حبيسة نفق محدود

حبيسة نفق محدود

تقوقع الأفراد على أفكارهم ومعتقداتهم وعدم تقبل أفكار الغير الأخرى. ومع مرور الوقت، ستعقد بأنه لا وجود للرأي الآخر إلا الرأي الذي تعقتد أنت بصحته من دون تعريضها لأفكار جديده أو تيارات مخالفة لتيارك الخاص. مثل الأم التي تحرص على تربية أبناءها في بيئة نظيفة ومتوافقة مع أفكار البيئة المحيطة، مع خروج أبناؤها إلى العالم الخارجي سيتعرضون إلى صدمة قوية. الإنترنت أصبح بأمكانه جعلنا أكثر تواصلاً وأكثر انغلاقاً على أنفسنا وخيارتنا والأشياء التي نفضلها. تحول كيان السوشيال الميديا المحيط بنا لغرفة صدى هائلة حيث نناقش وجهات نظر متماثلة مع أشخاص لهم نفس ميولنا ونعجز على نحو بائس في اختراق دوائر اجتماعية أخرى والتي غالبا ما يتم نقل صورة خاطئة عنها ومنفرة حتى بسبب الخوف احيانا وبسبب عدم اعتياد الإختلاف أحيانا أخرى.

من الممكن تشبيه غرفة الصدى بالشجرة، لنتخيل أن الجذور هي فقاعات الترشيح وأن الأفكار التي نفكر بها دائما ونؤمن بها وفي البال دائماً. الكل يطلق علي لقب “أم الشامات”. هذا اللقب يشعرني بالإنزعاج. ذات مره كنت جالسة في الجامعة مع  أصدقائي وإذ بصديق لي وصفني “بصحن المجدرة”. شعرت حينها بشعور غريب جداً وأنا بالأصل يضايقني هذا الموضوع “الشامات”. ذهبت وأنا منزعجة وبعدها جلست مع صديق وسألني ما بك سردت له ما حصل فشبه لي الشامات وكأنها نجوم منثورة على وجهي. حينها وقفت وقلت لنفسي لماذا لم أفكر بهذا التشبيه من قبل؟، هل كلام الناس الدائم عن تلك الشامات كان  مزعج جدا بالنسبة لي؟، هل سبب كرهي لتلك الشامات هو بسب كلامهم؟. بالفعل كنت حاصرة نفسي  بفقاعة التي بها فقط كلام الناس الذي يرن ببالي دائماُ. الإنترنت يمكنه إطلاق عقلك كفراشة تسرح في حقول رحبة بين مختلف الزهور العطرة أو يجعلك تتقوقع في شرنقة ضيقة تزدحم بأنفاسك، أنت من يختار.

الكثير منا حصر نفسه في “غرفة الصدى” لترديد قناعاته مع أشخاص يشابهونه. يقابلها غرفة أخرى لأشخاص يخالفونه،كل من الغرفتين تعيشان في عالمين مختلفين لأنه لا يرغب أي من قاطينهم في فهم وسماع الآخر أو الإعتراف به. مثلا، فكرة الهاشتاج وانتشار استخدامه عبر “تويتر” يعد مثالا لغرف الصدى. عندما تحتشد الجموع  وراء أراء بعينها تماما مثل تعليقات القراء المتشابهة كسرب من الطيور. تتخندق مجموعات كبيرة على نفسها عبر البيئة الرقمية التي قد تودي بعد فترة من الوقت إلى تطرف أفكارها. “السجين يعلم بأنه مسجون ويعلم من هم سجانوه”. هذه الأفكار المكررة التي تصل لنا تعزز من إنحيازنا الذاتي، نحن نلتقي معلومات تعزز من قناعات نميل إليها. هي ترسخ في عقولنا وقلوبنا الأفكار التي تتوافق معنا فقط. بهذا يصبح المستخدمون كمن يسمع صدى صوته في غرفة فارغة، ومن ثم يخسرون قدراتهم على معرفة والحصول على الرأي الآخر والذي ربما يكون على صواب أو أقرب إلى الصواب. 

كيف نخدع تلك الخوارزميات حتى نخرج من فقاعات الترشيح و الأفكار المكررة؟ بكل بساطة، علينا تصفح مواقع إلكترونية لا تتوافق مع أفكارنا، نحن حتما نخدع خوارزميات فقاعات الترشيح ونقلل من تأثيرها علينا. يمكننا تعريف فقاعة الترشيح على أنها عزلة فكرية يمكن أن تحدث عندما تستفيد مواقع الويب من الخوارزميات لتحمل المعلومات التي يرغب المستخدم في مشاهدتها بشكل انتقائي، ثم تعطي المعلومات للمستخدم وفقاً لهذا الإفتراض. تلك المواقع تجعل من هذه الإفتراضات قائمة على المعلومات المتعلقة بالمستخدم مثل سلوك النقرات السابق، سجل التصفح و سجل البحث والموقع. لهذا السبب من المرجح أن تقدم مواقع الويب فقط المعلومات التي تلتزم بنشاط المستخدم السابق وبالتالي يمكن لفقاعة الترشيح أن تجعل المستخدمين يحصلون على اتصال أقل بشكل ملحوظ مع وجهات النظر المتناقضة مما يؤدي إلى أن يصبح المستخدم معزول فكرياً. تعتبر نتائج البحث المخصصة من جوجل وتدفقات الأخبار المخصصة من فيسبوك مثالين لهذه الظاهرة.

كلنا نفعل هذا “نقر، نسخ، لصق ومشاركة”، يبدو ذلك عاديا وبريئاً جداً لكن الكثير من غير المطلعين أو غير المهتمين بالقوى التي تؤثر على ما نراه عبر الإنترنت وكيف يؤثر المحتوى علينا في المقابل وهذا جهل له عواقب. تنشأ هذه الفاقاعات غرف الصدى، لنفترض أن كل شخص يفكر مثلنا وننسى وجود وجهات النظر الأخرى. يمكن أن تسبب في حدوث تحيزات واختصارات معرفية مما يزيد من تأثيرها السلبي على قدرتنا بالتفكير بطريقة منطقية ونقدية. مزيج من الدليل الإجتماعي والتحيز في النوافذ والتأكيد على التحيز والتحز من عدم  الإعجاب والإعجاب المنتشر. أدى وجود فقاعات الترشيح  إلى قلق واسع النطاق. يكتب بارسير: تتطلب الديمقراطية من المواطنين رؤية الأشياء من وجهة نظر بعضها البعض لكننا بدلاً من ذلك نقف أكثر فأكثر في فقاعتنا. تتطلب الديمقراطية الإعتماد على الحقائق المشتركة بدلاً من ذلك نحن نُعرض ككواكب متوازية ولكن منفصلة.

تلقن أفكارنا الخاصة وتضخم رغبتنا في أشياء مألوفة وتتركنا غافلين عن المخاطر الكامنة في منطقة مظلمة مجهولة. نحن نسحب إلى فقاعاتنا الخاصة، خصيصاً على وسائل التواصل الإجتماعي محاطين بأشخاص يشبهوننا ويتتشاركون نفس النظرة بصورة متزايدة. أصبحنا نؤمن بفقاعاتنا لدرجة أننا بدأنا نتقبل فقط المعلومات سوءاً اكانت صحيحة أم لا والتي تناسب آراءنا بدلاً من استناد آراءنا إلى الأدلة الموجودة على هذه الوسائل.  كيف يمكننا تجنب فقاعات الترشيح؟، استخدام متصفح يحظر الاعلانات، وتحويل التركيز من الترفيه إلى التعلم خلال التصفح. “كما كتب نيكولاس كار في كتاب “نت”، يعطينا أدوات جديدة قوية للعثور على الملعومات والتعبير عن أنفسنا والتحاور مع الآخرين كما إنه يحولنا الى فئران مختبر يضغط باستمرار على الأذرع للحصول على كريات دقيقه من الغذاء الاجتماعي أو الفكري. يقول أيضاً باريسر: “إن العالم الذي تم إنشاؤه من المألوف هو العالم الذي لا يوجد منه شيء نتعلمه”.

كيف يمكنك تجنب غرفة الصدى؟ قد يبدو الحل صعباً، ربما هناك السهل الممتنع، بداية من الإستعداد النفسي بعدم التصديق التلقائي إذا قرأت منشور عبر السوشال ميديا حتى لو كنت تشعر أن المضمون صادق. قد لا تكون كذلك، المسألة ليست في الشعور بل في الأدلة المادية والعقلية. قم بقراءة التعليقات والتحليلات المنطقية  لكن الأهم قراءة ما هو مكتوب و وضعه تحت عين بصيرة وفطنة، قم بتفحص عناصر المنشور. أما الأسهل فهو البحث  في جوجل عن المصدر، لكن أغلبنا لا يفعلها بحجة ضيق الوقت رغم انه يمضي ساعات في قراءة منشور . علينا مواجهتها إلا سنبقى حبيسة نفق محدود ومما يعني أننا ضحايا “تحيزات” أجبرنا عليها.

رنا أبو هيظ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *