نحو فهم مشترك… ثقافة السلام

نحو فهم مشترك… ثقافة السلام

ثقافة السلام هي مجموعة من القيم، ونمط حياة، وأخلاقيات وآداب، يتم تطويرها كوسيلة لمنع الصراع أو العنف وأيضا لإشراك الناس في العيش السلمي والأخلاقي، لخلق ثقافة سلام في العالم، يجب إشراك الشباب والنساء، وأن يكونوا في طليعة العملية، ومن المهم أيضا توفير الفرص للأفراد والمجتمعات ليتمكنوا من مشاركة الخبرات والأفكار.[1]مبادئ ثقافة السلام عالميا التي أقرتها الجمعية العامة للأُمم المُتحدة ودعت أولاً إلى “التحول من ثقافة الحرب والعنف إلى ثقافة للسلام ونبذ العنف”.، وأن ثقافة السلام عالميا تتضمن قيماً ومواقف وسلوكا تعكس وتدفع إلى التفاعل الاجتماعي والمشاركة التي تقوم على أساس مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والتضامن وكافة حقوق الإنسان التي ترفض العنف وتسعى إلى منع الصراعات عن طريق مُعالجة أسباب الجذرية لحل المشكلات من خلال الحوار والتفاوض والتي تكفل المُمارسة الكاملة لجميع الحقوق وسُبل المشاركة الكاملة في عملية التنمية المُستدامة.

وتهدف مشاريع السلام عالميا إلى عدم العنف ضد الأطفال وتمكين المرأة ونشؤ ثقافة التسامح في مناهج التعليم، على أساس أن السلام في مفهومه العريض لا يعني غياب الصراعات فحسب وإنما يتطلب عملية تأصّيل مجموعة من القيم والمواقف والتقاليد وأساليب الحياة التي تستند إلى الاحترام الكامل لمبادئ السّيادة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية والاعتماد على الحوار والتعاون بين الأُمم والثقافات المُختلفة. كما أن ثقافة السلام يجب أن تعتمد على مبادئ أساسية تتعلق بضرورة نشر التعليم والمساواة بين المرأة والرجل والمشاركة الديمقراطية والتنمية المُستدامة وحقوق الإنسان والتفاهم والتضامن وحرية تدفق المعلومات والمعرفة والأمن والسلام في جميع مناطق العالم.[2]

إذا كانت كل مناطق العالم في حاجة للسلام فإن المنطقة العربية على وجه الخصوص بما يحتدم فيها من صراعات دامية تستنفذ طاقة أبنائها وتعوق تنمية إمكاناهم البشرية والمادية لصياغة مُستقبل زاهر أشد حاجة لتحقيق الشروط الملائمة لانتصار ثقافة السلام هذا المفهوم الشامل، الذي يرتكز على الحق والعدل والحوار ورفض استخدام القوة في فرض الأمر الواقع وإكراه الشعوب ضد خياراتها التاريخية، مما لا يمكن أن يحقق البيئة المُلائمة لنشر هذه الثقافة السلمية.  وصدر قرارات عدة لمجلس الأمن تعنى بنشر ثقافة السلام أهمهم قرار رقم 1325 المعني في المرأة والأمن والسلام، وقرار رقم 2250 حول الشباب والسلام والأمن[3]، الذي يعترف للمرة الأولى بـ “الدور المهم الذي يمكن أن يضطلع به الشباب في منع نشوب النزاعات وحلّها، وباعتباره من الجوانب الرئيسية في استدامة جهود حفظ السلام وبناء السلام وشموليتها ونجاحها”. وحدد قرار مجلس الأمن رقم 2250 إطارا يرتكز على خمسة أركان، وهي: وقاية الشباب وإقامة الشراكات معهم وإشراكهم وحمايتهم وتسريحهم وإعادة إدماجهم، وسلط الضوء على الدور الذي يقوم به الشبان والشابات في تعزيز السلام والأمن الدوليين؛ وبالإضافة إلى ذلك، صدر قرار مجلس الأمن رقم 2250 بتكليف أول دراسة مستقلة عن مساهمة الشباب الإيجابية في عمليات السلام وتسوية النزاعات، بعنوان “السلام المفقود: دراسة مرحلية مستقلة حول الشباب والسلام والأمن.[4]“. 

من أجل نشر ثقافة السلام كي تصبح ثقافة مجتمعية لابد من الاخذ بنظر الإعتبار المعايير والأسس التي تجعل منها جزءا مهما من المعرفة التي يمتلكها الافراد قبل القادة بغية نشر ثقافة السلام وجعلها ثقافة مجتمعية اذ لابد من العمل بما يساعد ان تصبح هذه الثقافة جزء من الموروث الحياتي اليومي يستند اليها الافراد في تعاملهم اليومي لكي تتدرج نحو الفكر الحياتي والنتاج المعرفي ثم صعودا الى زيادة هذه المعرفة للعاملين هذا المجال من اجل العمل على ضوئها. هذه الخطوات تتطلب جهود كبيرة، ولن تنجح دون نشر ثقافة السلام بشكل رئيسي من خلال ثلاث اتجاهات وباستمرار على مدى عقود حتى يتحقق الهدف منها وهو جعلها ثقافة حياة يومية.

بدايةً لابد من العمل وفق الاتجاه الأساسي وهو العائلة، ومن ثم العمل على المؤسسات التربوية والتعليمية، ومن ثم الاعلام والمجتمع المدني، لكل واحدة من هذه الاتجاهات بعض الأسس، في اتجاه العائلة لابد ان يعتمدوا في كسب هذه الثقافة من خلال المعرفة المستمرة والحديثة بهذا المجال مما يتلقونه من ثقافة متراكمة تستند إلى قبول التعددية والتنوع والاختلاف والاستعداد للعمل من أجل تعلم وممارسة أسس السلام من العائلة[5]أما ومن خلال ما تبثه وسائل الاعلام فهي تتطلب قدرة ومهارات معرفية كبيرة للعاملين في وسائل الإعلام بخصوص أسس بناء السلام ونشر وترسيخ ثقافة السلام عبر برامج ومواد إعلامية مختلفة ومنوعة وهادفة في نفس الوقت خاصة اعداد مواد اعلامية كالمقابلات والحوارات الخاصة عن آليات نشر ثقافة السلام ومقالات معرفية عن سبل نشرها وأهميتها للمجتمعات.

أما فيما يتعلق بالمجتمع المدني أو ما ينفذه من برامج وفعاليات في عدة اتجاهات فهي ترتبط اولا بالأسس التي ستند عليها المجتمع المدني لإقامة تلك الفعاليات والهدف منها او الخطط والبرامج التي نشر ثقافة السلام وتنفيذ مشاريع وفعاليات ونشاطات بهذا الخصوص بشكل مستمر وعلى اتجاهات مختلفة، ليس فقط في المناطق التي فيها تعددية دينية او قومية او شهدت نزاعات، بل على مستويات عامة وشاملة. وبخصوص المؤسسات التربوية لابد ان ترافقها بحوث ودراسات ومواد معرفية تضخ بإستمرار في عقول الأجيال حتى يتم تغير الموروث الرفضي لقبول هذه الثقافة باعتبارها دخيلة كما يصفها البعض احيانا او بسبب قلة المعرفة حولها مع التأكيد على دور تأهيل المدرسين والمربين بهذا الشأن وزيادة مهاراتهم في مجال هذه الثقافة وإدخالهم دورات وفعاليات يتدربون على آليات نشر وترسيخ ثقافة السلام.

اتجاه المجتمع المدني وسائل الاعلام له علاقة بالاتجاهين السابقين و من خلال الاستناد الى المبادئ الدولية في نشر ثقافة السلام التي ذكرت أعلاه، والتسامح والمقررات واعلان التسامح والتعددية والتنوع الثقافي إلى جانب أفكار تشجع التنوع الثقافي والعمل وفق ما يطلبه لتصبح وسائل الاعلام القاموس المعرفي على مدار اليوم لهذه الثقافة التي لابد ان تكون هناك برامج واسعة ومتنوعة ومختلفة تستهدف جميع فئات المجتمع حتى نصل إلى الهدف المنشود وهو ترسيخ ثقافة السلام مجتمعيا حتى تصبح موروثا يوميا لا يستطيع أي أحد انتشالها من عقول الناس بخطب و تصريحات عاطفية. هذا الامر ليس من الصعوبة تحقيقه إذا ما وضعت الخطط وخصصت ميزانية وتم تأهيل قادة ومسؤولين للإدارة نشر ثقافة الحوار، ايضا لابد من الأخذ بنظر الاعتبار توظيف المعنيين وقادة المجتمع لكي يقوموا بمبادرات حول أهمية هذا الامر واعداد دراسات ميدانية عن حلقات الضعف والتحديات التي تواجه نشر هذه الافكار وايجاد الحلول لها وصولا إلى ان تصبح ثقافة السلام ثقافة مجتمعية وجزء من الموروث اليومي لحياة الافراد.

فرحان الحسبان

[1] من حياة العنف إلى ثقافة السلام، https://news.un.org/ar/story/2021/08/1081212 ، تاريخ أخر مشاهدة ٢٥/١٠/٢٠٢١.

[2] ثقافة السلام، عز الدين فندي، https://giodp.org/2020/07/11/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85/ ، تاريخ أخر مشاهدة ٢٦/١٠/٢٠٢١.

[3] قرار مجلس الأمن رقم 2250، https://undocs.org/ar/S/RES/2250(2015) ، تاريخ أخر مشاهدة ٢٤/١٠/٢٠٢١.

[4] السلام المفقود: دراسة مرحلية مستقلة حول الشباب والسلام والأمن، . https://www.youth4peace.info/system/files/2018-10/youth-web-arabic.pdf ، تاريخ اخر مشاهدة ٢٤/١٠/٢٠٢١.

[5] المنظمة العربية للسلام والتنمية (Arab Organization for Peace & Development،فيسبوك، تاريخ أخر مشاهدة ٢٣/١٠/٢٠٢١.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *