تنتابنا مشاعر مختلفة، منها ما يفرحنا، يبكينا ومنها ما يشعرنا بالخجل إذا تعرضنا لها. المشاعر هي جزء لا يتجزأ من كل إنسان، قد لا نجد لها وصفا وربما لا نعلم كيف تنتقل بنا هذه المشاعر لتصرفات لا نفهمها ولا نفهم جذورها النفسية. في عام 1980 قام العالم بولتشيك بتلخيص المشاعر الـأساسية التي يمر بها الإنسان إلى ستة مشاعر رئيسية، صنفها لمشاعر تتسبب بالحب وهي السعادة، القوة والطمأنينة. ومشاعر أخرى تتسبب بالعار وهي الإهمال، الخوف والكبح. من أجل أن ينتقل الإنسان من مرحلة العار للحب عليه أن يتسم بالغفران لنفسه وللآخرين إنّ الأفكار والمشاعر أمران متكاملان لا يصلح وجود أحدهما دون الآخر. لكن، قد تكون بعض المواقف التي نمرّ بها في الحياة تتطّلب منا الإنصات إلى أفكارنا والتصرف بعقلانية بعيداً عن المشاعر. قد نصف الكبح بتعريفات عدة لكننا لا نعرف جذورها النفسية أو التصرفات التي تنشأ عنها، التحكم أو السيطرة، والتي تقوم بإدارة أو إعطاء أوامر، أو توجيه أو تنظيم شيء ما. يكون التحكم إما بالأحاسيس أو في إختيار الأفكار. مثلاً، في وقتنا الحالي، كثُرت أعمال التسلط والإجبار في عدّة سياقات خاصةً ضمن الأسرة والعمل وحتى في محيط الأصدقاء. إن شعور الفرد بالتحكم والخضوع ليس سهلا، إذ يولد لديه شعور بعدم الثقة بالنفس ممّا يسبب الارتباك والحيرة. الإنسان الذي يفهم مشاعره يستطيع أن يقود حياته، حيثُ أنّ المشاعر تلعب دور أساسي في تكوين الشخصية وفي بناء السلوك والصفات الخُلقية وبناء الحافز والدافع. هناك ستة مشاعر أساسية تقودنا في الحياة ويوجد للكبح ستة جذور حسب عجلة المشاعر هي: القلق، الخضوع، العجز، الحيرة، اليأس، والخوف.
اذكر كيف كنت قبل أن افهم نفسي، يتحكم بي انغلاق فكري لا أعرف كيف أعبر عنه أو أخرج منه. كنت في ذلك الوقت لا أعرف أن الذي أمر به هو كبح من نفسي لنفسي، دفعت ثمناً لشعور لم افهمه فرصاً لم احز عليها واياماً لا افهم بها ما أمر به. كلفني معرفة نفسي وفهمها سنينا من عمري لأعرف ما مررت به وافهم جذور هذا الشعور والتعريفات التي قد تنطوي عليه. في احد المواقف التي مررت بها والتي دلت علي انغلاقي علي نفسي احساسي بأني شخص غير مرغوب به في كل مكان اتواجد به. شعوري بأني شخص منبوذ ولد لدي شعور بالإنعزال والإنكسار والإنغلاق علي نفسي وكره التجمعات وعدم الإختلاط بالناس. خلال فترة انعزالي عن الناس اكتشفت شخصيتي وزدت من وعي على ذاتي وأدركت فيها مشاعري. الوعي بالشعور الذي نشعر به يؤدي إلى تسمية المشاعر نظرا إلى إدركنا لها عند اختلاط المشاعر نتيجه لحدث ما، أو لموقف معين مررنا به. يتوجب علي فعله هو الوصول إلى قاعدة الشعور الأساسية وتحليل مجموعة المشاعر المختلطه مع بعضها وإدراك أصل الشعور الذي أدى إلى اختلاط المشاعر مع بعضها البعض.
الإدراك يبدأ من معرفة وتحديد نوع المشاعر التي تتكّون بداخلنا ومعرفة صفة كل شعور وما مصدره. دائماً ما نحكم على المشاعر بالضعف والقوة، أو على أنها سيئة أو جيدة. لذا علينا أن نستكشف المشاعر التي نريد مواجهتها، مثلاً مشاعر الغضب وردود الأفعال تؤثر سلباً على تفكيرنا وعلى علاقتنا بالأخرين. لذلك، من المهم جداً أن نعي حقيقة مشاعرنا، حيث أن النظر إلى أنفسنا بطريقة واعية ومعرفة ما يجول بداخلنا هو أمر يساعدنا على تجاوز الكثير من العقبات. يتمثل الذكاء العاطفي على قدرة الإنسان على فهم المشاعر والتحكم بها ومن ثمّ عملية التحفيز الداخلي من خلال بناء الأمل والتفاؤل والتعاطف. أيضاً يهتم الذكاء العاطفي بدراسة العلاقات و تنميتها، إدرك مشاعرنا يفتح أبوباً من المعلومات المختلفة والجديدة لمعرفة سبب ما نمرّ به في مواقف معينة وسبب ظهور سلوكيات محددة دون أخرى ويجب أن ننتبه إلى تحديد نوع كل شعور نمر به ليس بالأمر السهل ويحتاج للكثير من التدريب والإعتياد والملاحظة اذ أن لكل شعور معين سلوك مرتبط به وناتج عنه.
يذكر كتاب الذكاء العاطفي “لـدانيال غولمان” أن فهم المشاعر وإدراكها والوعي بها، هي من أولى خطوات تنمية الذكاء العاطفي يليها معرفة أسباب تكون المشاعر. فهم مسببات المشاعر يساعدنا على معرفة مدى تأثيرها على معلومات السابقة ومعتقداتنا وسلوكياتنا. هناك أسباب لإحساسنا بالخوف والغضب والتحكم والأعجاب. المشاعر هي همزة الوصل بين ما نشعر به وبين السلوك الذي نقدم على القيام به. تعطينا المشاعر كماً هائلاً من المعلومات عن أجسامنا وسلوكياتنا وطرق تفكيرنا وعاداتنا. لكننا نقوم بوصف المشاعر بصفات وعناوين مبهمة (سيئة/جيدة) لكي نبرر لأنفسنا الإبتعاد عن الشعور “السيء” وتجاهله أو السيطرة على تلك المشاعر التي لانفهمها بوصفها بأحكام وصفية غامضة. بعضنا يقول لدي شعوربعد الأمان أو متزعزع بدون فهم صحيح للشعور الأساسي المسبب له.
الأحساس يجعلنا نبرر أي سلوك للتخلص من هذا الإحساس (الصراخ، الغضب، التحكم، والخوف)، ونبتعد عن فهم اسباب هذا الشعور أو إدارته أو التعامل معه. تكبر بمرور الوقت كره الثلج المتكون من المشاعر المختلطة ويتم التعامل معها كلها بنفس السلوك. تولد نتيجة رغبات وحاجات ودوافع المشاعر لامنطقية وغير منتظمة. المشاعر تحفز أنواع مختلفة من المنبهات التي تغذى عقلنا الباطن ماقمنا بجمعه وربما نسيانة على مر السنين من مواقف مختلفة يتم تخزينها واخفائها في العقل الباطن. عقلنا الباطن دائم الاستعداد للتصرف مع المواقف التي تسبب لنا الإجهاد النفسي بإخفاءها وخصوصاً ان ابتعدنا عن مواجهتها، لذا هو يلجأ لمساعدتنا في الرد (الصراخ – التعنيف – التحكم – التسلط).
من أجل إعادة التوازن والشعور بالأمان المعهود، المشاعر وسيلة لقراءة وفهم الاخرين. نحن نسمع من الآخرين تعابيرهم اللفظية المختلفة عن الحزن ونرى مظاهر الفرح عليهم، ونربط ذلك بما مررنا به. نتبع السلوك المناسب لموقف معين دون اخر غير مقبول. مثلاً، هل يعقل أن يتحكم شخص ما في قررا في حياتنا ,يتصرف كأن شىء لم يكن، وقد سلبت ارادته في التحكم في نفسه؟. من المهم تنظيم استخدام المشاعر ومعرفة المشاعر والوعي بها وتحديدها ومعرفة أسبابها، حيث أن ذلك يساعدنا على اختيار السلوك المنطقي والملائم وهذا بدوره سيؤدي إلى شعور ينتج على شكل سلوك معين. هذا الإحساس أو السلوك، سيحث عقلنا على البحث عن أكثر سلوك معهود آمن استخدامه من قبل من أجل الوصول للطمأنينة والإتزان. نحن نملك اختيار سلوكنا والتجكم بمشاعرنا، لكننا قد نكون في كثير من الأحيان نبحث عن حلول سريعة، ولذا، نبتعد عن البحث عن نوع الشعور المتكون ومعرفة سببه أو استخدام السلوك الملائم له!.
رنا ماجد