يعرف العنف السياسي بأنه العنف الذي يرتكبه الناس أو الحكومات لتحقيق أهداف سياسية، حيث يمكن أن يصف العنف الذي تستخدمه الدولة ضد دول أخرى بالحرب، أو ضد الجهات الفاعلة غير الحكومية خصوصاً وحشية الشرطة أو الإبادة الجماعية، ويمكن أن يصف أيضاً العنف بدوافع سياسية، من قبل الجهات الفاعلة من غير الدول ضد الدولة (التمرد أو الشغب أو الخيانة أو الانقلاب)، أو ضد الجهات الأخرى غير الحكومية، وبالإضافة إلى ذلك يُعَدّ وصف عدم اتخاذ إجراء من جانب الحكومة على أنه شكل من أشكال العنف السياسي، مثل: رفض التخفيف من حدة المجاعة أو حرمان الموارد الأخرى، التي يمكن تحديدها سياسياً داخل أراضيها [1]، سأشير في هذا المقال إلى أحد الأمثلة حول العنف السياسي ومدى التحيز الإعلامي في التغطية الإعلامية عليه.
لا زالت المؤشرات الدولية والوطنية تؤكد على أن المشاركة السياسية للنساء في الأردن لم تحقق التقدم المطلوب لتحقيق المساواة بين الجنسين، وعلى الرغم من التشريعات والسياسات والتدابير المتخذة الهادفة إلى تمكين النساء سياسياً، إلا أن الأردن إحتل المركز 129 من بين 149 دولة على مؤشر الفجوة بين الجنسين 2018 في مجال التمكين السياسي، ولا يزال التمثيل النسائي على المستوى الوزاري بحدود 14.3%، وعلى المستوى النيابي 15.3%، وعلى مستوى الأحزاب السياسية 35.3%، وعلى مستوى القياديات في القطاع العام 7%. تشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” من خلال برنامجها “عين على النساء” إلى أن العنف ضد النساء في الحياة السياسية والعامة يؤثر سلباً عليهن، وتؤكد على أن كل من الرجال والنساء يمكن أن يتعرضوا للعنف في الحياة السياسية، إلا أن العنف الموجه للنساء يستهدفهن بشكل خاص لكونهن نساء، ويتخذ أشكالاً متعددة منها التهديد والتحرش والعنف الجنسي، ويهدف الى ثني النساء عن المشاركة في الحياة السياسية أو تقييد مشاركتهن أو منعهن من المشاركة أصلاً [2]. هنالك أمثلة كثيرة لتعرض النساء للعنف السياسي، وهو ما تؤكده الحوارات خلال جلسات مجلس النواب، والتعرض للوزيرات والتدخل في حياتهن الشخصية، والتضييق على النساء الحزبيات وإقصائهن فقط لكونهن نساء، كما أن انتخابات الأخيرة 2020 أظهرتا أنماطاً متعددة للعنف السياسي ضد النساء المرشحات والناخبات.
حيث تعرضن النساء المرشحات لعنف سياسي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى البعض إلى الانسحاب، حيث أن الإشاعات ومحاولات الفتنة تتسارع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أيام الانتخابات لتسري كالنار بالهشيم عند الناس، وحيث تناقُل الأخبار الكاذبة وترويج الإشاعات من مصادر غير معروفة دون تحري، وحيث حالة اللاوعي عند البعض، مما بات يشكّل خطراً على الأمن المجتمعي والمرأة بالذات [3]. إن العنف السياسي ضد النساء يتضمن أيضاً العنف الذي يمارس ضدهن في مرحلة ما بعد الانتخابات أيضا، كالقيام بعمل أو التهديد بعمل من أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي التي ينتج عنها أو يحتمل أن ينتج عنها أضراراً أو معاناة جسدية أو نفسية أو جنسية، بهدف الحفاظ على وإدامة الأدوار والصور والقوالب النمطية لكل من الذكور والإناث، ومنها الاعتداءات اللفظية والمضايقات والتحرش، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مرتعاً لها في السنوات الأخيرة.
نص الدستور الأردني على أن “الحرية الشخصية مصونة”، فيجب حماية المدافعات عن حقوق النساء وحقوق الإنسان ونشيطات المجتمع المدني والمنخرطات في الحياة العامة، من أي مساس بحقوقهن أو بسلامتهن أو بسمعتهن وأخلاقهن في مواجهة ما يتعرضن له. فالنساء يسعين الى المساهمة وبشكل فاعل في بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية المنتجة، دولة القانون والمؤسسات الكافلة لحق الاجتماع والتجمع والتنظيم والحريات الشخصية والإعلامية والأكاديمية، دولة العلم والمعرفة والتقدم، دولة العدالة الاجتماعية، دولة تُعلي قيم العمل والإنتاج والإبداع وتعزز التنوع والتعددية الثقافية والسياسية والفكرية، دولة تكفل الحق في الاختلاف وتعزز أسس الحاكمية الرشيدة وتضمن حقوق الشعوب في المراقبة والمساءلة والمحاسبة. تتطلع النساء الى مجتمعات آمنة يعم فيها السلم العادل، بعيدة عن الاستسلام والعجز في مواجهة التحديات بما فيه العنف والأمية والفقر والجوع والمرض والتشرد والتلوث والتغير المناخي والفساد بكل أشكاله، وبعيدة عن انتهاكات حقوق الناس وإهدار كرامتهم وتركهم فريسة للفقر والعوز والحاجة والتمييز والتهميش.
المجتمع نصفان رجال ونساء، فلا إصلاح ولا ديمقراطية ولا تنمية ولا تقدم ولا استقرار بدون مشاركتهن، لذا فإنهن يعلن عن التزامهن بتحمل مسؤولياتهن وتمكين المجتمع والوطن من الاستفادة من طاقاتهن ومواهبهن وقدراتهن على أساس المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص، كما يطالبن بحظر كل أشكال الكراهية والتمييز والاعتداء والعنف والتعذيب وسوء المعاملة والاستغلال والحرمان من الحقوق والتهميش والإقصاء الاجتماعي، وأي سلوك مهين أو حاط بالكرامة قائم على أساس النوع الاجتماعي في المجالين الخاص والعام، والوقاية منها والمعاقبة عليها وتوفير الإنصاف لضحاياها وإتاحة الخدمات ذات الجودة لهن، وحظر أية قيود تمييزية في كافة المجالات.[4]
يجب سن تشريع يجرم كافة أشكال العنف السياسي ضد النساء، وإلى ضمان تمكين النساء من العمل في بيئة آمنة وخالية من العنف من خلال بناء القدرات المؤسسية بما فيها قدرات مؤسسات الدولة والوزارات والبرلمان والهيئة المستقلة للانتخابات والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وإزالة كافة أشكال التمييز في التشريعات والتي تحد من وصول النساء الى مواقع صنع القرار انتخابا وتعييناً، ورصد وتوثيق كافة الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في الحياة السياسية، وضمان وصولهن إلى العدالة وعدم إفلات مرتكبي العنف من العقاب، والعمل على تغيير الصور والقوالب النمطية لأدوار كل من الذكور والإناث السائدة في المجتمع، فالنساء لهن أدوراً إنتاجية.
فرحان الحسبان
[1] اقرأ المزيد على e3arabi: ما هو العنف السياسي؟ رابط.
[2] عين على النساء: يجب وقف العنف السياسي ضد النساء في الأردن لمنع تهميشهن وإقصائهن عن الحياة السياسية وإدارة الشأن العام، رابط ،تاريخ اخر مشاهدة ١١/١٠/٢٠٢١.
[3] المرأة والإعلام في الأردن، رابط ، تاريخ أخر مشاهدة ١٣/١٠/٢٠٢١.
[4] عين على النساء، مرجع سابق