الإنسان رقّة قلب، إذا زالت زال الإنسان. الرغبة في الانتماء تعتبر في جانب من جوانبها رغبة في فقدان المرء ذاته. التواصل بين الناس تدل على الإنسانية، في معظم الأحيان نفقد القدرة على التواصل الفعال بيننا. من أجل حل مشاكل التواصل، ابتكر عالم النفس الأمريكى مارشال روزنبرغ «نظرية الزرافة» كطريقة للتواصل، استنادا إلى أن الزرافة ترى أبعد مما هو ظاهر عن قرب بسبب رقبتها الطويلة، وهى تتحمل الانفعالات لأنها تملك أكبر عضلة قلب بين الكائنات. تساعد نظرية الزرافة فى تغيير الكثير من العادات والسلوكيات السلبية بالنظر للأمور بعمق وضبط الانفعالات. تهدف النظرية إلى تغيير طريقة التفكير لتكون إيجابية، واختيار الكلمات للتعبير عن المشاعر المؤلمة بدون الحكم على الآخر أو عتابه واعتباره سبب هذه المشاعر.
الجو في العمل ليس دائمًا جيدًا. المنافسة أو المواقف المختلفة أو الأخلاق السيئة تتحدى صبر الناس وتجعلهم يعانون وتنشأ النزاعات. كيف يمكننا تقوية العلاقات بدلاً من قطع الاتصال وتجاهل احتياجات الآخرين؟ كيف ننتقل من سوء الفهم واللوم إلى العلاقات المرضية؟ في أغلب الأحيان نصل مع بعضنا لحائط مسدود في فهم بعضنا بعض فتحصل النزاعات وتنكسر بعض العلاقات. علينا تجربة التحدث بود ولطف وواقعية وبإيجاز ووضوح حتى نتفادى الخلافات والمشاحنات وعلينا اختيار المكان والوقت المناسبين للتحدث عن المشكلة وحلها بطريقة سليمة. إن من أهم الآثار السلبية لعدم احترام آراء الآخرين هي قضية الفوقية على الآخرين التي تسبب الكثير من المشاكل. يؤدي هذا الإسلوب القاسي على النفس البشرية إلى خلق فجوات اجتماعيه، والإنسان كائن اجتماعي بطبعه يحب مشاركة أخباره واحداث حياته مع الآخرين كما يحب في بعض الأحيان رؤية ما يفعله الآخرون.
علينا العمل على حل مشاكلنا بقلب كبير لمحاولة تفادي تشعيب المشكلة لذا علينا الابتعاد عن محاكمة الآخر وعلينا أولا تحليل الموقف. الحكمة في هذه المواقف مهمة جدا، عندما نستمع لبعضنا ونتبادل أطراف الحديث سنصل حتمًا إلى حل لكلا الطرفين. تقبل الآخر أمر مهم جدا مهما في الحياة، الإختلاف بالرأي من الأمور الطبيعية في حياتنا. علينا أن نستخدم هذا الإختلاف من أجل تعزيز العلاقات وتقويتها وليس العكس. كما أن لها دورا ايجابيا في تطوير وتحضير الشخصية الإنسانية التي هي حجر الأساس واللبنة الأولى في بناء مجتمعات وحضارات انسانية متقدمة وبجهد انساني عالمي. ومجتمعات متكافلة ومبدعة في ترسيخ السلوك الإيجابي والإرتقاء بفن العيش للإنسان الذي يتقبل الآخر والإختلاف واحترام الآراء.
حتى لا يشعر أي طرف أنه مظلوم وأنه مجبر دائما على التنازل للطرف الآخر يجب أن يحاور ويناقش الآخر بما يدور بداخله منعا لوصول الحديث إلى نهاية مغلقة. لماذا نسعى دائماً لتغيير الآخر حتى نتقبله ونقبله؟ إن أهم مظاهر احترام الآراء هو التزام الشخص بآداب الحديث وتجنب التعصب والإستهزاء والسخرية أو التهميش وعدم الإهتمام بآراء الآخرين. من أهم مظاهر الإحترام، أن يكون النقد موجها للرأي (الفكرة) وليس للشخص المتحدث الذي يطرح الرأي حتى لا يكون الموضوع متعلقا بالجانب الشخصي للمتحدث. غالبا تكون نتيجة الحوار هي إما أن تقنع الآخرين بما لديك من رأي أو أن ينتهي النقاش بشكل ودي وبكل احترام (الاختلاف بالرأي لايفسد للود قضية).
علينا تعزيز أسس الحوار بيننا، يعني أن نناقش بعضنا بهدوء واحترام ودون تعصب وهو مطلب من مطالب الحياة الأساسية، حتى يتم التواصل بين الأشخاص لتبادل الأفكار وفهمها. ومنها، يكشف كل طرف عن كلّ ما خفي على الطرف الآخر، على ألا يخرج الحوار إلى جدال؟ الحوار يلبي حاجة الإنسان للإستقلالية وحاجته لمشاركة الآخرين والتفاعل معهم. الحوار الفعال يعالج المشكلات التي تواجه الإنسان، وهدفنا من الحوار معرفة وجهات نظر الأطراف الأخرى حيال أمر معين. علينا إيجاد حل وسطي يرضي جميع الأطراف المتحاورة. عند المحاورة والتواصل مع الآخرين ناقش بأسلوب حسن وابتعد عن التجريح والإساءة للطرف الآخر.
سأروي لكم قصة من الممكن أن تحصل معنا في العمل. بينما كان الموظف في عمله حصلت مشكلة وذهب إلى الموظف الذي هو سبب المشكلة وبينما كانا يتناقشا احتدّ أحدهم بالرأي ورفض أن يستمع الى الآخر وبدأ بالشتم والاستهزاء فغضب الأول لذلك. احتدت الأمور كثيرا ووصلت إلى مرحلة شجار ومشادة كلامية بين الطرفين. ارتفعت الأصوات كثيرا فعجب كل من في الشركة والتفتت الأنظار إليهم. انتبه المدير لما يحصل وناداهما إلى مكتبه، فجاءا وكل واحد منهم لديه وجهة نظره الذي لا يريد التنازل عنها. نصحهما المدير إلى الاستماع أولا لبعضهما البعض ومن ثم العمد إلى حل الموضوع بطريقة منطقية. لذا، دائما علينا ألا نقلل من بعضنا لكي لا تصل الأمور لمنحنى خاطئ. وجهات النظر أثناء النقاش، من الطبيعي أن تختلف، لكن علينا الإنتباه على الكلام الصادر عنا وعلينا تفادي الكلام الجارح. أيضا، يجب أن نوازن أفكارنا قبل أن نتحدث، علينا معرفة كيفية إقناع الطرف الآخر بموضوعية وعقلانية وباستخدام أدلة واضحة حتى نعدل ونقوّم الأفكار غير الصحيحة.
يجب على المحاور أن يتحلى بحسن الاستماع والإصغاء للطرف الآخر، وعليه ألا يحصر تفكيره بالرد على الشخص المتحدث. لذا، علينا احترام بعضنا وأن نتحدث بأسلوب وعبارات لائقة، حتى لا تتحول إلى مبارزة وألفاظ جارحة. بالإضافة إلى المحافظة على تجنب الجدال والمشاحنات عند نقل الفكرة، حيث أنه لابد من نقل الفكرة المستهدفة بالود والإحسان مع وجود حجة قوية لإقناع المستقبلين بالفكرة.لابد من إظهار مبررات الفكرة ومميزاتها والأسباب التي تستند إليها للمستقبلين، الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية على إقناع المستقبل بالفكرة. أيضا، ضرورة اختيار الألفاظ والتعابير والكلمات بعناية فائقة لعرض الفكرة بطريقة مناسبة.
إلقاء الجمل بصيغة تشويقية بعيدًا عن التخويف والضغط وفرض السلطة والرأي. الإتصال الجيد بالمستقبلين مما يولد بينهم الشعور بالإحترام والإهتمام المتبادل بين الطرفين. كل هذا يسهل عملية استقبال المعلومات وتبني الأفكار المطروحة بشكل أفضل. العمل على إشعار المستقبل بجدية البحث عن الحقيقة، ليس المهم أن يثبت المحاور أنه على صواب، بل الأهم هو أن يصل الجميع إلى نتائج حقيقية ومنطقية خالية من الإنتصارات الشخصية. ضرورة البعد عن الأهواء والرغبات الفردية الشخصية عند القيام بطرح الفكرة حيث أن شعور المستقبلين بأن ناقل الفكرة ليس له فائدة شخصية يسعى إليها من وراء حديثه تجعلهم يثقون به بشكل أسرع.
علينا مراعاة المواضيع التي يتم اختيارها مع توفير معلومات مؤكدة عنها والتي تثبت صحة الكلام، ضرورة الإلمام بأحوال وأوضاع الطرف الأخر وأفكاره والقيم والمبادئ التي يؤمن بها والتحلي بالصفات الجميلة التي تجذب الأخرين كالخلق الحسن والصدق والأمانة، واختيار الأسلوب المناسب في الحوار. يجب علينا تطبيق اللاعنف في حياتنا وعدم الحكم على الآخر حتى تكون حياتنا أجمل، تجنب التعامل بطريقة لوم والمعاتبة للحصول على تواصل فعال وهادف. علينا أن نكون مثل الزرافة قلوبنا كبيرة ونقية لا تحمل أحقاد وضغائن. يجب على كل منا أن يعي ثقافة الرأي والرأي الآخر يعنيأن يقوم الإنسان باحترام أي فكرةٍ مخالفةٍ لفكرته الأساسية. الإستماع إليها بشكلٍ كامل، ومن ثم مناقشتها بكل موضوعيةٍ وحياد، في جوٍ من الهدوء ورحابة الصدر، دون التحيّز إلى رأيه الشخصي، وفرضه بالقوّة على الطرف الآخر، وفي ذلك رحمةٌ للأمم وتيسيرٌ لأمورها، ومن خلالها يتطوّر الإنسان، ويرقى نحو الأفضل.
نوال مسعود