نحو فهم للتحيز الإعلامي

نحو فهم للتحيز الإعلامي

يرتبط العمل الإعلامي بمجموعة من المعايير والقيم الأخلاقية، بما في ذلك الحقيقة والدقة والإنصاف والنزاهة والمساءلة. مع ذلك، فإن بعض الصحافة اليوم أحياناً ما تنحرف عن الحقيقة الموضوعية عن قصد أو دون قصد، والنتيجة هي أخبار متحيزة، والتحيز ليس بالضرورة شيئًا سيئًا، ولكن التحيز الإعلامي الخفي يضللنا ويقيمنا ويقسمنا[1]، التحيز الإعلامي من المفاهيم الإعلامية والتي تتعارض مع مفهوم الموضوعية، التي يقصد بها التزام الصحافة بكافة أشكالها بمجموعة من القواعد منها الصدق، الحيادية[2].

تاريخيا بدأ التحيز الإعلامي منذ اختراع المطبعة، كان كتيب جون ميلتون أريوباغيتيكا، خطاب لحرية الطباعة غير المرخصة الذي نشر في عام 1644 أحد أوائل المنشورات التي تدعو إلى حرية الصحافة. من ثم بدأ الصحفيون في القرن التاسع عشر بإدراك مفهوم الخبر غير المتحيز كجزء لا يتجزأ من أخلاقيات الصحافة، تزامنَ ذلك مع ظهور الصحافة كقوة اجتماعية قوية. بالرغم من ذلك وحتى يومنا هذا لا يمكن أن يتجنب الصحفيون الأكثر موضوعية اتهامات التحيز مثل الصحف، تم استخدام وسائل الإعلام الإذاعية الإذاعة والتلفزيون، على الرغم من أن عملية تحرير وسائل الإعلام قد وضعت غالبية وسائل الإعلام الغربية في أيدي القطاع الخاص إلا أنه لا يزال هناك وجود قوي للحكومة أو حتى نوع من الاحتكار في وسائل الإعلام الإذاعية في العديد من البلدان. في الوقت نفسه، أدى تركيز ملكية وسائل الإعلام في أيدي القطاع الخاص وغالباً بين عدد صغير نسبياً من الأفراد إلى اتهامات بالانحياز الإعلامي.[3]

للتحيز الإعلامي أنواع عدة، منها الخروج عن الحقائق الموضوعية، وهو نوع من تحيز وسائل الإعلام. عندما يضع الصحفيون قصة معينة فإنهم يخرجون عن الحقائق الموضوعية القابلة للقياس. بالتالي إن الخروج عن الحقائق الموضوعية هو شكل من أشكال التحيز في وسائل الإعلام التي تغيم رؤية القارئ وتمنعهم من الحصول على ما حدث بدقة[4] . أما النوع الثاني هو الأخبار غير المدعومة بالأدلة، والتي تتنافى مع معايير العمل الإعلامي. أحيانًا ما يزعم الصحفيون في تقاريرهم دون تضمين أدلة تدعمهم، ويمكن أن يحدث هذا في العنوان الرئيسي لمقال أو ضمن الموضوع، وتعد البيانات التي تبدو حقيقية، ولكنها لا تتضمن أدلة محددة بمثابة مؤشر رئيسي على هذا النوع من التحيز. وفي بعض الأحيان، تنشر مواقع الويب أو وسائل الإعلام قصصًا مكونة بالكامل يشار إلى هذا غالبًا كنوع من الأخبار المزيفة.

أما النوع الثالث عبارة عن تقديم آراء شخصية كحقيقة، أو ما تسمى بالشخصنة. العبارة الشخصية هي عبارة عن آراء أو افتراضات أو معتقدات أو أذواق أو تفضيلات أو تفسيرات شخصية، وإنها تعكس كيف يرى الكاتب الواقع ما يفترض أنه الحقيقة. حيث إنه بيان ملون بمنظورهم أو عدسة معينة ولا يمكن التحقق منه باستخدام حقائق وأرقام ملموسة في المقالة. النوع الرابع هو إثارة القارئ، والإثارة هي نوع من التحيز في الوسائط حيث يتم تقديم المعلومات بطريقة تثير الصدمة أو تحدث انطباعًا عميقًا. وغالبًا ما يعطي القراء إحساسًا خاطئًا بالحقيقة، و بالكاد تكون اللغة مثيرة، ولكنها غامضة. وكثيرا ما ينطوي ذلك على تشويه الواقع لتضليل أو إثارة رد فعل قوي في القارئ. في السنوات الأخيرة تم انتقاد بعض وسائل الإعلام بسبب المبالغة في استخدام مصطلح الأخبار العاجلة أو الأنباء الهامة والذي كان تاريخيا مخصصًا لقصص ذات تأثير عميق أو أهمية واسعة النطاق، ومع هذا النوع من التحيز في وسائل الإعلام غالبًا ما يزيد نسبة القراء[5].

بناءً على أنواع التحيز الإعلامي، يظهر لنا الكثير من الأمثلة، وخصوصا فيما يتعلق بالجماعات المستضعفة في 6 أيلول/سبتمبر من عام 2015، أوضحت وسيلة الإعلام المحلية Nord Littoral بأن الإطفاءين تدخلوا لإخماد حريق في غابة بإحدى غابات كاليه، حيث أقام فيها بعض اللاجئين الخيام في منطقة كاليه بعد أن وزعت بعض الجمعيات عليهم الملابس، وفي اليوم التالي، نشر موقع Fdesouche  خبر الحادثة والصورة بعنوان “الجمعيات تعطي اللاجئين المهاجرين الملابس وهم يحرقونها”، وهذا استنتاج متسرع من أجل إثارة المتلقي والذي يعد إحدى أنوع التحيز الإعلامي. أيضاً، موقع Riposte Laique تحدث عن أن اللاجئين يرفضون الأطعمة غير الحلال، واستندوا إلى فيديو صور عند الحدود بين مقدونيا واليونان، وتوضح المقالة أن المهاجرين رفضوا الطعام لأن الطرود الغذائية تحمل رمز الصليب الأحمر وهم يرون في ذلك صليبا مسيحيا. لكن، إذا كان الفيديو صحيحا، فإن هذه المعلومات كاذبة، وإن التعميم وعدم كفاية الأدلة يعد إحدى أنواع التحيز الإعلامي.

هناك عدد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تثير القارئ من العنوان، حيث جاء بإحدى الصحف الإلكترونية في مارس/اذار ٢٠١٣ “الفنانة مي كساب تتطلق بعد شهرين من الزواج”، وبالفعل كانت متزوجة حديثا وقتها، لكنها لم تتطلق انما ستمثل مسلسل يناقش قصية المطلقات، هنا تم استخدام معلومات بطريقة منافية للعمل الإعلامي ويعتبر هذا النوع إحدى أنواع التحيز الإعلامي. لم أجد أي مبرر للتحيز الإعلامي إلا بما يتعلق بحفظ الأمن وبحدود ضيقة لا يجوز الخروج عنها. أما سيئاتها فهي كثيرة، منها التحريض على العنف، وتشويه الحقائق، والعبث بثقة المتلقيين، والتحريض على الكراهية ونشر وترويج أفكار سلبية والعنصرية وقد يصل ذلك إلى أفعال مؤذية كالقتل والعنف والتحرش والإيذاء، عدا أنه يؤثر مباشرة على أذهان وأفكار الناس.

سأفسر أهم السيئات للتحيز الإعلامي، أولهم السلبية، والتي تبدأ بالسلبية الفردية والتي تتحول إلى سلبية جماعية. والتي تجعل أمر قيادة العقول أسهل بكثير من قيادة جماعات إيجابية، وتوجيه الثقافة، حيث من الممكن فرض نوع معين من الثقافة من خلال المطاردة المستمرة من وسائل الإعلام للمشاهد أو المتابع. بل واستدراج العقول نحو ثقافات معينة واهتمامات محددة مسبقا تخدم بالطبع الهدف النهائي للتضليل الإعلامي. قد يصل الأمر إلى تغيير الثقافة فإذا تم توجيه الثقافة سَهُلَ تغيير الثقافة بكاملها، وذلك من خلال تغيير الإهتمامات ومطاردة الجماهير بثقافات محددة لا يجدون مفرًا من معرفتها. تغيير الثقافة لا يعني التغيير بأي نوع من الثقافة وإنما استبدال الثقافة بثقافة أخرى تخدم أهداف التحيز الإعلامي. قد يصل الأمر إلى تغيير واختطاف المفاهيم الدينية واستبدالها بمفاهيم خاطئة تتعارض مع الأحكام الدينية، وتعتيم الحقائق، حيث أن التحييز الإعلامي يختار ما يناسبه من الحقائق، وما يدعم وجوده ويتوافق مع تحقيق أهدافه، ومن ثم يقوم بعرضها وبتلميعها لزيادة بريقها[6].

في النهاية، أؤكد أننا قادرين على التصدي للتحيز الإعلامي من خلال التفكر ودعوة الناس إلى التفكر وعدم قراءة العناوين دون الدخول إلى المحتوى ومحاولة القراءة من أكثر من مصدر.

 

فرحان الحسبان 

 

[1] – نظرية التحيز الإعلامي، الاء العلي، موقع المرسال، الموقع الالكتروني: https://www.almrsal.com/author/222، تاريخ أخر مشاهدة: ٠٥/٠٧/٢٠٢١.

[2] – التحيز الإعلامي، لبنى مهدي، موقع عربي، الموقع الإلكتروني: https://e3arabi.com/?p=259095، تاريخ أخر مشاهدة: ٠٥/٠٧/٢٠٢١.

[3] –  John Milton, Areopagitica And Other Prose Works, Kessinger, 2004, (ردمك1-4179-1211-1), (ردمك 978-1-4179-1211-7)

منشور على الموقع الالكتروني: https://ar.esc.wiki/wiki/Media_bias  ، تاريخ أخر مشاهدة: ٠٥/٠٧/٢٠٢١

[4] – نظرية التحيز الإعلامي، الاء العلي، مرجع سابق.

[5] نظرية التحيز الإعلامي، الاء العلي، مرجع سابق.

[6] هربرت شيلر (1999)، المتلاعبون بالعقول (الطبعة الثانية)، الكويت: عالم المعرفة، صفحة 39-46. منشور على الموقع الالكتروني: .: https://sotor.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D9%84%D9%8A%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A#cite_note-KGMKIr9zLE-7

تاريخ أخر مشاهدة: ٠٧/٠٧/٢٠٢١.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *