فهم أساسيات غرف الصدى و تأثيرها على خطاب الكراهية الرقمي

فهم أساسيات غرف الصدى و تأثيرها على خطاب الكراهية الرقمي

غرف الصدى هي البيئة التي يتعرض فيها الإنسان لأفكار ووجهات نظر تعكس وتعزز أفكاره ووجهات نظره؛ حتى يظن أنَّ هذه الأفكار والمعتقدات، هي الحقيقة الوحيدة وكل ما خالفها باطل. وكأنه يتحدث في غرفة فارغة تعكس الصوت ولا يسمع إلا صدى صوته مراراً وتكراراً، حتى يظن أنه الصوت الوحيد الموجود في العالم. غيرت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جذري الآلية التي نصل من خلالها إلى المعلومات ونكوّن آراءنا، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى فهم كيف يسعى الأفراد للحصول على المعلومات أو يتجنبونها وكيف تؤثر هذه القرارات على سلوكهم في الواقع، لا سيما عندما تغير دورة الأخبار الطريقة التي يتم بها استهلاك المعلومات والإبلاغ عنها.

في بيئة أصبحت القاعدة فيها أن تكون متشددًا، والاستثناء أن تكون منفتحاً على الآخر ازدهر تأثير غرفة الصدى، حيث يميل الناس إلى تفضيل الأصوات التي تشبه أصواتهم أو توافق رغباتهم أو معتقداتهم، في ظاهرة يتعرض فيها الأفراد لمعلومات وآراء تعزز معتقداتهم وآرائهم الحالية، دون التعرض لوجهات نظر مختلفة، أو دون تحدي معتقداتهم من قبل آراء مخالفة. ويحدث هذا عندما يحيط الأفراد أنفسهم بأفراد متشابهين في التفكير، أو من خلال متابعتهم فقط لوسائل الإعلام المتحيزة ومصادر المعلومات غير المحايدة التي تؤكد معتقداتهم الحالية فقط. ويؤدي تأثير غرفة الصدى إلى الاستقطاب، حيث يصبح الأفراد أكثر رسوخاً في معتقداتهم وأقل انفتاحاً على وجهات النظر البديلة، مما يقود إلى إضعاف الحوار والتفاهم بين الأفراد أو المجموعات ذات الآراء المختلفة، فضلاً عن تراجع الرغبة في التعاطي مع الأشخاص الذين لديهم آراء مغايرة.

لطالما كان هذا هو الحال في مجتمعاتنا ولكن بدرجات متفاوتة، المعظم يميل للبقاء ضمن مناطقنا الآمنة أكانت ضمن مجموعتنا القبلية، أو الدينية أو الطبقة الاجتماعية، ولكن كان من الصعب في الحياة الواقعية عزل أنفسنا بشكل كامل. فنحن مجبرون على الاحتكاك بالمختلف بشكل أو بآخر مما قلل من تأثير غرفة الصدى. ولكن في سياق وسائط التواصل الاجتماعي والعوالم الافتراضية، يمكن أن يكون تأثير غرفة الصدى أشد وأكثر وضوحًا. فمن جهة، من السهل عزل أنفسنا في الواقع الافتراضي وتجنب المختلف وحصر أنفسنا داخل فقاعات المشابهين، كما يمكن للمتطرفين أياً كانوا أن يعززوا مواقفهم من خلال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة التي تدعم أفكارهم ومواقفهم حتى لو غرقوا في خطاب الكراهية والتعصب، مما يضاعف من تأثيرهم وخصوصًا على الجموع من غير المطلعين وغير المنفتحين على العالم. 

تعزز خوارزميات الذكاء الاصطناعي في وسائط التواصل الاجتماعي التجارية التي تهدف للربح فقط من ظاهرة غرفة الصدى، حيث غالبًا ما تُظهر للمستخدمين محتوى متوافق مع وجهات نظرهم واهتماماتهم السابقة. وفي محاولتها لتنظيم المحتوى المعروض وتخصيص تجربة المستخدم بناءً على اهتماماته تحاول تزويده بمحتوى أقرب وتفضيلاته، وهو شيء جيد نظرياً ولكنه للأسف يسهم في إنشاء فقاعات مغلقة يزداد فيها تعرض المستخدمين لمحتوى يؤكد معتقداتهم وآرائهم الحالية فقط. حيث تم تصميم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتُظهر للمستخدمين محتوى متوافق مع سلوكهم واهتماماتهم وتفضيلاتهم السابقة، دون التعرض لوجهات نظر مختلفة أو آراء معارضة، وفي المقابل تزيد من وصول المحتوى الذي يحتمل أن يتلقى تفاعلاً من قبلهم، مثل الإعجابات والمشاركات والتعليقات، حتى لو عنى ذلك زيادة تركيز المحتوى المتطرف أو المضلل داخل دوائر ومجتمعات معينة، مما يعزز تأثير غرفة الصدى.

قبل معالجة الآثار السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي على الاستقطاب وتجنب آثارها السلبية، لربما علينا العمل على معالجة جذور الاستقطاب والتطرف في عالمنا الحقيقي، وتشجيع الأفراد على التفاعل مع الأشخاص الذين لديهم آراء مختلفة، ودفعهم للقراءة والبحث عن وجهات نظر متنوعة، وتسهيل انخراطهم في حوار مدني مع الأشخاص الذين لديهم آراء مغايرة للخروج من غرف الصدى الخاصة بهم. من ثم العمل على تحسين الشفافية والمساءلة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، بشكل يشمل توفير المزيد من المعلومات المتنوعة للمستخدمين، وتعزيز ضمانات منع انتشار المحتوى المضلل أو المتطرف، وتعزيز المحتوى المتنوع والمتوازن للمستخدمين، أملاً في تأسيس مجتمعات أكثر انفتاحاً وشمولاً، تجنبنا ويلات الاستقطاب والانقسام و تبعاتها.

طالما استند سبب وجود منصات وسائل التواصل الاجتماعي على فكرة جعل العالم أكثر انفتاحا وإنسانية من خلال تعزيز التواصل. وفي الحياة الواقعية، يجعلنا لقاء أشخاص مختلفين منفتحين ويعطينا رؤية أكثر وضوحا عن الآخرين. لذلك، من المفهوم أن يعتقد الكثيرون أنه يمكن تطبيق المبدأ نفسه على الإنترنت. لكن اتضح أن جوهر التواصل عبر الإنترنت لا يحقق هذا الهدف. فعلى الإنترنت، غالبا ما نكره الأشخاص المختلفين، وهذه الكراهية تشكل سياستنا بشكل متزايد. تآكل النسيج الاجتماعي الذي تسببت فيه منصة فيسبوك وغيرها ليس من الآثار الجانبية لسوء الإدارة السيئة أو عيب في التصميم، وإنما يدخل في جوهر وسائل التواصل الاجتماعي في حد ذاتها، يقول التقرير. هناك العديد من الأسباب التي تجعل فيسبوك وما لحقه من شركات التواصل الاجتماعي متورطة في الانهيار الديمقراطي والعنف الطائفي حول العالم والحرب الأهلية الباردة في الولايات المتحدة.

هذه المنصات عبارة عن محركات لنشر المعلومات المضللة ووقود يغذي نظريات المؤامرة. وهي تمنح الناس شعورا بالرضا عند التعبير عن الغضب والازدراء مشابه للدوبامين الذي تفرزه أجسامهم عند لعب آلات القمار، بحسب بيل. أوضحت الكاتبة أن قيمة المسافة النفسية تنطبق داخل المجتمعات وكذلك فيما بينها. ففي عام 2017، عقد ديب روي، مدير مركز التواصل البناء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكبير علماء الإعلام السابق في شركة تويتر، اجتماعات غير رسمية في البلدات الصغيرة للتحدث مع الناس حول وسائل التواصل الاجتماعي. في عدة مرات، أخبره الناس أنهم توقفوا عن التحدث إلى الجيران أو السكان الآخرين بعد التعبير عن آرائهم عبر الإنترنت. وقال روي إنها كانت المرة الأولى التي يستمع فيها مباشرة إلى أشخاص “منعتهم وسائل التواصل الاجتماعي من إجراء محادثات كانت ممكنة لو تمت بشكل طبيعي”.

يعتقد روي أنه من الممكن إيجاد منصة تواصل اجتماعي صحية، مستشهدا بمثال “فرونت بورش فوروم”، وهي منصة ذات مستوى عال من الاعتدال مخصصة للأشخاص الذين يعيشون في فيرمونت. ولكن نطاق هذه المنصة صغير جدا، ناهيك عن أنها غير معروفة وغير متقدمة تقنيًا. إن قضاء الوقت والتفاعل مع أشخاص يشاركوننا ذات الاهتمامات والأفكار أمر جيد وطبيعي، والوصول إلى المعلومات التي تهمنا عبرَ الخوارزميات يساعدنا في الحفاظ على الوقت في ظل الانفجار المعرفي الذي نعايشه. ولكن إذا تم حصرنا في فقاعات من هذا النوع، لن نستطيع النمو كأفراد ومجتمعات، وسنخسر العديد من الصفات التي تميزنا كبشر مثل التفهم، والتقبل، والتعاطف. هل يمكنك أن تتخيل عالماً يشاركك الجميع ذات الأفكار ووجهات النظر؟

ظل الخوارزميات التي تحكم نشاطنا الرقمي، يستحيل أن نتخلص من غرف الصدى بشكل كامل ولكن من المهم أن نعي وجودنا فيها ونقلل تأثيرها علينا. ويمكن أن نفعل ذلك من خلال التفاعل مع أشخاص ووجهات نظر قد لا نتفق معها، والاطلاع على مصادر متنوعة لذات المعلومات التي تصلنا عبر الإنترنت، والتحقق من الأخبار التي نعتقد أنها غير صحيحة من خلال المنصات المختصة بالتحقق من المعلومات. تمثل غرف الصدى أحد التحديات الكبرى التي تواجه البيئة الرقمية في عصرنا الحالي، حيث تسهم بشكل كبير في تعزيز خطاب الكراهية وانتشاره على الإنترنت. من خلال تقوية المواقف المتطرفة ورفض النقاشات البناءة، تعمق غرف الصدى الانقسام الاجتماعي وتفاقم التوترات بين الأفراد والمجتمعات. وبالرغم من أنها توفر مساحة للمؤيدين للمشاركة بأفكارهم دون مواجهة معارضة، فإنها تُعزز أيضًا مفاهيم العداء والتطرف، مما يزيد من انتشار الكراهية والتعصب. لذلك، من المهم تطوير استراتيجيات تعليمية وتقنية لمكافحة هذا التأثير السلبي، عبر تعزيز الحوار الفعّال وتطوير أدوات للكشف عن المحتوى الضار ومكافحته، لضمان بيئة إنترنت أكثر أمانًا واحترامًا للجميع.

لورا طوروسيان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *