الحد من التحيز الإعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي

الحد من التحيز الإعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي

 في الوقت الذي تلعب فيه وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأدوار الإيجابية، سواء في ما يتعلق بتنمية الوعي والتأثير في الرأي العام والدفاع عن قضايا الحريات العامة، إلا أنها في المقابل يساء توظيفها بصورة تهدد الأمن والسلم في العالم، خاصة أنها لا تخضع لأطر أو قوانين تضبط المحتوى الذي يتم نشره عليها، بل أنها تحولت في الآونة الأخيرة إلى أداة تساعد التنظيمات المتطرفة في نشر الأفكار الهدامة والتحريض على العنف والكراهية، وفي نشر الشائعات وإثارة الفوضى والاضطراب، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه الأدوار الشائكة والخطيرة لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن الإشارة إليها في هذا المقال.

تسهم وسائل التواصل الاجتماعي بدور رئيسي في صناعة الرأي العام وتشكيله، إلا أنها قد تتحول في بعض الأحيان إلى منصات للتضليل الإعلامي، وتوجيه الرأي العام في بعض الدول بشكل معين يخدم مصالح دول أو جماعات بعينها، بعيداً عن الحقيقة، فالتضليل الإعلامي لا يتوقف عند هذا الحد، بل يكون أيضا من خلال حسابات وهمية خارجية، لكنها تتبنى مواقف بعينها للتأثير في الرأي العام داخل دولة محددة [1]. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي، حسب دراسة صدرت عن جامعة أوكسفورد في يونيو عام 2017 تحولت إلى أدوات في أيدي بعض الحكومات للتأثير في مضامين الرأي العام في الداخل؛ ومن أمثلة التحييز الإعلامي ما يحدث أثناء الانتخابات حين يتم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في إطلاق شائعات وأخبار تحاول إما صرف الانتباه عن الاستحقاق الانتخابي برمته، أو التأثير على صورة أحد الأطراف لتحقيق مصالح أطراف أخرى [2].

توظف وسائل التواصل الاجتماعي في نشر التطرف والترويج لخطاب الكراهية فغالباً ما تلجأ الجماعات المتطرفة إلى منصات ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها المتطرفة، لأنها تجد فيها وسيلة رخيصة نسبياً وملائمة وآمنة لإيصال رسائلها، فضلاً عمّا تتيحه من وسائط متعددة مثل الصور والفيديوهات والمقاطع المسجلة ولعل ما يساعد التنظيمات المتطرفة أيضاً في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، ما يطلق عليه “البشر المتنكرون” الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية، لكنهم في الأصل تابعون لتنظيمات متطرفة ويروجون لأفكارها الهدامة والتخريبية، وهؤلاء البشر المتنكرون أو “أصحاب الحسابات الوهمية” على مواقع التواصل الاجتماعي باتوا يشكلون خطراً متفاقماً، خاصة أنهم يوظفون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يضر بالأمن الوطني للدول والمجتمعات من خلال بث الأخبار الكاذبة والإشاعات المغرضة التي تضر بمصالح هذه الدول، وإثارة الفوضى فيها. [3]

ويعتبر “تويتر” أحد أهم وسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدم للتفاعل والتنسيق بين التنظيمات المتطرفة، خاصة أنه يوفر مجتمعات افتراضية متغيرة، وهو ما تستفيد منه تلك الجماعات في التجنيد والتنسيق والتخطيط لعملياتها، حيث باتت وسائل التواصل الاجتماعي مع انهيار تنظيم “داعش” في العراق وسوريا عام 2018 تشكل أحد مقومات بقاء التنظيم، حيث يعتمد على تجنيد أنصار جدد من خلال ما ينشره من محتويات رقمية متنوعة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي؛ وهي الاستراتيجية التي يطلق عليها الباحثون استراتيجية “مضاعفة القوة”، عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي؛ لجعل التنظيم يبدو أكثر قوة مما هو عليه، وإيهام أنصاره بأنه ما يزال قادراً على الحشد والتعبئة [4]. تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على نشر الشائعات الهدامة حيث تمثل واحدة من المخاطر الناجمة عن سوء توظيفها، والتي أصبحت تمثل المصدر الرئيسي للعديد من الشائعات، خاصة مع تنامي ظاهرة الحسابات الوهمية في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لا يمكن السيطرة عليها بسهولة، فضلاً عما تتميز به وسائل التواصل الاجتماعي من سهولة وسرعة في نشر وتداول المعلومات والأخبار عليه، وذلك لعدم وجود رقيب أو قواعد وأسس للنشر على تلك المواقع [5].

تعد وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لانتشار الشائعات وتداولها بشكل فائق السرعة بفعل خصائص والبث الفوري والتداول الجماعي التي تتمتع بها، فضلاً عن توافر أدوات تزييف الصور وفبركة الفيديوهات، والتي تضفي بدورها حبكة محكمة على محتوى الشائعات تساعد في انتشارها، ومن أهم الأمثلة ما حدث في مصر حيث تعرضت إلى أكثر من 21 ألف إشاعة خلال عام 2019 تستهدف نشر البلبلة والإحباط، وتدمير المجتمع من الداخل، كما انتشرت العديد من الشائعات عبر منصات ومواقع التواصل الاجتماعي تستهدف الإساءة إلى رموز وقيادات سياسية في العديد من الدول العربية كما تعرضت دولة الإمارات في شهر ديسمبر 2020 إلى حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمقاطعة منتجاتها بزعم “ضعف جودتها”، في محاولة لهز اقتصادها الوطني. أحدث مثال على كيفية توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات، هو أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19)، حيث انتشرت على هذه المواقع معلومات مغلوطة حول أعداد المصابين بالفيروس في بعض الدول العربية ليس فقط للتشكيك في منظومتها الصحية والوقائية، وإنما أيضاً لإظهارها عجزها وأضعافها أمام شعبها، واتهامها بغياب الشفافية وعدم المصداقية أمام المجتمع الدولي [6].

السؤال الآن هل يمكننا ضبط دور وسائل التواصل الاجتماعي؟، من المعروف أن كل نظريات الاتصال والإعلام الحديثة تجمع على تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة مع الثورة الرقمية التي يعيشها عالم اليوم، فإن من المهم والضروري العمل على تعظيم الاستفادة من الفرص التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها أهم أدوات التنشئة السياسية وتشكيل الوعي لدى النشء والشباب، وفي الوقت ذاته ضرورة ضبطها وتنظيمها بحيث لا تتحول إلى منصات لنشر الفكر المتطرف والعنيف أو نشر الشائعات التي تهدد أمن المجتمعات واستقرارها، وهناك العديد من المقترحات التي يمكن أن تسهم في ذلك، لعل أبرزها:

  1. تدريب النشء والشباب في الدول العربية على كيفية الاستخدام الآمن لمواقع التواصل الاجتماعي من خلال دورات متخصصة يشرف عليها الخبراء والمتخصصون، وتنمية الوعي لديهم بخطورة الفكر الذي تبثه الجماعات المتطرفة على هذه المواقع.
  2. التصدي للشائعات التي مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال تطبيق العقوبات على مروجيها، خاصة أن هذه الوسائل تعد النافذة المثالية لإطلاق الشائعات التي تستهدف الأفراد والدول على حد سواء، وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي عاملاً فاعلاً في هذا الانتشار الكبير للشائعات والأكاذيب، فإنها أيضاً وفرت الحلول لمكافحة تلك الأكاذيب ومحاصرتها، فقد نشر موقع “فيسبوك” ورقة باسم عمليات المعلومات في أبريل 2017 تضمنت تطوير خوارزميات قادرة على رصد الحملات المنظمة الهادفة لنشر الشائعات عبر رصد هذا النوع من السلوك الممنهج لنشر أخبار بعينها، وهي خوارزميات قادرة على منع الحسابات الوهمية، ورصد نشر الحساب للخبر ذاته بشكل متكرر، أو قيامه بإرسال مراسلات بشكل مشبوه.[7]

هناك أيضاً آلية التعقب الرقمي، والتي لا تكتفي برصد الشائعات فقط، ولكنها تعمل على تتبع انتشارها، وتعقب مصدرها، والتحقق من عناصرها بشكل فوري ومنظم، ومن أبرز أمثلتها موقع “Emergent“، وهو جزء من مشروع بحثي تابع لمركز “تو للصحافة الرقمية” بجامعة كولومبيا، ويقوم الموقع بوضع لافتات على الشائعة، بحيث يوضح كونها شائعة أو معلومة صحيحة أو غير مؤكدة بعد، وبالضغط عليها يوضح مصدرها وحجم انتشارها وغيرها من المعلومات [8].

  1. توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في التصدي للأيديولوجيات المتطرفة والأفكار الهدامة التي تستهدف النشء والشباب، وهناك العديد من التجارب المهمة التي يمكن الاستفادة منها في هذا الشأن، كتجربة مركز صواب، الذي تم تأسيسه بالتعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2015، بهدف التصدي للأفكار المغلوطة وتصويبها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإتاحة مجال أوسع لإسماع الأصوات المعتدلة لأُولئك الذين يرفضون الأفكار المتطرفة والأعمال الإرهابية ويقفون ضد الأفكار المنحرفة التي يروجها أتباع الضلال. [9]

فرحان الحسبان

 

[1]  محمد علي صالح، عندما تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات تضليل إعلامي، صحيفة الشرق الأوسط (لندن)، رقم العدد (14188)، 2 أكتوبر 2017.

[2]  كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في الاستحقاقات الانتخابية؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة (أبو ظبي)،18 مايو، 2017، من خلال الرابط 
[3] الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، مجلة الشاهد (الكويت)، 19 سبتمبر 2019، من خلال الرابط

[4]  فاطمة الزهراء محمد عبد الوهاب، التعرض لشبكات التواصل الاجتماعى وانعكاسها على نشر الشائعات لدى الشباب الجامعى، ( دراسة ميدانية )، كلية الآداب قسم الاعلام ، جامعة جنوب الوادى بقنـا، على الرابط  

[5]  فاطمة الزهراء محمد عبد الوهاب، مرجع سابق.

[6] صبري عبد الحفيظ، جماعة “الإخوان” تلجأ إلى كورونا لإسقاط النظام المصري!، موقع إيلاف الإلكتروني،  17 مارس 2020، من خلال الرابط 

[7] د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح، “التشارك الإلكتروني:آليات مكافحة الشائعات في الفضاء السيبراني”، مركز المستقبل للدراسات المتقدمة، ابوظبي، 29 مايو 2017، من خلال الرابط

[8]  لمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذا المشروع يمكن الرجوع إلى رابط Karyne Levy ,Emergent debunks internet rumors in real time, October 14, 2014, 

[9] مركز صواب، في يوليو 2015، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية “مركز صواب“، وهو مبادرة تفاعلية للتراسل الإلكتروني، تهدف إلى دعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد التطرف والإرهاب، للمزيد: رابط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *