وسائل التّواصل الإجتماعي خلقت منصة تشركنا معاً لتبادل المعلومات والثّقافات والأيدولوجيات تحت مظلة الإحترام وتقبّل الآخر وتجمعنا لنكون مجتمع صغير متفاهم قائم على حوار متفتّح يحترم الآراء الأخرى ويتقبّلها بكل رحابة صدر. لكن، هذا ما كنّا نتمناه فعلاً لكن الواقع ليس كذلك. ما توصّلنا إليه اليوم بما أسميه مصائب كارثيّة انتقلت من وجودها الكترونياً في العالم الافتراضي إلى أرض الواقع، وشكّلت تهديد مباشر وبعض الأحيان غير مباشر على الأفراد. نقل الشّائعات إحدى العواقب التي سببها سوء استخدام هذه المنصات بهدف المضّرة وإلحاق السّوء بالآخرين، الظّاهرة التي طالت ومازالت على مستوى واسع في معظم المجتمعات وتسبّبت بأضرار وخيمة نشهدها الكثير من الأحيان والبعض منّا لامسها على الواقع.
الشّائعات ونقل الأخبار المغلوطة في الآونة الأخيرة خصوصاً جعلت نقمة الوسائل التّواصل الاجتماعي تغزونا. في سيكولوجيّة الشّائعة توصلو على أنّ انتشار الشائعة يساوي أهمّيّة الموضوع المتّصل بالشائعة مضروباً في مدى الغموض حوله. أي يعني أن كلّما كان الموضوع مهماً وكبيراً فيكون حجم الشائعات أكبر وأكثر انتشاراً، لكن أليس نحن (حدا فينا) من يلفق وينشر الشائعات والمعلومات التي لا تمت للحقيقة بأي صلة؟ ما الهدف من نشر محتوى دون التأكد من صحّة المعلومات الموجودة فيه قبل أن تنشر؟ سؤال نحتاج للإجابة عليه. التّشهير والحرب النفسية هي عواقب ناتجة عن الشائعات والأخبار المغلوطة، خصوصاً في المواضيع التي لها صلة بالحوادث والوفيّات والأحداث السياسية التي تحمل في طيّاتها قدر كبير من الحساسيّة ونقاط حرجة، باعتقادي يجب ألّا نغفل عن النتائج التي تسببها الإشاعات والأخبار المغلوطة. الحذر واجب في مثل هذه القضايا، أبعاد عميقة يمكن أن تودي بنا إلى زعزعة الأمن المجتمعي والاستقرار وبثّ القلق والخوف في النّفوس.
ربما أسباب كثيرة جعلت منّا نتهافت إلى أخذ وتصديق المعلومات والأخبار الموجودة على منصات التواصل الإجتماعي، برأيي من هذه الأسباب هي تغيّب الحقائق الكاملة على وسائل الإعلام المرئي والمسموع وقلّة الثقة بها. وسبب آخر أيضاً يعود إلى هوس النّاس بوسائل التواصل الاجتماعي وقضاء وقت طويل عليها وأصبحت جزء أساسي في الحياة اليومية، مما جعلت من الأفراد على وجه العموم إلى اعتبار أنّ الوسائل التواصل الاجتماعي هي مصادر موثوق بها لأخذ الأخبار والمعلومات والأفكار. هذا الأمر لا يكون خطأ إذا ما حرصنا على مصداقية وثقة المصدر الذي يبث هذه الأخبار والمعلومات والتأكد من صحتها من خلال البحث على محركات البحث واستخراج المصداقية من مواقع موثوقة وأيضاً البحث عليها خارج إطار العالم الإلكتروني، والأهم من ذلك كله عدم تشويه الحقيقة.
“ولعلّ تفعيل القوانين الناظمة لمحاسبة ومساءلة المتورّطين والإعلان وعرض نماذج لذلك من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئيّة والإلكترونيّة جلّ مهم، كما مطلوب زيادة الوعي الأمني للمواطن ليكون رديفاً للأجهزة الأمنية، وإبلاغ الجهات الأمنية لغايات المتابعة وأخذ الاحتياطات اللازمة لكبح جماح الإشاعة وتصويب وتصحيح معلوماتها الخاطئة، وتفعيل دور الأسرة والوالدين والأساتذة وقادة الرأي ليقوموا بدورهم الطليعي والتوعوي والتنويري في ذلك”، د. محمد عبيدات – دكتور في الهندسة المدنية
هل يجب أن يكون هنالك رقيب قانوني علينا أم نحن من نكون رقباء على أنفسنا؟
ربما ما أعتقده هو أن يكون كل شخص منّا رقيب على نفسه. الوعي على ما نصدّقه وما ننشره هو المهم. ليس من المفروض علينا أن ننشر الأخبار السّيئة أو المنشورات المثيرة للجدل حتى نحصل على عدد إعجابات وتعليقات أكثر، بل أن نستخدم هذه المنصات بما هو مفيد ولا نكون في سبب إلحاق الضرر بالآخرين وزعزعة استقرار الأمني في المجتمع. عندما يظهر لنا خبر سيء على هذه المنصات فلنا التعامل بجدية وانحياز للموضوع أي لا ننشر إلّا ونحن متأكدون من الخبر ولا نصدر أحكامنا القاسية والهجوميّة عشوائياً دون أساس. النّقمة التي لاحقت الشّائعات والأخبار المغلوطة هو خطاب الكراهيّة المنتشر على وسائل التّواصل الاجتماعي وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالمواضيع الحسّاسة والحرجة جداً. إصدار الأحكام بصورة سلبيّة وعنيفة في سبيل المضرّة ونشر العدوانيّة بين الناس بقصد تهويل الأحداث لا يجعل أي أحد مستفيد بل بالعكس ستتفاقم المشكلات أكثر فأكثر.
يرى باهراث جانيش الباحث بمعهد اسكفورد للإنترنت أنّ تشويه الواقع يكون وسط المجموعات المتطرّفة على شبكات الإنترنت، قائلا “الشّبكات والأماكن التي تنشأ على الإنترنت تهدف إلى خلق ثقافة تقبّل الكراهيّة والتّشهير والتّحقير من الآخرين. إذا اعتدّ بهذا النوع من اللُّغة، فقد يخلق مناخاً يمكن أن تصبح فيه الكراهية والعنف أمرا مشروعا”. أصبحنا نغفل أحياناً في قدرة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي علينا وعلى مجتمعنا ككلّ، وسرعة لا حدّ لها في انتشار المعلومة أو الخبر سواء كان صحيح أو خالٍ من الصحّة. شهدنا حملات ومبادرات كثيرة غيّرت الأنظمة وأصبح تغيير وصنع القرار من خلال هذه المنصات منها الإيجابي ومنها السلبي، مع وجود شبكة الإنترنت عاد لنا بوفير من الإفادة وحقّق لنا أمور إيجابية وسهّل لنا حياتنا، فلماذا نسوء استخدامه ونجعله نقمة بين أيدينا! ما نسعى إليه دائماً أن ننصح الآخرين ونحاول نحن أيضاً الابتعاد قليلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل في العالم الحقيقي مع الأهل والأصدقاء.
جمان الحديد