الحب معلم لا صبر له

الحب معلم لا صبر له

من الأسهل علينا تقبّل موت من نحب، على تقبّل فكرة فقدانه واكتشاف أنّ بإمكانه مواصلة الحياة بكل تفاصيلها دوننا. هم غرباء في النهاية لا يعنيهم أمرنا ولا يعنينا أن يصدّقوا جوابا لا يقل نفاقا عن سؤالهم. عند لقاءنا بهم صدفة بعد غياب، حديثنا معهم  يبدأ ب ” كيف أنت؟” وهي صيغة كاذبة لسؤال آخر، وعلينا أن لا نخطئ في إعرابها المبتدأ هنا، ليس الذي نتوقعه، إنه ضمير مستتر للتحدي تقديره “كيف أنت من دوني؟”.  كثيرا منا يفعل أخطاء تحت اسم الحب، الحب ليس مبرر للأفعال الخاطئة، يجب علينا ان نحكّم عقلنا ولا ندع عاطفتنا تتحكم بنا دون تفكير منطقي، الصواب صواب والخطأ خطأ. خلافات  البدايات معركة عاطفية صامتة تدار بأسلحة لغوية منتقاة بعناية فائقة، يحدث للّغة أن تكون أجمل منّا. بل نحن نتجمّل بالكلمات، نختارها كما نختار ثيابنا، حسب مزاجنا ونوايانا. فيما بعد، تصبح معركة خالية من الصمت مجرّدة من العاطفة يتخللها الغيرة والشك حينها نفترق دون وداع كما التقينا دون سلام، هكذا تحدث الأشياء دائما. قلما تأتي الأفراح التي ننتظرها، شيئا ف شيئا نقرر أن ليس هناك من حبيب يستحق الانتظار، ونعيش دون رزنامة مواعيد لنوفرعلى أنفسنا الكثير من الفرح المؤجل.

عجيبة هي الحياة بمنطقها المعاكس، نركض فيها خلف الأشياء فتهرب الأشياء مننا، وعندما نقنع أنفسنا أنها لا تستحق الركض، تأتينا الأشياء راكضة وعندها نجلس بحيرة هل نفتح لها ذراعينا أم ندير لها ظهرنا. نحن لا نعرف ان كانت ستعطينا الهلاك أم السعادة. عند انتهاءنا من علاقة عاطفية انتهت بالفشل والدمار النفسي، نقرر أن لا شيء مهم في هذه الحياة سوى أنفسنا، نسافر في هذه الحياة هربا من أشياء نعرفها، محاولة منا للبحث عن أنفسنا. عندما يعتريك الإحباط قد يجعلك  تتخلى عن مشاريعك المهمة التي قد تندم عليها لاحقا، الحب قد يوصلنا لأقصى درجات السعادة، أو يتركنا في منتصف الرغبة، لنواصل المشي في شارع الخوف. الحب معلم لا صبر له؛ يعلمك كل شيء دفعة واحدة، و يعلمك أن تكون أنت وآخر في آن واحد. ويجعلك ممثلا من الدرجة الأولى، نعود ونقيم في أجسادنا بعد كل لقاء لكن أجسادنا لم تعد تعرفنا لكثرة ما ألبسناها ثيابا لا تشبهها.

أصعب ما في الحب عندما نغلق دفاترنا ولا ننسى والأسوأ أنه يأتي في ساعة متأخرة من الذكرى. خوف أكثر وحماس أقل والندم سيد الموقف. بقلبٍ متعدد الانكسارات ننهض من ذاك الحلم الذي سمحنا له يوما بطرق قلبنا، علينا اختيار من يطرق قلبنا بعناية لأنه قرار مصيري من شأنه أن يحطمك أو يسعدك. يتمحور الحب بشكل عام حول الأخذ والعطاء، إذا كان المرء يستطيع منح ما يكفي من الرعاية والاهتمام والتعاطف لنفسه، على الأغلب يمكنه منح هذه المشاعر للآخرين. لا يمكننا أن نحب الآخرين ما لم نتمكّن من حب أنفسنا، إن حب الذات يعتبر أحد العوامل الرئيسية في تكوين شخصية مؤثّرة وذات قيمة، إلا أن هذا الحب والاعتزاز يتراجعان تحت ضغوط الحياة، ما يؤثر سلبا على الإنسان سواء نفسيا أو اجتماعيا، المرء قد يمر بمراحل يشعر فيها بالإحباط والحزن، ما يجعله يرفض ذاته ويقسو عليها، وتتطوّر الحالة تدريجيا حتى تصل إلى ازدراء الذات واحتقار النفس، وهنا يظهر التأثير السلبي لتلك الحالة في كره المجتمع أيضا، والفشل في العلاقات الاجتماعية.

قبل التوجه لحب الآخرين واحترامهم وحسن معاملتهم، يجب أولا أن يحب المرء ذاته ويحترمها ويحسن معاملتها. تطوير حب الذات هو مفتاح من مفاتيح الارتقاء بالذات وتحصيل السعادة وتحقيق النجاح. يتعيّن على الفرد تسليط الضوء على قدراته والتركيز على نجاحاته. ينبغي أن تأخذ التعثرات حصتها من الاهتمام، حتى تساعد على تطوير الذات والارتقاء بها وعدم تكرار نفس الأخطاء. كذلك لا يمكن أن ينفصل الشخص عن دائرته الاجتماعية ويتجاهلها، مع عدم التوقّف بسلبية عند أحكام عناصر هذه الدائرة الاجتماعية بشأنه، ولا ينبغي أن يدفع ذلك إلى الاعتقاد بأنه أعلى من الآخرين، في إطار علاقات متوازنة للتعامل مع المحيط الاجتماعي والارتقاء بقيمة الذات.  يجب على الشخص القيام بالأنشطة المختلفة التي يستمتع بها عندما يكون وحيداً؛ وذلك للوصول إلى حب الذات، بالإضافة إلى ضرورة الاستمتاع بأموره الخاصة، أن يمنح نفسه إذناً برفض طلب أو أمر ما وقول كلمة “لا”، أو أخذ وقت كافٍ للتفكير في قرار معين قبل قبوله.

تقبل عيوب نفسك وتقبل فكرة أن الإنسان غير كامل، واروي نفسك بالحب والتقدير، حب النفس دعامة حقيقية صادقة لبناء الذّات. يحل الحب على قلوبنا عنما نسمح ونقتنع بأننا التقينا وأعجبنا بالشخص المناسب، في بادئ الأمر يتخللنا القلق من الشخص المعني هل سيتركنا نعاني وننزف أم نشق طريقنا سويا. يوجد من يشتاقون إلى الشكر والتقدير والمجاملة. ليتنا نشبع هذه الحاجة عند الآخرين، ولا نبخل بتقديرنا للآخرين، لا نهمل الكلمة الطيبة الرقيقة وبالأخص لأولئك الذين يستحقونها.

من أهم ملامح قبول الآخر هو الوجه، الذى هو واجهتك. هو بطاقة التعارف التى تقدمها للآخرين، ومن خلال واجهتك هذه، تجذب الناس للتعامل معك، أو للنفور منك. الجميع يحبون الشخص الخفيف الظل، يشعرون بالمتعة في صحبته، وأنه سبب فرح لهم، يحبون التواجد معه بل يبحثون عنه. على عكس الشخص العابس. تعلّم أن تعبّر دائمًا عن فرحك بوجهك المبتسم الهادئ البشوش. وتأكد أنك إذا ابتسمت ابتسامة صادقة من القلب، ليس بها تصنع أو تكلف أو نفاق، فإن الناس سيشعرون بحبك لهم فيبادلونك ابتسامة بابتسامة، ومحبة بمحبة. اعلم أن الفرح والسعادة قرار يأخذه الإنسان بغض النظر عن الظروف: وهذا القرار الذى تأخذه هو فى البداية فكرة تنفعل بها، بحيث تصّر على أن تكون مبتسمًا سعيدًا. هذه الفكرة تنتقل إلى مشاعرك، ومن ثم تعبّر عنها بتصرف قد يكون التصرف: فكرة، مشاعر. ابتسم للحياة حتى تستطيع التغلب عليها، ماذا لو لم تستشعر حافزًا على الابتسام، ماذا تفعل؟ صمم على الابتسام، واظهر بمظهر الشخص السعيد. فستجد إحساسك ينتقل إلى سلوكك، حتى إن فقدت السعادة لسبب ما تصرف وكأنك سعيد، وابتهج، لأن السعادة قرار.

نوال مسعود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *