الخوف هو أحد المشاعر التي تعتري الإنسان في حياته وكل منا لديه دائرة مخاوف تعامل معها من قبل سواء استطاع التخلص منها أم لا يزال يتعامل معها مرارا. وهو أحد المشاعر الأساسية في عجلة المشاعر التي اقترحها روبرت بولتشيك؛ أي هو شعور بدائي عابر للجميع بغض النظر عن اختلافاتهم. ويقال أن الخوف تقليد قديم ومقدس يتطور بتطور الأجيال. يقول علم النفس التطوري أن بعض المخاوف مشتركة بين كل الثديات منذ الحقبة الوسطى، الإنسان مثلا يولد بمخاوف مثل الخوف من الصوت العالي والحركات المفاجئة. مع هذا فإن الإنسان قد يتعلم الخوف من صدمة أو من مجرد ملاحظته في عيون الآخرين. في حياتنا اليومية لا نجد صعوبة في استخدام كلمة خوف في محادثاتنا، أظهرت ملاحظة داروين المفصلة للسلوكيات العاطفية عند البشر أن التصرفات كانت متشابهة في حالة الخوف وهذا يدل على نقطة بداية واحدة لهذا الشعور ولو تعددت سلوكياتها وباختلاف المسبب.
تشير عجلة المشاعر، أن الخوف له عدة أعراض تظهر بشكل جلي أن الشخص ينتابه شعور الخوف ألا وهي الإنتقاد، الأنانية، الغضب، العدائية، الصدمة والكره. أما عن الجذور النفسية للشخص الكاره فأولها هو الإنزعاج، أي أن الشخص الذي يشعر بعدم ارتياح سواء بسبب المكان أو البيئة أو حتى عوامل شخصية أو صحية وتظهر بعض الأعراض جلية على هذا الشخص لتدلنا أنه منزعج كالعصبية، التوتر، القلق، الشعور بالخطر. بالعادة يسلك الإنسان المنزعج سلوك الكره لمن حوله وفي العادة نحن ننظر لهذا الشخص بعين الناقد، لكن إن فهمنا جذور المشكلة النفسية عرفنا أنه خائف ويحتاج التعزيز والتفهم ليصبح أفضل. الجذر النفسي الثاني للكره هو الامتعاض وهو الشعور بالاغتياظ الغاضب ويتصرف الإنسان وفقا له بالانتقاد اللاذع ومحاولة اظهار الشخص الآخر بصورة سيئة، ويلاحظ هذا السلوك عادة عند الأطفال واليافعين والتصرف الصحيح له هو محاولة استيعاب أسباب الخوف ومعالجتها. إذا ما وضع الإنسان تحت اختبار لمشاعره حين يكون خائف فهناك علامات تظهر جلية كالتعرق، الارتجاف، الشعور بالتعب العام والضعف، زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم.
أذكر جيدا الشعور الذي اعتراني حين طلب مني زميلي في المدرسة بأحد الرحل المدرسية صعود أحد ألعاب مدينة الملاهي مرافقا له، أذكر الخوف الذي عرفت حين عرفت نفسي أنه شعور طبيعي وعلي أن لا أزجره أو أزجر نفسي كما زجرني الزملاء في الصف ووصفوني بالخائف أو الغير كفؤ. أن نعلم أطفالنا كيف يفهموا أنفسهم والآخرين وأن نصل وإياهم إلى دائرة الإدراك الحقيقية لذواتنا ومشاعرنا وهذا لا يحدث إلا بفهم وتجارب حقيقية وصحيحة للأساليب والصحيحة والخاطئة والموروثات الثقافية التي جرمت مشاعر الإنسان الطبيعية، بناءا على تفصيلات أخرى كالجنس والعمر، والآثار الناجمة عن كل منهما.
رغم ذلك هناك مخاوف مرتبطة بكل مرحلة عمرية؛ على سبيل المثال في عمر الخامسة يخاف الطفل من فقدان أحد والديه وكنتيجة لهذا الخوف قد ينتقل الطفل بخياله لحدث في المنزل كسارق مثلا ويبدأ بالإشارة إليه وتصديقه أو قد يبكي لأن أحد والديه غادر المنزل. تعتبر هذه التصرفات سهلة التعامل معها إذا فهمنا أسبابها وحاور الوالدين طفلهما وفهما ما يجول في رأسه، وتبعا لتنوع مثيرات ثقافات الخوف الطفولية ومسبباتها الحسية كالخوف من الظلام أو غير الحسية كالخوف من الأشباح تختلف طرق التعامل معها. علميا ينشأ الخوف تجاه حافز معين بتجنب التعلم الطبيعي وهو الميل المحدد لتجنب تهديدات أو مؤثرات معينة، ليصل عقل الإنسان في النهاية كرد فعل دفاعي قد يكون الهروب أو القتال، والتي تشمل أيضا العدوان الزائف، أو العدوان الوهمي أو التخويفي وكل هذا يعبر عن بعض ردود الجهاز العصبي الودي حفاظا على حق الإنسان ليصل إلى النجاة في نهاية الأمر. في الواقع نحن نعلم قدرا هائلا عما يحدث في الدماغ عندما تصبح المنبهات الموجودة أثناء الخطر محفزات للذاكرة؛ حيث ينشأ الخوف كعملية لا إرادية عن طريق مساران يحدثان معاً، الأول سريع وفوضوي والآخر بطيء ومنظم، هذه المعلومات تنتقل من خلال ملايين خلايا الدماغ وتوجد عشرات المناطق مرتبطة بها، لكن الأبحاث اكتشفت بعضها ممن تلعب دور رئيسي لشعور الانسان بالخوف وهي المهاد، القشرة الحسية، شق الحصين واللوزة تحت المهاد.
بالنسبة للوقت الحالي فإن المخاوف تنتشر أكثر من أي وقت مضى، ربما يعزى هذا إلى نمط الحياة التي نعيشها. يرتب الدكتور لانغ أخصائي الأمراض النفسية الروسي المخاوف حسب انتشارها ويقول أن الخوف من الوحدة هو أكثرها اتتشارا يليه الخوف من عدم القدرة على الإنجاب ثم عدم وجود شخص يحبك فالخوف من خسارة العمل والذي ازداد في جائحة كورونا المستجد. على الإنسان أن يتعلم كيف يحسن استخدام مشاعر الخوف؛ فإن فعل سيصبح بإمكانه أن يحولها لحافز للنجاح، وبالنظرة الإيجابية يستطيع المرء أن يتقن عمله أكثر؛ لأن الجهد الذي يضعه لزيادة الإنجاز يكون أكبر. من هنا يمكن للإنسان الذي يعي تصرفاته تحويلها من شعور يمكن أن يدمره إلى شعور يجعله أفضل. مثلا حين يخاف الانسان من الاختبار فإن تحضيره له سيكون أفضل مما لو كان مطمئنا.
أدرنالين الخوف الذي عرفه بني البشر في كل الحقبات التي عرفوا بها، وصنعوا منه فنا تارة وفلكلورا شعبيا يحكى ويرى تارة أخرى. الخوف الذي حفظ الانسان الأول حينما عقله، وعلمه كيف يبقى ويتطور، يدمنه البعض فيسميه تجربة جديدة ويهابه البعض فلا يقتربون منه، ويطلبه قسم آخر ويستمتعون به. كيف نتعامل معه في مجتمعاتنا ونعترف به شعورا طبيعيا يعتري الجميع ونعرف جذوره والسلوكيات التي قد تنشأ عنه. تعلم البشر علوم الشعور وخاضوا فيها أشواطا وما زال العلم فيها بحرا لا ينضب، وهذا الإنسان الذي هو الاستثمار الأول في المجتمعات الناضجة التي ترجو تقدما، عليه أن يفهم نفسه ومن حوله ويحلل تصرفاتهم ويفهم ما يطرأ على النفس يغيرها، الخوف الذي يطل على الأنفس يرهقها تارة ويحفزها تارة أخرى. نفر إلى أنفسنا إذا فهمناها إليها ونفر إلى منفى يفهم بشريتنا إذا ما وجدناه. وإذا ما صلحت الأسر صلح ما دونها. ربما حان الوقت لنتفهم معنى المشاعر والتأثير النفسي لها على كل منا وعلى عائلاتنا. فنتصير نحب إنسانيتنا ولا نزجرها، وفقط إذا بدأت رحلة العناية بكل من نتعامل معه بدءا بأنفسنا من الداخل، تعلمنا الدنيا وجعلناها معنا لا علينا وعرفناها في الخارج.
مريم رمزي
المصادر:
Author Manuscript, (2014). The Biology Of Fear. United States. PMC
(2020). سايكولوجيا الخوف. 20/4/2020. مدونة، أنا أصدق العلم.
(2020). عالم روسي يكشف الرهاب الأكثر انتشارا. JO 24
الزبون، أحمد (2005). سيكولوجية الطفولة وثقافة الخوف. (2006). جامعة البلقاء التطبيقية.