شكرا جزيلا… كثيرا

شكرا جزيلا… كثيرا

نغفل في معظم الأحيان عن الأمور التي نعيش معها يومياً دون الإدراك تماماً بأهميتها وقيمتها في حياتنا. أقصد هنا بالنّعم الموجودة لدينا التي نحسبها بديهية ومسلم بها؛ لأننا مع مشاغل الحياة وظروفها لا نعي تماما بها ونلتفت لها. الصّحة مثلاً إنها النعمة العظيمة والمهمة في حياتنا لكن لا ندرك بأهمية وجودها أحياناً إلا بعدما يصيبنا مرضاً ما مثل ونصبح حينها طريحين الفراش لعدة أيام. من أكثر الكتب المثيرة للإهتمام في هذا المحور هو كتاب السحر للكاتبة والمنتجة روندا بايرن، ألفت كتاب بعنوان “السر”، الكتاب  الأكثر مبيعا والذي أخذ انتشاراً واسعاً في أنحاء العالم. تطرح روندا في هذا الكتاب وصفة للامتنان، باستطاعة أي شخص كان بكل سهولة تطبيقها فقط يتطلب الأمر الإستمرارية والالتزام الجادّ بالتمارين ليحقق النتائج المطلوبة، التي هو بنفسه يختار ما يريد أن يحققه من أحلام وطموحات. يوجد في هذا الكتاب ثمانية وعشرون تمريناً لجلب سحر الامتنان وممارسته لمدة ثماني وعشرون يوماً فقط. الإثنا عشر تمريناً الأولى تستخدم القوة السحرية للإمتنان لما لديك بالفعل وما تلقّيته في الماضي، ثم تمارين العشرة التالية ستستخدم القوة السحرية للإمتنان لأحلامك ورغباتك وكل ما تريده. من خلال هذه الممارسات ستكون قادر على أن تكون على الأقل قريب من جعل أحلامك إلى حقيقة. ممارسة السّت تمارين الأخيرة، سوف تتعلم كيف يمكن استخدام الإمتنان لمساعدة الأشخاص الآخرين والقضاء على المشكلات وتحسين المواقف أو الظروف السّلبية التي يمكن مواجهتها في أي وقت في حياتك. هذا الكتاب قادر أن يجعلك أن تؤمن بالقوّة الكامنة في الشّكر والامتنان، هو مفهوم أوسع، وشامل أكثر مما تعتقده أنت. ثماني وعشرون يوماً كفيلة ببرمجة عقلك وقلبك لرؤية الكمّ الهائل من الإيجابيات والنّعم الموجودة في حياتك. هناك قاعدة ذهبية ومذهلة ذكرت في هذا الكتاب وهي: “إنما الغنى في الامتنان، والفقر في الشكوى”. هذه القاعدة التي تحكم حياتك كلها، فلك أنت الخيار بما ستقضي حياتك، من امتنان أم شكوى.

ظهر في هذا الكتاب نوع من أنواع الإمتنان وهو الغمتنان غير المشروط، ذلك الإمتنان للأشخاص والتجارب التي كانت قاسية وموجعة لك، لأنه بفضل هذه التجارب وهؤلاء الأشخاص الذي قد سببوا أذى لنا قد علّمونا بالنّهاية درساً في الحياة وخضت تجربة ربما قد تكون قاسية جداً لكنها ساعدتك على الوعي لأمور لم تكن مدركاً لها في السابق (الضربة إلي ما بتقتلك… بتقويك). كل واحد منا تعرض لظروف قاسية وصعبة لكن الاختلاف الواحد بيننا، هي ردة فعلك للذي تواجهه ومدى مرونتك باتخاذ الصعاب كتحدي إما اتخاذها كدرجة لصعود أو عائق تقف عنده. محاولة إيجاد شي إيجابي في كل ظرف صعب وخصلة جيدة من الذي تمر به والتّركيز الكلّي عليه يحول دون إحساسك بضيق الصّدر وتوترك ووسيلة لتخفيف العبء من حملك لمشاعر الحزن وعدم الرّضا. الشّكر يعطيك طاقة هائلة وجرعة من التفاؤل التي قد تغير مجرى الأمور والظّروف الغير محببة لك إلى ما هو أفضل، إن الإمتنان أفضل طريقة لإبعاد التركيز عن المواقف السلبية والتّنبه لما هو إيجابي.

في كل ليلة قبل خلودك إلى النوم أو في صباح الباكر عند الإستيقاظ من النوم، فكّر بجدية وبوعي كامل بالأمور التي أنت ممتن بها بدءاً من أبسطها كاستطاعتك أن تنام بهدوء وسلام دون اشتكائك من ألم يؤرقك أو حتى على السرير الذي تنام عليه إلى أكبر النّعم، فكّر بعمق أكثر ستجد حينها. ما لديك من النعم  الكثيرة التي تستحق أن تشكر الله على وجودها في حياتك، لكنها من قبل لم تكن تلفت إنتباهك لمجرد أنها موجود في كل يوم وكل دقيقة. عندما تنتهي من الإمتنان والحمد ستشعر بالكمّ الهائل من السّعادة التي تغلغلت إلى قلبك والإبتسامة التي تسلّلت وارتسمت على وجهك وكمية التفاؤل الذي ملأ كيانك مما سيدفعك إلى التركيز بما هو موجود لديك وليس بالأمور التي تنقصك. في نهاية المطاف لا أحد في هذا العالم يملك كل شيء وحياته كاملة لا ينقصها حاجة.

الشّكر والإمتنان لا يقتصر فقط على النّعم التي توجد في حياتك، هناك شكر أيضاً للأشخاص الذين قاموا بمساعدتك كتقديم خدمة لك أو المساعدة في حياتك الشّخصية أو العمليّة. هؤلاء يستحقون الشّكر منك ليس فقط بقول كلمة أو كلمتين (مشكور، شكرا إلك، يسلمو إيديك). الشعور بالامتنان لهم من قلبك هو الذي سيضفي نكهة للكلمات ويجعلها تصل للشخص بأكثر فاعلية وتسعده حقاً بهذا. لولا هؤلاء الأشخاص سيكون من الصعب تخطّي بعض التّجارب أو عدم حصولك على خدمة ما دون حصولك على المساعدة من الآخر، سواء من عامل النظافة الذي يقوم بجهد كبير لمحافظته على نظافة الشوارع في الحي التي تقطر فيه، والبائع في البقالة الذي يجلب كل ما تحتاجه من احتياجاتك اليومية دون السّعي لقطع مسافات بعيدة لإحضارها، عائلتك التي تدعمك دائماً، أصدقائك الذين تقضي معهم أوقات ممتعة وفي الأيام التي تواجه فيها بعض المشاكل يقفون إلى جانبك وتستطيع أن تفضفض لهم ويقدمون النصح والدعم لك، زملائك في العمل. أينما كنت هنالك الكثير من الأشخاص في نهاية اليوم يستحقون الشكر والثناء لهم لوجودهم في حياتك.

لو أصبح الإمتنان والشكر نمط حياة يومي، سنكتشف أن كل لحظة في الحياة لها أهميتها وأن كل ما نعيشه وسنتعايش معه لن يذهب سدى ولن يضيع الوقت في الحسرة على ما يمكن أن يكون أفضل. عندما يتكلل الحمد والشكر على كل جزئية في الحياة سيجذب لنا المزيد من السعادة وراحة البال وربما أيضا الظروف الأفضل وزيادة تقرب الاخرين حولك أكثر؛ لأن الطبيعة البشرية تميل إلى رفقة المرح المفعم بالطاقة الإيجابية والمتفائل. عندما تعزّز رؤيتك للجمال الذي حولك سواء كانوا بشراً أو المحيط الذي حولك من ماء وهواء وأشجار وسماء الزرقاء والطبيعة وكل ما هو موجود، سيجعلك دوماً ممتن وحامداً. السّلام الداخلي من خلال الهدوء والإطمئنان النفسي الذي ستصل إليه هي النتيجة الحتميّة التي ستحصل عليها في نهاية طريق الامتنان والشكر، عندما تغير نمط تفكيرك وتبرمج عقلك من خلال الامتنان، ستُسعد من أبسط الأمور وتندمج في كل تفاصيل يومك دون الانخراط بمشاعر عدم الرضا ومقارنة حياتك وأسلوب عيشك بحياة الآخرين أو النظر لحاجات المادية بأنها هي الوسيلة الوحيدة لإسعادك وكما يقولون الحكماء دائماً، النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس ولا تنظر إلى النصف الفارغ منه.

لنبدأ من اليوم ومن الآن في مكانك هذا بالامتنان وأن تشكر جزيلا للكثير ما هو موجود في حياتك وأن تحمد الله. انظر إلى ما حولك، تمعَن في نفسك هناك العديد والعديد من النّعم التي لديك والتي حولك، اشكرالله على كل حاسة لديك وامتن لوجودها، بصرك وسمعك والتذوق واللمس والشم. امتن لكل عضو من أعضاء جسمك الذي يساعدك كل يوم على التنفس والعيش والحركة دون توقف. امتن لوجود العائلة، البيت. امتن لكل ما هو يدور حولك كل يوم. آمن بأن كل ما زاد امتنانك سيزيد النعم وستزيد مشاعر الإيجابية والسعادة في كينونتك الداخلية وسيصعب لأي ظرفِ كان أن يسلب منك هذه المشاعر. ستكون كالمغناطيس الذي سيجلب الأشياء الجميلة والسعيدة. 

“بدأت أقدم شكري على الأشياء الصغيرة، وكلما صرت أكثر شكراً، زاد ما أحصل عليه من عطاء على نحو أكبر؛ ولذلك فإن ما تركّز عليه يزداد، وعندما تركز على الخير في حياتك، فأنت تخلق المزيد منه. إن الفرص، والعلاقات وحتى المال تدفق في طريقي عندما تعلمت أن أكون ممتنة بغض النظر عما يحدث في حياتي”، أوبرا وينفري – شخصية إعلامية وسيدة أعمال

جمان الحديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *