوية لتعليم الأفراد كيفية التعامل مع المحتوى التحريضي وعد المساهمة في نشره. ويتم مواجهة خطاب الكراهية في أوقات التوتر السياسي بتعزيز الخطاب البديل والدعوة للحوار، تفعيل قوانين تجرم التحريض وخطاب الكراهية، عمل مبادرات لمكافحة خطاب الكراهية، و دور الإعلام الكبير في نشر التوعية بخطورة هذا الخطاب.
استخدام مصادر موثوقة للتحقق من الأخبار قبل نشرها، خاصة في أوقات التوتر السياسي، حيث تنتشر المعلومات المضللة بشكل كبير. الإبلاغ عن المحتوى المسيء حتى لا ينتشر، والامتناع عن المشاركة او التفاعل مع المحتوى التحريضي. بدلا من ذلك، التشجيع على النقاشات البناءة والهادئة بدلا من الجدالات التي تؤدي إلى مشاكل وعداوات في المجتمع. ويمكن تطوير أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإزالة المحتوى الذي يتضمن خطاب كراهية بشكل تلقائي. خطاب الكراهية في أوقات التوتر السياسي ليس مجرد ظاهرة اجتماعية سلبية، بل هو تهديد حقيقي للاستقرار الاجتماعي والأمن العام في ظل التوترات السياسية، من خلال تعزيز التربية الإعلامية، وتشديد الرقابة على المنصات الرقمية، وتعزيز الحوار البناء، يمكن للمجتمعات أن تقلل من تأثير خطاب الكراهية وبناء بيئة أكثر تسامحاً وعدلاً. في النهاية، فإن مواجهة خطاب الكراهية تتطلب جهوداً مشتركة من الأفراد والمؤسسات والحكومات لضمان أن يكون الفضاء الإلكتروني والمجتمع ككل مكاناً آمناً للجميع.
أنس أبو شاويش