الإنضباط الذاتي لتحقيق الأهداف

الإنضباط الذاتي لتحقيق الأهداف

 في  غمار حياتنا اليومية نسعى دائماً لتغيير حياتنا للأفضل ومحاولة الوصول للذات المثاليه من شخصياتنا التي نطمح لها. أن نكون أشخاص رياضيين عن طريق ممارسة انواع نحتاجها من التمارين أو اتباع غذاء صحي أو تولّي منصب وظيفي أو أن نكون أشخاص أقل توتر وأكثر هدوءا، وغيرها من الرغبات التي قد تختلف من شخص إلى آخر. قد نبدأ بعادات صغيرة أو بأهداف صغيرة تتحول تدريجياً إلى عادات أو أهداف أكبر. المفارقة هنا هي البدء بحماس كبير يختفي تدريجياً عن انتظار النتيجة المثلى التي نحلم بها ولا نراها. كأن يحاول شخص أن يخفف من وزنه، يبدأ بداية مليئة بالحماس والإرادة وينتظر نتيجة ذلك عن الأسبوع الأول. ثم يبدأ تدريجياً بفقد الأمل من النتيجة المنتظرة. تنتهي تلك العادة التي بدأت بإرادة عظمى إلى عادة شبه مدفونة. لكن لماذا يسهل على البعض منا استمرار مجهوده بينما ييأس البعض الآخر ويرى في ذلك مضيعة للوقت؟، لماذا ينجح البعض في الإستمرار في الطريق الجديد ويحوله لنمط حياة ولماذا يفشل البعض؟، هل يتسم هؤلاء الأشخاص -الذين استمروا جاهديين- بصفة تميزهم عن غيرهم؟. جزء من الإجابة يكمن في الإنضباط الذاتي والتريّث وإنتظار النتيجة مهما تأخرت طالما نقوم بالجهد المطلوب دون تسرّع وبذل فوق ما بالوسع. هذا تحديداً ما يدفعنا إلى تفعيل نوايانا إلى مجهودات حقيقية ونتائج ملموسة. لكن ماذا إذا كانت نوايانا صادقة ومجهوداتنا ملموسة فعلاً لكن شيء ما أصاب القلب فأطفئه؟، إذا كان لدينا إنضباط ذاتي، فإننا قادرين على تأجيل المتعة قصيرة المدى أو تحمل الإزعاج أو عدم الراحة على المدى القصير في سبيل السعي لتحقيق مكاسب طويلة الأجل. عند وضع الصورة النهائية لأنفسنا وتخيلها طوال الوقت مع مجهوداتنا المبذولة يجعل منا أشخاص قادرين على تأجيل المُتع، وإن مررنا بأوقات كنا ننافس بها الكسل بحد ذاته فهذا لا يعني انتهاء معركة التغيير التي نطمح، بل إنها استراحة محارب.

لكن ما هو الإنضباط الذاتي؟ وما الذي يدفعنا لتبني هذا المفهوم وجعله أساس ودافع لكل ما نحلم به؟، الإنضباط الذاتي  هو القدرة على دفع نفسك للأمام والبقاء متحفزًا من الداخل قبل الخارج، أن تضع نفسك بين بيئة مؤمنة إيماناً تاما أنك تستطيع الوصول لما تحلم به، أن تُبقي نفسك بعيداً كل البعض عن الأشخاص الذين يستسخفون إيمانك بما تريد. إن كنت محاط بأحد منهم بطريقة لا تستطيع تغييرها، حاول أن تغض سمعك عن ما يخرج من أفواههم اتجاهك. أنت تُظهر ذلك عندما تختار قصداً أن تسعى وراء ما يجعلك أفضل نسخة من نفسك، وتقوم بذلك على الرغم من عوامل المشتتات مثل رغبات عقلك وجسدك إلى الراحة، أو ترك نفسك لما يقوله الناس عنك وكأنهم خاضوا تجاربك وعانوا مما عانيت منه. يختلف الإنضباط الذاتي عن التحفيز الذاتي أو قوة الإرادة. يساهم الدافع “وهو عنصر أساسي، سواء كان داخليا أم خارجيا للإنضباط بشيء تسعى له “وقوة الإرادة”، وهي تشبّثك بما تحلم به مع العمل ومحاولاً الإمساك به كلما حاول الإفلات منك. كذلك المثابرة والقدرة على تجديد نواياك والعمل المتزن والجاد.

كيف نستطيع تطوير الانضباط الذاتي؟ هل يعني ذلك أن الانضباط الذاتي شيء سهل للغاية أم يحتاج إلى تدريب وتجديد العزيمة بشكل متكرر. الإنضباط الذاتي يشبه العضلة، كلما عملت على تطويرها واستخدامها، كلما أصبحت أقوى. مع ذلك، من المهم أيضًا عدم البدء بأهداف طموحة للغاية او بعيدة جداً عن مستوانا الحالي. كأن نريد حمل وزن ثقيل جداً في اليوم الأول من التمرين. بدلاً من ذلك، حدد أهدافًا صغيرة وضف عليها شيئاً يسيراً في كل مرة حتى تصل إلى الغاية العظمى، لكل شخص منا طريقته الخاصة لوضع الأهداف، جرب طريقة الإهداف الشهرية أو الإسبوعية أو القائمة اليومية، وقم بزيادة مستوى التحدي ببطء، وبمرور الوقت، وكلما قمت بالعمل أكثر، كلما أصبحت أفضل، التطبيق العملي هو أساس التطوير والنمو في أي شيء كان.

إبدأ بإختيار هدف واحد فقط وركز عليه بكامل تركيزك لتطوير انضباطك الذاتي بشكل يسير في البداية. على سبيل المثال، أنت تحتاج أن تتعلم لغة جديدة ستفيدك في ترقيك الوظيفي بشكل سيجعلك تتعلم أكثر وتُبني خبرات أكبر. ابدأ بوضع هدف بسيط جداً في البداية، كأن تتعلم كلمة واحدة جديدة كل يوم، كلمة واحدة فقط. عندها يبدأ عقلك تدريجياً بزيادة الهدف، ويرسل إشارة إلى جوارجك بكتابة كلمتين كل يوم على الورقة بدلاً من كلمة واحدة حتى يخزّنها فيه. تدريجياً، سيرسل عقلك إشارات تعني زيادة الهدف، لأن الأهداف السابقة تحتاج إلى تكثيف، وأنها أصبحت بسيطة جداً مقارنة مع حصيلة الكلمات الجديدة التي كنت تتعملها كل يوم. بذلك ستُعظم من انجازك اليومي حتى تكون لك القدرة على تعلم عشر كلمات في اليوم الواحد، لو أنك تبنّيت تطبيق العشر كلمات تلك في البداية لكان عقلك وصل إلى حد التعب ولم يعد له القدرة على استكمال تعلم تلك اللغة بعد أول اسبوع. يمكنك أيضاً ممارسة الإنضباط الذاتي على أهداف صغيرة جدًا مثل التركيز على جزء من العمل لمدة ساعة دون التحقق من رسائلك، أو تجنب الطعام غير الصحي ليوم واحد في الأسبوع. لكن الحماس الزائد عموماً ضار خصوصاً إذا كان في البدايات، لأنه مخيّب للآمال بشكل كبير ومخبط، تجنب الوعود في أوقات الفرح الشديد أو الحزن الشديد لأنه عقلك في هذه الحالة يرسل لك إشارات مبالغ بها حتى تقوم بتطبيقها بناءاً على موقف خارجي أثّر عليك سلباً أو إيجاباً، حتى تستيقظ اليوم التالي وترى مجموعة الأهداف الغير واقعية بجانبك تنتظر منك تطبيقها.

كن واقعياً وتجنب الوعود بالإلتزام بما خططت له في أوقات الإنفعال. ضع ما تحتاجه في أوقات الإتزان وبواقعية تناسب ما تمتلكه الآن من مصادر وما هو الهدف من الوصول إلى ما تريد بالتحديد. لأن كثيراً منّا يرى أقرانه من الناجحين الذين تولّوا مناصب وحققوا أهداف معينة تناسبهم، يبدأ بجلد النفس حتى يُجبرها بأشياء أكبر من امكانياته ولا تناسب احتياجاته الحقيقية. حتى وإن نجحت في البداية فإن ذلك سيتحول إلى علامات استفهام في منتصف الطريق، كأن تسأل نفسك، لماذا دخلت هذا التخصص وأنا لا أحبه. لماذا أسست هذا المشروع دون خبرة مسبقة بما يفكر به المنافسين؟ لماذا اتبعت نظام غذائي وقللت دون قصد بمصادر غذائية معينة كان جسمي بحاجتها؟ وهكذا… بذلك ستعود -آسفاً- إلى نقطة الصفر حاملاً معك جلد الذات والألم واليأس من الوصول. الأفضل من ذلك أن تحدد هدفك ولماذا تريد الوصول إليه، ادرس امكيانياتك الحقيقية ومصادرك الموجودة، استعن بأصحاب الخبرة، جدد نواياك دائماً عن طريق تحفيزك لنفسك ومقارنة ما وصلت به الآن بما كنت عليه سابقاً لا بما وصل إليه الآخرون بإمكانياتهم المختلفة ومصادرهم الغير متاحة إليك في الوقت الحالي، وكن حريص كل الحرص على صعود السلم بتأني، وأن لا تقفز للدرجة السابعة مباشرة دون المرور على درجته الأولى والثانية والثالثة… إلخ.

من منّا لا يسعى أن يكون أفضل نسخة من نفسه، الآمال العريضة شيء عظيم، لكن دراسة ما بين أيدينا شيء أعظم للوصول إلى الأمال العريضة تلك بنفس هادئة سويّة، وبعيداً عن كل هذا. تقبل نفسك بكُليّتها، بتلك الأشياء التي حاولت تغييرها لكنها كانت أكبر من أن تتغير بسهولة، تقبل أنك سعيت وما زلت تسعى بأن تكون أفضل شيء من نفسك الآن، الحياة لا ترحم من يبدأ بمنافستها دون تريّث. حاول أن تجتهد في جانب واحد وعند الإنتهاء منه انتقل إلى الجانب الآخر. وتذكر أن الإنسان السوي من يقبل بالحياة عندما تساومه، بل يساومها وينجح تارة، ويخسر تارة آخرى، والعزاء هنا لمن قبل الخسارة وكأنها المحطة الأخيرة.

رنا ضمرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *