التحيز الإعلامي من زاوية علم النفس

التحيز الإعلامي من زاوية علم النفس

نظرا للتطور الأخير الذي طرأ على وسائل الإعلام واتساع مجالاتها واختلاف المنصات التي أصبح الأن الجميع يتناقلون الأخبار والمعلومات وربما بطريقة غير مراقبة أو عقلانية، والإعتماد الكامل على الميديا والصور. ظهرت الحاجة لعلم حديث يعرف بعلم النفس الإعلامي وذلك لتحقيق التواصل الفعال بين المتلقي للخدمة الإعلامية والمقدم لها لإيصال الرسالة الإعلامية بالشكل الصحيح. والعمل على تصحيح الخلل الذي قد يحدث في بعض الرسائل الإعلامية التي من الممكن أن يحدث مشكلات لدى الإعلاميين والمتلقين. التعتيم على مصدر الخبر مثلا  ودرجة الوثوق منه أصبحت واضحة في المشهد. لكن، على الرغم من وجود علم قائم على نقل المعلومات بشكل صحيح إلا أنه لا يزال الأفراد والمؤسسات الإعلامية ينحازون لجماعتهم وتوجهاتهم والأشخاص الذين لديهم نقاط مشتركة بينهم. ذلك عند الحديث عن المواقف أو عند نقل الصورة التي حدثت بالفعل، فلا يتم نقل الخبر كما هو بل بإضافة بعض “البهارات” عليه، أو عدم نقل الصورة الكاملة له. وتبني وجهات نظر والدفاع عنها بشراسة بهدف خدمة طرف ضد آخر، وزرع الشك في النفس في مختلف القضايا، مما يؤدي الى مضار على الواقع الاجتماعي. إذ إن الإعلام لم يعد فقط أحد معايير القوة بل أصبح القوة الأكبر والأكثر تأثيرا.

إن التحيز جزء لا يتجزأ من الطبيعة الانسانية، التحيز ينجم عن نشاط دماغي دفاعي بشكل لا واعي أحيانا، ويتم لحماية الفرد في اتخاذ القرارات وتبني توجهات معينة. ربما يشعر الفرد ناحيتها بالأمان سواء على صعيد مادي أو شعوري تجاه الأشخاص أو القضايا. التحيز يعني إصدار الأحكام بشكل غير دقيق وغير عادل يتعين على أدمغتنا معالجة الكثير من المعلومات في وقت قصير لذلك يتطلب الأمر أحيانا طرق مختصرة لاتخاذ قرار. يعرف التحيز الإعلامي بأنه عدم الحيادية في نقل الأخبار ونشر المحتويات الإعلامية بطرق مزيفة تفتقر إلى الأدلة مثل الصورة والفيديو. هناك عوامل تؤثر على تحيزنا بشكل غير واعي مثل خلفيتنا نشأتنا، والخبرة الشخصية، والقوالب النمطية الاجتماعية، والسياق الثقافي.

يمكننا القول أن التحيز الإعلامي نشأ منذ نشأة وسائل الإعلام؛ بالبداية كالصحف والتلفاز والراديو وما تبعها بعد ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفيس بوك وانستقرام وغيرها والتي أصبحت فضاء واسع لنشر ووصول الأخبار بطريقة فائقة السرعة. إذ كان محصورا على فئة محددة من الناس عند اختراع الطباعة بسبب التكلفة العالية للطباعة والنشر في ذلك الوقت وكانت تستخدم لتخدم المجموعات القوية حينها. ثم نشر خطاب لحرية الطباعة غير المرخصة في عام 1644، وكان أحد أوائل المنشورات التي تدعو إلى حرية الصحافة، وعندها بدأ الصحفيون بإدراك مفهوم الإبلاغ والنشر غير المتحيز أنه جزء لا يتجزأ من أخلاقيات الصحافة.

أمثلة على التحيز الاعلامي:

تقول المعلقة الصحفية الأمريكية جورجي آن جاير في تقديم لكتاب “رؤية مزدوجة”: أن العالم العربي تم تكوينه ولو – بطريقة غير شعورية  – في أذهان الشعب الامريكي حتى في الصحافة الأمريكية أنه عالم منبوذ، وأن العرب شعب فاسد ومتخلف أهمله التاريخ كما أنه مقيت في عاداته القديمة والمقيتة. يعزى ذلك إلى الإلتزام العاطفي المهيمن بإسرائيل، وتصاعد دور الاعلام الأمريكي في تشويه صورة العربي في أواسط القرن العشرين بعد الحرب العربية – الإسرائيلية 1948 م، منذ ذلك الوقت أصبح عددا لا يحصى من الأمثلة على التحيز ضد العرب لصالح إسرائيل.

من أبرز مظاهر التحيز الاعلامي تغطية الإعلام الغربي لإسرائيل وذلك استندا لموقع الجزيرة للإعلام،  أن في قضية الشيخ جراح التي هي من عشرات العقود  تم تغطيتها قبل مدة قصيرة من الزمن وبصياغة مضللة واضحة. صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرا على سبيل المثال أن الصراع بين سلطات الاحتلال الاسرائيلي والفلسطينيين هو أزمة بين ملاك ومستأجرين وليست عملية تطهير عرقي ممنهج للأحياء الفلسطينية في القدس. بالإضافة للإعلام الأمريكي و الحرب النفسية على العراق، يذكر الصحفي الأمريكي سيمور هيرش  “إن هذه الحرب حطمت أكثر من أي حرب أخرى كل الأرقام القياسية في الأكاذيب واللصوصية الأدبية والتزوير والتضليل. إن فبركة الوثائق المزورة وتوجيه الاتهامات المزيفة شكلت إحدى القواعد السياسية الأمريكية والبريطانية بخصوص العراق على الأقل منذ 1997 م”. لم يكتف الإعلام الأمريكي بالتحريف والتحوير لصالحه بل اختلق أحداثاً لم توجد من الأصل كزعم أن العراق أعدم جنديين بريطانيين، وامتلاكه أسلحة دمار شامل.

 

الآثار السلبية للتحيز الاعلامي:

يمكننا وصف الإعلام أنه السلطة الرابعة في المجتمع، إن لم تكن أعلى مقاما من ذلك، إن هناك ملايين الرسائل والاشارات والصور والمقالات والفيديوهات التي نراها يوميا ولا ندري إذا كانت الصورة بين الخيال والواقع لا تطبق الان فقط بل تدمر أيضا بحيث أصبحنا لا نعرف ما الواقع وما الخيال في عالم الصورة المحكية والمحاكاة الزائفة. نقل الصورة والمعلومات  بين مرسل ومستقبل وهي رسالة ذات مضمون سطحي الاستهلاك أو مضمون عميق له شفرة وألغاز يجب حلها أو مضمون يستقر في العقل الباطن للمتلقي دون أن يشعر ، و التلقي بواسطة العين التي تشاهد التجسيم لفكرة أو حدث أكثر تأثيرا في الوعي والادراك. مما لا شك فيه أن بث أخبار مضللة مثل أخبار القتل والتفجيرات، لها آثار نفسية خطيرة على الشباب حيث إنها تثير مشاعر القلق وانعدام الأمن والإحساس بالعيش في عالم مليء بالخطر والتهديدات. بالإضافة إلى أنه يوقعنا في الاخطاء الشائعة استباق الأحداث والنتائج وإطلاق الأحكام المسبقة، وتبرئة شخص واتهام آخرين، ويؤدي إلى التنميط وإطلاق الأوصاف جزافا، والتحيز يؤدي إلى نشر ما يفتقر للمصداقية.

 

الآثار الايجابية للتحيز الاعلامي:

من وجهة نظري الخاصة أنه لا يوجد هناك آثار إيجابية للتحيز والتضليل والكذب بشكل عام وبالإعلام بشكل خاص. إلا أنه يمكنني النظر من زاوية الأشخاص التي تحاول التضليل والتحيز والتكتم، وأجد أنه هناك مزايا على صعيدهم الشخصي وربما مصالح ومنافع من ذلك. مثل إثارة القارئ والمشاهد للحصول على الكثير من المشاهدات والشهرة على حساب الأخبار الكاذبة والمزيفة. أيضا، الحصول على التعاطف والوقوف بجانب الصورة التي تحمل أكثر عاطفة وإثارة للمشاعر. ربما أيضا تزييف الحقائق وتلميع صورة بعض المؤسسات والبلدان والأشخاص التي لها تاريخ حافل بالإجرام أو التلاعب والمراوغة. واعتقد أنه من ضمن المكاسب عدم الإنقلاب من قبل المواطنين على السلطات والسياسات المتبعة من قبل الحكومات، والحماية والأمن وعدم إثارة الذعر في نفوس المواطنين عند حدوث تقصير بالمسؤوليات من قبل جهات معينة في الدولة مثلا أو هجوم مفاجئ أو تهديد للأمن من قبل جماعات أو دول أخرى مثلا.

ومن زاوية أخرى عند وجود قضية ما لا أحد يستمع لها من السلطات الكبرى يلجأ بعض الناس أو فئة معينة لمواقع التواصل الاجتماعي لإثارة الرأي العام والحصول على كسب تأييد من المجتمع وعمل حملات إعلانية وإلكترونية للتأثير في السلطات. وتكون هذه الأفراد متحيزة نوعا ما للفئات المستضعفة أو التي تحمل قضية، للحصول على المطالب والحقوق التي تريدها من الجهات التي تحمل قوة أكبر منها. عند تحيز كل فئة لجماعتها يمكن للمتلقي – وربما لا يكون متاح دائما – النظر إلى جميع وجهات النظر التي يعبر عنها المتحيزون وتكوين تصور شامل عن الآراء والقضايا المطروحة.

نظمية سعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *