التطوع طريقك للتخلص من الوحدة

 التطوع طريقك للتخلص من الوحدة

نشعر أحيانا بالرغبة في أن نكون لوحدنا، منعزلين عن الناس، انطوائيين على أنفسنا، اذ ينتابك شعور قوي بالفراغ والعزلة. في حالة شعور الشخص بالوحدة يصبح الفرد يشعر بعدم الرغبة برفقة أحدهم، أو الرغبة بفعل شيء مع شخص آخر. الوحدة هي الشعور بكونك مقطوع عن الآخرين، منعزل عن الناس الآخرين. في بعض الأحيان، الشخص الوحداني يجد صعوبة في أي شكل من أشكال الإتصال مع الناس الآخرين. يواجه الناس الوحيدون في أغلب الأحيان إحساس شخصي مِنْ الفراغِ أَو بوجود فجوة في داخلهم من مشاعرِ الفراق والعزلة عن العالم وأنه وحيد في الدنيا لا يوجد من يعينه أو يشاركه همومه.

الوحدة شعور مؤلم ولكل سبب مسبب.  هنالك الكثير من الأسباب التي تعزى إليها الإصابة بالوحدة منها الإنتقال إلى مكان جديد، والإنتقال إلى بيئة جديدة‘ حيث أنها بيئة جديدة ولا يوجد أحد من أصدقائك أو معارفك معك. لكن، تكون هذه عبارة عن وحدة مؤقتة ومع مرور الوقت ستعتاد على هذا المكان وتتكيف مع من حولك. شعورك بالوحدة وسط الناس حيث أننا في كثير من الأحيان محاطون بأشخاص ليست من نفس اهتماماتهم، وبالتالي لا نشاركهم في الحديث، وتبقى وحيدا. أيضا شعورك بوحدة فقدان الحضور والتي تنشأ حينما تفقد شخصا عزيز عليك أو تحبه، إذ انه يشعر بالفراغ العاطفي والوحدة بعد ما تركه هذا الشخص. هناك شكل آخر من أشكال الوحدة، وهي الوحدة العاطفية التي نشعر بها حينما لا يكون هناك شخص نتشارك معه عواطفنا أو أهتماماتنا، تجاربنا، وأمور حياتنا. في حالات فقدان شخص عزيز قد يعرضنا للشعور بالوحدة، وحالات انفصال الأهل والطلاق، يشعر البعض بالوحدة. أيضا قلة الثقة بالنفس واحترام الذات قد يدفع البعض إلى الشعور بالوحدة. قد يتعرّض البعض للإيذاء والرفض من قبل الآخرين، اذ هنا يشعرون أنه من الأفضل الإفتراق. والبعض منهم يصبح وحيدا لأسباب أخرى معقدة، مثل المكتئب يصبح وحيدا من كثرة الألم والضغوطات ولا يريد رؤية أي أحد، ويشعر بأن لا أحد يرافقه يسعده.

نمر جميعنا في مرحلة الشعور بالهجران وخاصة عندما يتركنا أشخاص نحبهم وعزيزين علينا. أشخاص اعتدنا ان نبوح لهم بأسرارنا أو ما نشعر به. أشخاص كنا نستمتع بالجلوس معهم وفجأة يهجرونك ويتركونك، وحينها تشعر أنك وحيد حتى وإن كان الآخرون من حولك، لأنك تريد مرافقة الشخص الذي يفهمك وتفهمه، وهنا ترغب بان تعزل نفسك عن كل الناس وتتقوقع، وأن تنطوي بأفكارك، بعد أن تم هجرانك من أعز الناس، من أعز الاصدقاء. إنه لشعور قاسي ومؤلم ولا يفهم من الكلام، بل بالتجربة. لا تستطيع فهم شعور الفرد بالوحدة، الا عندما تكون في موضع الشخص. قد يهجرك البعض لصفات في شخصيتك، ترى العديد من الناس يتم هجرهم لأجل ضعف أو علة في شخصيتهم. مثلا، لا يحب الناس التعامل مع الشخص الخجول بحكم أنه خجول ويصعب التواصل معه نوعا ما. وايضا، الشخص الذي يكون معظم وقته محرج، ويتكبد العناء في التعبير عن نفسه أو في التواصل مع الآخرين، الناس قد لا تفضل التعامل معه. وعندما يبدر من شخص ما حماقات، فإن الآخرين لا يحبذون مصادقته او حتى مرافقته، بل يمكن هجره وتخلي الناس عنه.

يصعب على البعض التفريق بين العزلة والوحدة.  تشيرالعزلة إلى السعادة نظرا لكون الشخص بمفرده، نحن نحتاج إلى الوقت الخاص بنا سواء كان للتأمل، أو للتفكر أولمراجعة أمور حياتنا، أو حتى لخلق جو من الخصوصية. الوحدة تكون طويلة المدى وذلك حسب تشافي الفرد من الشعور السلبي، ويكون الشخص حزين أو متألم لشعوره بالوحدة. عندما نسمع كلمة شخص مهجور ومتخلى عنه، أو حتى شخص يشعر بالوحدة ننظر الى الأمر بسلبية، ولكن في حقيقة الامر قد يكون من الجيد أن نقضي بعض الوقت مع أنفسنا؛ إما للتفكر، أو لمراجعة أنفسنا، أو الجلوس مع الذات واكتشافها وتطوير الذات بعيدا عن التشتت الخارجي. قد يكون من الأفضل أن يعزل الشخص نفسه عن الأشخاص الذين يهدرون وقتهم في الحديث عن الآخرين، وفي الحديث عن أمور تافهة، اذ يرون في العزلة عدم تضييع لوقتهم، بل استغلاله في أمور مفيدة. أيضا، قد نقصد العزلة للعبادة، حيث يحتاج الفرد أن يعزل بنفسه عن الناس ليتواصل مع الخالق ومن أجل أن يثري روحانياته.

أحيانا تستخدم مستشفيات الأمراض النفسية العزلة الكاملة أو الجزئية لعلاج المرضى، وخاصة النوع العنيف أو التخريبي، من أجل توجيه احتياجاتهم الخاصة ولحماية باقي المرضي من نفوذهم أو التأثير السلبي عليهم. كما يمكن استخدام مفهوم العزلة كعقاب، إذ تستخدم العزلة على شكل الحبس الإنفرادي للسجناء المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة كنوع من العقاب. في وقتنا الحاضر، الكثيرين يقضون معظم وقتهم على شبكات التواصل الإجتماعي وذلك ما اسفر عن شعور الكثيرين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الشعور بالوحدة. الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته والتواصل الفعلي مع الآخرين هي حاجة فطرية مهمة، لكن مجتمع شبكات التواصل الاجتماعي قلل من فرص التواصل الفعلي مع الناس، وابعدنا عن العلاقات الانسانية الواقعية. في دراسة علمية حديثة أجراها باحثون في جامعة بيتسبرج الأمريكية، كشفت هذه الدراسة أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعية لأكثر من ساعتين يوميًا يسبب مضاعفة فرص الإصابة بالشعور بالوحدة الاجتماعية.

الشعور بالوحدة مرض خطير، هناك الكثير من الأضرار والمشاكل الصحية التي يمكن أن يتعرض لها الجسم تتمثل بأمراض تصيب الجسد وتضعفه، تورمات غير صحية داخل الجسم ، وزيادة في الوزن ومقاومة الانسولين التي يمكن أن تسبب الإصابة بالسكري. باالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم وصعوبة النوم والإكتئاب، الصداع، وارتفاع خطر الإصابة بالخرف. أيضا يؤثر على نفسية الفرد، اذ انه في حالة دائمة من الانزعاج ويتعكر مزاجه ويصبح تفكير الفرد سلبي ومتجاهلا الأمور الإيجابية التي من حوله. غير أن الفرد يجد صعوبة في التواصل مع غيره وتتراجع مهارات التواصل لديه. نستطيع التخلص من الشعور بالوحدة بعدة طرق؛ الإختيار الصحيح والحكيم لأصدقائنا، وأن يكون للشخص أهداف في حياته يحققها ويطورها، وأن يعرف الشخص كيف يدير وقته، ويقلل من جلوسه على شبكات التواصل الإجتماعي. ومن أجل أن تتغلب على مشاعر الوحدة عليك أن تكون مدركا لعواطفك وأن تفهم نفسك جيدا، أن تعرف كيف تنتشلها من الوحدة.

أشير هنا إلى التطوع  كطريقة من طرق التخلص من الشعور بالوحدة. مفهوم العمل التطوعي واسع، ولكن يعرف على أنه بذل مجهود فكري وبدني واستثمار الوقت والطاقة من أجل تقديم المساعدة لأشخاص يحتاجون لها بمقابل بسيط او دون مقابل مادي. هناك العديد من الفوائد للعمل التطوعي حيث أنه ينمي من مهارات التواصل ويوسع من شبكة المعارف والعلاقات. التطوع  يقوم على التفاعل المباشر مع الأشخاص ويعطي المتطوع فرصة لتنمية مهاراته الخاصة المتعلقة بالتواصل مع الآخرين خاصة أنه يتعامل مع أشخاص من خلفيات متنوعة ثقافياً واجتماعياً واقتصاديا.كما ويتقبل المتطوعين بعضهم البعض وهدفهم مشترك للقيام بالنشاط التطوعي. التطوع يعلم الفرد مهارات حياتية جديدة مثل ضبط النفس وتنظيم الوقت وإدارة الفريق والتعاطف والرغبة بالمساعدة وتقديم يد العون وكل هذه المهارات الحياتية تعزز من الصفات الإيجابية لدى الشخص وتدعم نقاط القوة في شخصيته. كما ويعتير التطوع وسيلة مفيدة للترفيه وقضاء أوقات من المتعة والتسلية والمرح مع الأصدقاء. الأهم من ذلك كله، أن الأشخاص الذين يشاركون في الأعمال التطوعية هم أقل عرضة للشعور بالإكتئاب ذلك أنهم يشعرون بالإيجابية والسعادة والرضا عند مساعدتهم للآخرين، وفي دراسة نشرتها غارديان البريطانية تقول إن التطوع ساعتين أسبوعيا يقلل من الشعور بالوحدة.

سلام عثمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *