ما لا نراه في الخوف

ما لا نراه في الخوف

تتفق العديد من الدراسات والأبحاث الإنسانية الإجتماعية على وجود اختلاف ما بين عاطفة الإنسان (emotions)، وأحاسيس الإنسان (feelings)؛ إذ  تنظر الى العواطف كإستجابات أو ردود فعل عصبية فيزيولوجية تطلقها محفزات ومثيرات خارجية أو داخلية، إذ تشير الكثير من الدراسات الى كون العاطفة جانبها جسدي، بينما تشير الى المشاعر ذات جانب عقلي؛ وتعرف المشاعر بإدراك الذات لمشاعر معينة، كونها تعبيرا ذاتيا لمشاعر الأفراد.

الخوف هو مخلوق شعوري أودعه الله في كل مخلوقاته؛ إذ يعتبر محفز ذاتي للتقدم والمنافسة في العمل والاستعداد المسبق لمواجهة تحديات الحياة؛ مثلا: الخوف من الفشل في العمل او في الدراسة يحفزك بإستمرار الى تقديم ما هو أفضل تجنبا للفشل، وايضا ضمان استعدادك الدائم للتعامل بشكل فعّال مع التهديدات الحياتية التي تواجهك في بيئتك ومُحيطك؛ لذا عندما ترى الأسد فمن في الغابة فمن الطبيعي أن تخاف وتهرب منه لتبقى على قيد الحياة، بالاضافة  الى أن الشخص الذي يغامر ويجرب أشياء جديدة، هو بذلك يكسر ويبدد مخاوفه. يفرز دماغك هرمونات من شأنها تحسين حالتك النفسية مثل: هرمون الدوبامين ،هرمون السيروتونين، والأدرينالين المعروفة بهرمونات السعادة.

 بالطبع، كل شخص لديه طريقته الخاصة في التعبير عن خوفه، وكل شخص يعبرعن خوفه بطريقة تختلف عن الآخرين. يمكن أن تشمل التعبيرعن الشعور بالخوف إما بتعبيرات الوجه مثل توسيع العينين، أومحاولات الاختباء، والتفاعلات الفسيولوجية مثل التنفس السريع وسرعة نبض القلب، وغيرها. بيد أن الخوف اذا أصبح يعيق تقدم وتطور الشخص ويؤذيه، إذ أننا هنا نتكلم عن شعور سلبي اختلقه الإنسان بينه وبين نفسه، وهنا أصبح الخوف مرض ويجب معالجته قبل التفاقم؛ مثلا: خوف المرء من تقديم نفسه والتحدث أمام الناس، لذلك هو يمكن أن يقلل أو يقضي على هذا الخوف؛  بممارسة التحدث امام أسرته، التحدث امام المرآة، أو النظر في أسباب هذا الخوف ومسبباته.

مرادفات الخوف كثيرة، ومنها: مشاعر العدائية، الغضب من تصرف او حدث ما، الخوف من السخرية؛ الخوف من التعرض لإنتقادات لاذعة، الخوف من الإيذاء سواء كان لفظيا، او معنويا، او سلوكيا، الخوف من الإحباط؛ خوف الشخص من التعرض لخيبات أمل، بل و يمكن الهروب من اي موقف قد يشعر الشخص انه سيخيب امله.

الآن حان دوري لأتحدث عن مخاوف واجهتني وآذتني، عندما إنتقلت الى بيئة الجامعة تعرضت الى صدمة (Trauma) كبيرة آنذاك؛ آمال وتوقعات مغايرة تمام عن الواقع، وذلك لإختلاف بيئة الجامعة عن المدرسة، اذ لم أستطع التكيف في مرحلة الجامعة، وقل تفاعلي مع أقراني والأحداث اليومية في حياتي، وأصبحت أخاف أي بيئة جديدة. وأذكر أيضا عندما كنت في المرحلة الاساسية عند أفشت صديقتي سرا لي وخانتني(Betrayed)، خانت الثقة التي بيننا، كنت في الحقيقة قد أودعت سري عندها؛ لذا أصبحت أخاف أن أثق بأي أحد، وحتى أصاب بشيء من الخجل أو العار نوعا ما عندما أذكر هذه المواقف، لن أنسى أول يوم دوام لي في مرحلة رياض الاطفال؛ شعرت بالخوف من إبتعاد والدي لي(Distant) وعدم الأمان.

هناك العديد من النظريات والنماذج التي عبرت عن المشاعر و نظرت اليها من منظورات مختلفة، ومن اهمها؛ يرى” تشارلز داروين” أنّ العواطف تساعد الأفراد على التكيّف و البقاء والتكاثر، اذ ان مشاعر الحبّ والمودّة تؤدي بالافراد الى التزاوج والتكاثر، وتكوين العلاقات الاجتماعية والصداقات، ومشاعر الخوف تجبر الشخص على القتال أو الفرار من مصادر الخطر والنجاة، وغيرها الكثير من الأمثلة الشبيهة من المشاعر. باختصار ووفقًا لنظرية التطور، العواطف مهمة لأنّها تخدم أدوارًا تكيّفيّة، هي تحفز الأفراد على الاستجابة بسرعة للمحفزات البيئية، مما يساعد على تحسين فرص النجاح والبقاء على قيد الحياة. أسس عالم النفس “روبرت بلوتشك” عجلة من العواطف هي عبارة عن خارطة للمشاعر. إذ اعتقد أن هناك ثمانية عواطف أولية ذات قطبين: الفرح مقابل الحزن. غضب ضد الخوف. الثقة مقابل الاشمئزاز. والمفاجأة مقابل الترقب. نموذجه أيضا يربط بين فكرة دائرة العاطفة وعجلة الألوان. العواطف الأولية يمكن التعبير عنها تماما مثل الألوان في كثافات مختلفة ويمكنك خلط مع واحد مع الآخر لتشكيل المشاعر المختلفة. إن عجلة المشاعر مهمة لكل شخص حتى يستطيع أن يعرف بماذا يشعر، وكيف ينتقل ويتحرر من شعور سلبي الى شعور إيجابي.

فوائد الخوف كثيرة، تحسين إدارة الضغط العصبي بعض المواقف في حياتنا اليومية تثير فينا القليل من الخوف مثل مقابلة عمل جديد أو النقاشات العائلية، وهي كلها أنواع من الخوف تسمى “الخوف الآمن” والتي تساعد الفرد على المقاومة والتعامل الجيد مع الظروف الضاغطة، وتحميه من الإصابة بحساسية الإجهاد. وايضا زيادة الروابط الاجتماعية؛  الخوف يزيد من الروابط الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء، عند الشعور بالخوف يفرز الجسم هرمون الأوكسيتوسين والذي يزيد من شعورنا بالقرب مع الأشخاص الذين نعيش معهم، بحسب عالمة الفيسولوجيا بجامعة ويستمينستر، وتحتفل بعض العائلات بعيد الرعب وهو ما يدعم التواصل والأجواء الإيجابية بينهم. وفقا لدراسة بجامعة كاليفورنيا فإن الأكوسيتوسين كذلك له تأثيرات مهدئة للأعصاب ويزيل الضغط العصبي.

إلى جانب ذلك، تعزيز جهاز المناعة يساعد الخوف في نطاقه الطبيعي على تعزيز جهاز المناعة، في دراسة بجامعة جامعة كوفنتري بانجلترا طلب من المشاركين مشاهدة أحد أفلام الرعب، وتم أخذ عينات من الدم قبل وبعد المشاهدة، ليلاحظ العلماء زيادة في نشاط خلايا الدم البيضاء التي تقاوم الفيروسات بعد مشاهدة الفيلم. إضافة الى حرق الدهون؛ عندما يتعرض الإنسان للخوف، فإن الجسم يفرز كميات كبيرة من الأدرنالين، ما يرفع مستويات الأيض ويبدأ الجسم في حرق السكريات والدهون المخزنة؛ كما تتسارع ضربات القلب، والتي تحرق مخزون السكر في العضلات، كما تفسر مارجي كير عالمة الفيسولوجيا بجامعة ويستمينستر. 

كما ينظر إلى الخوف كمحفز ذاتي للتقدم والمنافسة في العمل والإستعداد المسبق لمواجهة تحديات الحياة؛ مثلا: الخوف من الفشل في العمل أو في الدراسة يحفزك بإستمرار إلى تقديم ما هو أفضل تجنبا للفشل. أيضا، ضمان استعدادك الدائم للتعامل بشكل فعّال مع التهديدات الحياتية التي تواجهك في بيئتك ومُحيطك بعد كل موقف، بالإضافة إلى اتخاذ الفرد قرار المغامرة ومواجهة مخاوفه، يعطي الشعور بالحماس والطاقة ويفرز المخ المواد التي تحسن من حالة الفرد النفسية مثل: الدوبامين ،السيروتونين، والأدرينالين المعروفة بهرمونات السعادة.

كشفت دراسة جديدة أجرتها مجموعة من العلماء في المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة عن طريقة تعامل الدماغ مع الخوف، الامر الذي يقود إلى علاج المضطربين عقليا. إن الجزء المسؤول عن التعامل مع الخوف في الدماغ هو اللوزة الدماغيةحيث أن لها دور كبير في معالجة الشعور بالخوف. والحصين له دور مهم في تشكيل ذكريات الأحداث العاطفية، إذ أن اللوزة الدماغية والحصين يتبادلان الإشارات العصبية عندما يتعرض شخص لمثيرات عاطفية. حيث أن هذه الدراسة تقدم دليلا مباشرا على أن اللوزة الدماغية تقوم بإستخلاص المثيرات العصبية ثم ترسل المعلومات في صورة إشارات عصبية الى الحصين الذي يعالجها على انها ذاكرة.

هناك الكثير من الطرق والإستراتيجات التي من خلالها نستطيع التخلص والتحرر من الخوف والإكتئاب والعصبية والإحباط واي مشاعر سلبية. منها الصلاة والتقرب إلى الله، التوقف عن الشعور بالخوف، التفكير الإيجابي، سماع الموسيقى الكلاسيكية، ممارسة اليوغا والحركات الرياضية، تفريغ الطاقات السلبية بالكتابة أو بالرسم، ممارسة تمارين التنفس. بالإضافة الى مفهوم الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) الذي يعبر عن قدرة الشخص على التعرف على عواطفه الشخصية، وفهمها بصورة سليمة، وادراك مدى تأثيرها على الأشخاص من حوله. يستطيع الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء عاطفي عالي السيطرة على سلوكهم وضبطه، ولديهم فعالية اكثر على معرفة وإدارة وتدريب مشاعرهم الخاصة، وادارة مشاعر الآخرين. أيضا، كلما ارتفعت مهارات الذكاء العاطفي، أدى ذلك لعلاقات شخصية فعالة وناجحة بشكل أكبر. يمكن تنمية الذكاء العاطفي من خلال العديد من الأساليب، ومنها: التدرب على وضع نفسك مكان الآخرين؛ حيث يمنحك بصيرة عالية فيما يخفونه من مشاعر مخفية وراء سلوكياتهم وممارسة التفاؤل بدلا من الشكوى.

في الخاتمة، أحب أن أقول على الإنسان أن يكون قوي في مواجهة مخاطره وتحرره منها، ويختار الطريقة المناسبة ليتحرر من الخوف؛ هناك ناس يواجهون معظم مخاوفهم بكتابتها وتفريغها على الورق، وآخرون يواجهها من خلال اليوغا، كل حسب ما يناسبه، وايضا يستطيع الأنسان الإستعانة بصديق مقرب له والبوح بما يخيفه، وأخذ النصح منه؛ حيث يبادلوك الخبرات فيما يتعلق بالخوف وكيف هم تعاملوا معه.

سلام عثمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *