يصعب علينا تمييز حالات التحيز الإعلامي وذلك لأن الأمر يتطور كل يوم. من أجل أن تستطيع المؤسسة الإعلامية طمس توجهها وبثه بطرق غير مباشرة وذلك لتكسب ثقة المشاهد بها على أنها محايدة ظاهرياً بالرغم من أنها متحيزة وهذا ما يجعلها أكثر قوة لتستطيع كسب أحد أهدافها الأساسية وهو إما الربح الأكبر أو ثقة السلطة بها. من الطبيعي أن يكون تحيز المؤسسة الإعلامية مقترن إما بالربح المادي أو بالتأثير على العامة بالتوجه الذي تنتمي إليه المؤسسة، ولنعلم بأن التحيز لا يكون غالباً مرتبط فقط بهذه الأهداف، بل إن هنالك حالات من التحيز مبنية على طريقة نقل الحدث أو لإنحياز غير مقصود أو مقصود من قبل الإعلامي، أو حتى لسرعة نقل الخبر مما يجعله أقل دقة ووضوح. مع كل ذلك، من الواجب معرفة كيفية تمييزالتحيز الإعلامي تبعاً لأكثر الحالات شيوعاً وبأمثلة توضح ذلك لنكون قادرين على مواجهة هذا الزخم الكبير من الأخبار والمعلومات المشكك بصحتها والتي تجعل المسافة بيننا وبين الحقيقة بعيدة نسبياً.
إن معرفة حقيقة أن القناة متحيزة أو لا، مقترن بمعرفة أنواع التحيز وأنماطه الشائعة والتي توضح بأن القناة متحيزة لتوجه ما. لكن، هل الأمر مقترن بهذه الأنماط فقط؟ قبيل استعراض أنماط التحيز وأنواعه والتي سنربطها معاً لتشكيل معرفة ضمنية تجعلنا نشير إلى حالات التحيز أينما وقعت بكل سهولة. قبل ذلك علينا أن ننوه على أهم السلوكيات التي من الواجب ممارستها لتتشكل لدينا سلوكيات صحيحة في مشاهدة الإعلام تجعلنا نقترب أكثر من الحقيقة. من أهم هذه السلوكيات هو التأكد من الخبر العاجل بأنه قد نشر على ثلاثة مواقع أو قنوات معروفة لأن هذا الأمر يعد من الأعراف الإعلامية التي من خلالها تتبين حقيقة الخبر. أيضاً، علينا أن نشير إلى أهمية تنويع المشاهدة الإعلامية وهذا ما يجعلنا نرى الفروقات في وجهات النظر وهذا يعني أن مشاهدة ثلاثة قنوات؛ الأولى من المعروف أنها منحازة لتوجه معين والثانية منحازة لتوجه آخر والثالثة أقربهم إلى الحياد. هذا السلوك في المشاهدة سيخرجنا من الفقاعة التي تجعلنا محصورون برأي واحد أو بفكر واحد. تخيل لو أنك تشاهد قناة إخبارية واحدة طيلة الخمس سنوات الماضية؟ هل تعرف بأنه سيُعرف توجهك أو أي القنوات تشاهد بسهولة في أول محاولة تطرح بها رأيك؟
ذلك لأن الفقاعة التي انغمست فيها طيلة الخمس سنوات الماضية والمرتبطة بتوجه واحد فقط والتي تستقبل منها كل شيء يدور من حولك جعلتك تكون أطر تميز مصدرك في تلقي الأخبار. لسنا معنيين في هذا المقال بوضع مادة التربية الإعلامية بقدر ما نحن معنيين بالتعرف على أنماط التحيز الإعلامي وربطها بسلوك يجعلنا نميز بها الأحداث التي تم التحيز بها لنكون على علم بأنها ليست حقيقة مطلقة ولنستطيع من خلال ذلك بناء رأي مناصر أو معارض قائم على معرفة حقيقية كي لا نقع في شباك التحيز الإعلامي ومحاولات الوسائل الإعلامية الدائمة بتوجيهنا لا إرادياً. لذلك، من الضروري بأن نستعرض أنماط التحيز الإعلامي كما ذكرنا ومن الجدير بالذكر بأننا سنستعرض أهم الأنماط وأكثرها شيوعاً وهي:
- الإنحياز غير البنيوية ومنها: أولا: الإنحياز بالمحاباة: هنا يكون الصحفي يعمل لطرف على حساب طرف آخر وقد يكون تبعاً لاقتناعه بتوجه الطرف أو تبعاً لمصلحة قائمة بينهم. هذا النوع من الإنحياز لا نستطيع معرفته دائماً أو بوضوح لأنه أمر غير معلن وباطني لن يظهر إلا بظهور سلوك واضح أكد حقيقة بأن الصحفي منحاز لجهة معينة. وسيكون أغلب ما ينقله الصحفي هو عبارة عن أخبار أو معلومات تم صياغتها بطريقة تدعم توجهه أو تدعم مصلحته. في الحقيقة، الأمر الوحيد الذي نستطيع أن نشكل إطار نحكم فيه من خلاله على توجه الصحفي هو متابعته إما على صفحاته الشخصية أو مزاولته على أرض الواقع من أجل أن نتسطيع أن ننسج حوار معه ومن ذلك يُعرف التوجه. أيضاً، قد يكون توجه القناة طاغي على جميع العاملين فيها فهي بالطبع لن توظف إعلاميين لا يخدموا توجهها. ثانيا: الإنحياز بالحذف الإختياري: هنا يتم حذف جزء أو كل الخبر أو المعلومة المنقولة بهدف إظهار الطرف المنحاز له بصورة أقوى، وهذا النوع نستطيع معرفته من خلال اتباع سلوك المشاهدة الإعلامي الذي ذكرناه في بداية المقال وهو مشاهدة أكثر من قناة مختلفة في توجهاتها وأيضاً محاولة مشاهدة قناة يعرف عنها بالحياد وهنا نستطيع أن نعرف كيف تم اجتزاء الأخبار التي لا تخدم توجه القناة المتحيزة ونستطيع حقاً معرفة الحقيقة بشكل أكبر دون إبهام متعمد من قبل القنوات المتحيزة.
- الإنحياز البنيوية: إن هذا النمط دارج لدى غالبية المؤسسات الإعلامية حيث أنه يجعل من الأخبار السيئة كالكوارث والحروب أخبار ذات تفاعل أفضل من الأخبار الجيدة التي يتم وصفها تحت هذا النمط بالأخبار المملة. نستطيع اكتشاف هذا النمط في قناة معينة من خلال التركيز على معظم الأخبار المنقولة من قبلها مسبقأ عبر القنوات الأخرى مما سيوضح بأن القناة تستخدم هذا النمط بهدف أساسي وهو زيادة نسب المشاهدات للقناة مما يجعلنا نعرف بأن هنالك تحيز.
- مساحات وكالة الأنباء: دائماً ما تنحاز وكالات الأنباء لإظهار مساحة أكبر لقصة أساسية تخدم توجهها على حساب قصة تصنف بالنسبة لها بالثانوية فتلقى مساحة أصغر. من أشكال تحيز الوكالات هو وصف ما تراه أساسياً بالنسبة لها بال “عاجل” وهذا ما يجعلها منحازه. تمييز هذا النمط مقترن بمعرفة مسبقة عن توجه القناة مما يعني أنه قد يكون الخبر العاجل بالنسبة للقناة غير عاجل في قناة أخرى لا تنحاز لنفس التوجه. هذا التركيز على سرد القصة بصورة تثير اهتمام المشاهد على حساب أخبار أو قصص أخرى حدثت يعد تحيز هدفه التركيز على خدمة توجه القناة، وهذا ما نشاهده كثيراً عبر وسائل الإعلام العربية حيث أنه قد لا يتم تسليط الضوء على مجاعة اليمن مثلاً بالرغم من أنها مهمة على حساب تسليط الضوء على أهمية وجود القوات في اليمن وكيف ساعدت اليمن كما تدعي هذه القنوات. هذا النمط غير عادل لأن تسليط الضوء على قصة واقعة كمجاعة اليمن من قبل وسائل الإعلام سيساهم بمساعدة الشعب اليمني وتوضيح حجم معاناتهم مما يستدعي التحرك لمساعدتهم.
- التلفزيون: هذا النمط وهو من أهم أنماط التحيز الإعلامي تندرج تحته جميع الأنماط التي تم ذكرها بل وإضافة لذلك وبحكم خصوصيته تضاف له أنماط فرعية أخرى. ينحاز هذا النمط بمدة العرض للقصة وبترتيب أولولية الأخبار، أو بلغة جسد الإعلامي أو حتى بزاوية الكاميرا. اكتشاف وجود هذا النمط يكون من خلال معرفة بأن البرامج التي تعرض على التلفزيون من الضروري أن يكون لها عنصر التشويق والإثارة وهذا ما يجعل طريقة العرض متحيزة. أيضاً، هنالك برامج تعرض وجهات نظر مختلفة حيث يكون عرض الحوار مقترن بتسليط الضوء على وجهة النظر التي تخدم توجه التلفزيون أو من الممكن أن يكون من الغير مقبول لدى التلفزيون عرض وجهات نظر مختلفة وهذا ما يعني أنه منحاز للجهة الناطق لأجلها وأهمية اكتشاف هذا النمط تكمن في معرفة الجهة الداعمة للتلفزيون ومعرفة هل هو تلفزيون ناطق باسم الحكومة مثلاً أو باسم جهة معينة.
لقد استعرضنا أنماط التحيز الإعلامي وطرق معرفتها وكيف يجب أن يكون لدينا السلوك الإعلامي الذي لا يجعلنا ضحايا التحيز الإعلامي. هذا النوع من السلوكيات يوسع مدارك المعرفة لدينا ويجعلنا أكثر اطلاعاً على حقيقة ما يحدث من حولنا. كما ويساهم في بناء عقلية ناقدة لدينا تجعلنا نتحرى الدقة والصواب دائماً لنكون قادرين على بناء وجهات نظر أو اتخاذ مواقف صحيحة ومنطقية مما سيجعلنا اكثر وضوحاً مع أنفسنا والمجتمع. لا شك بأن هذا السلوك وانتشاره يُحارب من قبل الوسائل الإعلامية لأنه سيجعلهم مكشوفين أمام المشاهد غير قادرين على التلاعب بصيغ الأخبار وسرد القصص ولن يستطيعوا إبهام الحقيقة أو تأطيرها لتخدم أهدافهم, وهذا ما يجعلنا نسأل أنفسنا سؤال مشروع حول غايات الوسائل الإعلامية وهو هل غاية الإعلام حقاً هي الإعلام؟
عبدالله المساعيد