لسنا بحاجة إلى تقديم الخوف؛ فكل منا قد مر بهذا الشعور، وهو حالة وجدانية، نشعر بها بأنفسنا وتعاودنا مرة تلو الأخرى. وفي واقع الأمر إن الخوف هو أحد الإنفعالات المتغلغلة والمنتشرة بين بني الإنسان، من البديهي أن نفترض أن غالبنا قد عانى من الخوف في بعض أوقات حياته. لذلك، قد يختلف تعريف الخوف باختلاف العلم الذي يعرفه، سيكولوجيًا؛ حسب كتاب دائرة المعارف السيكولوجية الخوف: “هو غريزة طبيعية فطرت عليها نفوس البشر والحيوانات على السواء وهو إنفعال مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمحافظة على البقاء”. علميًا؛ هو استجابة للتهديد الفوري، تحدث تلك الإستجابة في منطقة من الدماغ تسمى الجسم اللوزي الذي يقع داخل الفص الجبهي أمام المخيخ. هكذا دواليك، إلا أن ما يقلق حقًا حيال الخوف هو أنه يتسبب بالعديد من السلوكيات السلبية.
الخوف حسب عجلة المشاعر
لنعي ما يتسبب به الخوف علينا النظر إليه على أنه إحدى المشاعر الطبيعية التي تحصل لنا، ولكنه قد يترجم على صورة سلوكيّات سلبيّة نرتكبها. بدايةً يرى أن الخوف يظهر بسبب الشعور بالخجل وبالطبع يكون بحالات متعددة كالصدمة والعدائية والغضب والأنانية والكره والانتقاد. وكل من الحالات السابقة نراها على شكل سلوكيات يرتكبها أشخاص يتبين أنهم كانوا خائفين لقيامهم بهذه السلوكيّات. لتتضح الصورة علينا أن نطرح مثالًا ونحلله حسب ما سبق؛ لو كان أحدهم خائفًا من أن يتعرض للظلم في إحدى الامتحانات سيخاف من أن يشعر بالخجل من علامته، وهنا يكون الشعور بالخجل هو مسبب الخوف. لذا قد يصبح ذات الشخص عدائيا، هنا تكون العدائية حالته نظرًا لأنه خائف. ستظهر عدائيته هذه على شكل سلوكيّات كأن يصبح ساخرا أو كارها لما حوله. هنا تصرفات ذاك الشخص الساخرة والكارهة تكون سلوكيّات تسببها الخوف.
أين تكمن سلبيّة الخوف؟
نحن مقدمين على حياتنا لا بد أن ندرك أن الخوف يمنعنا من التقدم لا محالة، والأمثلة على ذلك كثر؛ قد يمتنع أحدهم عن الإقدام على بدء مشروعه خوفًا من الخسارة، وقد يرفض أحدهم التغيير خوفًا من الخروج من منطقة الراحة، وقد يمتنع أحدهم من تقديم نفسه خوفًا من الناس بحجة أننا كائنات اجتماعية نجد أن العديد من اهتماماتنا تدور حول كيف ينظر إلينا الآخرون أو ربما كيف يقيمونا وينتقدونا.
كثيرا ما أستشهد بحكاية العالم غريغور مندل، وهو مؤسس علم الوراثة الكلاسيكي والرائد المشهور فيه، قد كان طالب موهوب وواعد وبسبب سجله الأكاديمي الصّرف قُبل في جامعة فيينا الشهيرة لمواصلة أبحاثه ودراساته في العلوم الطبيعية. في أثناء وجوده هناك حصل على تعليم من الدرجة الأولى من بعض الأكاديميين الأعلام في عصره. على الرغم من ذلك، أظهر مندل حالة شديدة من الخوف؛ في كل مرة كان عليه أن يواجه امتحانًا جامعيًا مهمهًا، كانت تسوء حالته مستغرقة شهورًا ليتعافى ويعود إلى عمله الأكاديمي. نتيجة لهذه الحالة الخطيرة والموهنة أصبح مندل غير قادر على إكمال عمله الأكاديمي واضطر إلى ترك الجامعة من دون استكمال درجته العلمية؛ هكذا وقف الخوف حائلًا أمام تقدمه الأكاديمي والمهني.
هل يمكننا النظر إلى الخوف بإيجابية؟
يرى العالم موشي زيدنر أن هناك جانب إيجابي من الخوف وهو أنه يدعونا للفعل والاستجابة أمام ما يهدد حياتنا، صحيح أني لا أستطيع أن أقول كما قال الفيلسوف والسياسي الإنجليزي ستيف هوبز هو أن الخوف كان العامل الرئيسي في نشوء الدولة والحضارة، إلا أن هناك بعض الأمثلة التي يمكننا أن نرى فيها الخوف كمحرك فاعل ودافع قوي للعمل، مثل خوفنا من الإخفاق في أحد الامتحانات والدراسة له جيدًا، والخوف من الفشل في العمل وبذل مجهود مضني لأجل التميّز به، وخوف إحدى المجتمعات القديمة من كسوف الشمس وتجمعها سوية لأجل الدعاء بزواله.
في سياق الأمر قد أشار عدة من العلماء بأن الخوف يشكل الأنساق السلوكية التطورية، كما نشأ الخوف من الحيوانات، مثل خوف البشر من الحيوانات المفترسة في عصور ما قبل التاريخ. في حقيقة الأمر فإن الإنسان الحديث يتفاعل بالخوف مع كل المثيرات التي شكلت فيما مضى تهديدًا لبقاء أجداده على قيد الحياة مثل الأماكن المفتوحة والضوضاء الصاخبة والأماكن المرتفعة، على الرغم من أنها لم يعد لها نفس الأثر في الوقت الحالي، حيث أصبحت تهديدًا بسيطًا، إن لم يكن منعدما. الخوف قد يولد العمل في العديد من التجارب الحياتية ولكن هذا يحصل بالطبع إذا ما لم يتفاقم الخوف ويصبح عائق أمام الشخص ويوقف دماغه عن العمل، كما قال السياسي الإيرلندي إدموند بيرك -الذي قدم دراسات في الثورة الفرنسية وحللها ونظر إليها من جانب سيكولوجي: “لا تستطيع أي عاطفة أن تسلب بشكل فعال قدرته على التصرف والتفكير مثل الخوف”.
كيف تعامل الطب مع الخوف؟
قد نطمح نحن البشر للسيطرة على كل المشاعر السلبية بحل مادي ملموس فعال، وهذا ما قامت عليه عالمة النفس في جامعة بون خلال أحدث دراساتها البحثية، كان هدف الدراسة بسيطًا: إدخال هرمون في أنوف 62 رجلاً على أمل أن يزول خوفهم. كان الهرمون عبارة عن الأوكسوتوسين، والذي يُطلق عليه غالبا “هرمون الحب” نظرًا لدوره الحاسم في العلاقات بين الأم والطفل، والترابط الاجتماعي. لكن يبدو أيضًا أن لهذا الهرمون تأثيرًا كبيرًا مضادًا للخوف. إعطاء الأوكسوتوسين للأشخاص الذين يعانون من الخوف في حالات معينة، ومراقبة النشط في اللوزة -التي تعد مركز الخوف الأساسي في أدمغة الإنسان والثدييات الأخرى-. بدايةً أخضعت مونيكا المتطوعين الذين تجرى عليهم الدراسة لمخاوفهم وفي صورة الرنين المغناطيسي ظهر نشاط في الجزء المسؤول عن الخوف. لكن بعد وقت أدخلت الهرمون لأجسادهم عبر الأنف ولاحظت أن النشاط في ذلك الجزء من الدماغ قد قل. أثبتت نتائج دراستها أنه من الممكن الوصول لعلاج هرموني أو جيني لمواجهة الخوف عند بعض الأشخاص.
كيف يمكنني مساعدة نفسي في إدارة الخوف؟
بدايةً حاول مواجهة خوفك إذا استطعت، فإذا كنت تتجنب دائمًا المواقف التي تخيفك، قد تتوقف عن فعل الأشياء التي تريدها أو تحتاج إلى القيام بها. ثم اعرف نفسك؛ أي حاول معرفة المزيد عن خوفك أو قلقك. احتفظ بمذكرات الخوف أو سجل الأفكار لتدوين وقت حدوثه وما يحدث. يمكنك محاولة وضع أهداف صغيرة يمكن تحقيقها لمواجهة مخاوفك. يمكنك أن تحمل معك قائمة بالأشياء التي تساعدك في الأوقات التي يحتمل أن تشعر فيها بالخوف. يمكن أن تكون هذه طريقة فعالة للتعامل مع الأشياء الأساسية الكامنة وراء خوفك. بالطبع هناك العديد من النصائح المشتركة التي يوجهها الأخصائيين وبالطبع تساعد على تجاوز الأمر: مثل الإسترخاء الذي يمكنك تعلمه بتخيل نفسك في مكان مريح. وتجربة تعلم أشياء قد تساعد على ذلك مثل اليوجا أو التأمل، وتناول الكثير من الطعام الصحي وتجنب السكريات، وبالطبع الروحانية.
إن لمفهوم الخوف تاريخًا طويلًا متغيرًا منذ بدء دراسته وتحليله في العصر الكلاسيكي اليوناني، إلا أن تطور من ناحية المفهوم بالتوازي مع تطور الوعي بالذات في الفكر الغربي، ولكن الثابت فيه أنه علينا التعامل معه بكل عقلانية ووعي لنتجنب ما يؤثر علينا سلبًا منه.
ضحى خالد أبو يحيى
المصادر:
- كتاب القلق، موشي زيدنر، طبعة أولى 2016، سلسلة عالم المعرفة.
- كتاب المخ البشري-مدخل إلى دراسة السيكولوجيا والسلوك، كرستين تمبل، طبعة أولى 2002، سلسلة عالم المعرفة.