دائما نقول بأننا نريد شيئا ما، ثم نفعل شيئا اخر. نقول بأننا نريد أن نكون ناجحين ولكننا نفسد مقابلة العمل، نقول بأننا نريد شراء منتج متوفر في السوق ولكننا نتلاعب بالمواعيد، نقول نريد أن نكون رشيقين ولكننا نأكل أكثر من اللازم، نقول بأننا نريد أن نكون أذكياء ولكننا نفوت دروساً أو لا نقرأ حتى ذلك الكتاب الذى استعرته من صديقك. جميع هذه التناقضات لا تنتهي أبداً، عندما يظهر لنا شخص ما ويتصرف دون تناقض فإننا نصاب بالدهشة، مثلا عندما يمارس اللاعب الرياضة فقط من أجل الرياضة، أو يحب العمل من أجل العمل، فلا يسعنا هنا إلا أن نشاهد بذهول أفعالهم النقية، لماذا من الصعب علينا أن نفعل ما نقول بأننا سوف نفعلة؟ إذا لنتعرف على السبب.
عقل السحلية: يعتبر مخ الإنسان معجزة بحد ذاته والتى ما زال العلم يحاول جاهدا التعرف على طبيعته وكيفية عمله بل وعمل محاكاة له، وما يحدث داخل المخ. يعتبر ما توصل إليه العلم حتى اللحظة عن المخ نسبة بسيطة للغاية عن أسرار المخ. يوجد داخل تقسيمة المخ ما يسمى بالمخ القديم أو مخ الزواحف وفي بعض الأحيان يطلق عليه “مخ السحلية” وهو موضوعنا لليوم. طبقا للشكل الذي يشبه سحلية معقوفة الذيل إلي المخ الحديث للإنسان‘ هذا الجزء البدائي والقديم من المخ مسؤول عن أربعة أشياء أساسية للحياة في وقت إنسان الكهف وهي:
- مخ السحلية دائما جائع (الجوع).
- مخ السحلية دائما خائف (الخوف).
- مخ السحلية دائما شبق (الشهوة).
- مخ السحلية دائما أناني (الأنانية).
هذه الوظائف الأربعة الأساسية هي كل ما يفعله هذا الجزء من المخ “مخ السحلية” وهو الجزء المشترك بيننا وبين الحيوانات المتوحشة. كانت وظيفة مخ السحلية دفع إنسان الكهف أو الأنسان القديم لفعل الأشياء التي تؤدي لبقائه وعدم الإنقراض وهي الحاجات الاساسية الأربعة للبقاء. كثيرًا ما نرى مواجهات دون تفكير، ودون ترتيب، ويكون الدافع الوحيد للمواجهة هو ردة الفعل الشخصية مثل الانفعال والغضب، والانطباعات الذاتية، والصراعات الفكرية. بعد ذلك، نمى جزء من المخ والمسمى الآن بالمخ الحديث وهو مسؤول عن الروابط الإنسانية والعواطف والمشاركة والإنتماء والإبتكار والتجديد والتي تميز الإنسان عن باقي المخلوقات.
للأسف الكثير من الأشخاص يستخدم الجزء الحديث من العقل في عقله فقط ويستخدم “مخ السحلية” في جميع أمور حياته. في كل مرة تتصرف بدافع من (الخوف، الأنانيه، الجوع، الشهوه الجنسيه) فقط بدون إستخدام (المشاركة والعطاء، الروابط الإنسانية، الإبتكار، التجديد، والمنطق)، أنت تستخدم بكل تأكيد فقط هذا الجزء من عقلك المشترك بينك وبين الحيوانات المفترسه فقط وهو”مخ السحلية”. بالتأكيد سمعت هذه الملاحظة من قبل في احدى المحاضرات بأن الدراسات أثبتت أن مخ الإنسان مثله مثل العضلات، إذا دربتها أصبحت أقوى وأشد والعكس صحيح. المخ كذلك، إذا إستخدمته أصبح أقوى وإذا لم تستخدمه ضعف، بمعنى آخر إن عدم استخدامك للجزء الحديث من عقلك يؤدي بك مع الوقت للتحول الى حيوان ناطق بالمعنى الكامل للكلمة. في نفس الوقت، فإن محاولة التجديد والإبتكار هي نفسها التي قد تدفعك إلى النمو والتجديد والإبتكار لديك، أن تكون المبتكر الأول ثم تكتسب مهارة الإبتكار وليس العكس!، عقل السحلية سيبقى دائمًا موجودًا في دماغك و وظيفتك أن تكتشف كيف يمكنك تهدئته وتجاهله.
كل هذا جميل على الجانب الإنساني، ولكنه صحيح تماما على الجانب العملي وريادة الأعمال والإبتكار والمشاركة والعطاء. كم من شركة استخدمت “مخ السحلية” في التعامل مع زبائنها وفي طريقة التفكير المطلق في كل شيء، بأنهم يريدون المال بأسرع فرصة وأكبر كمية من المستهلكين بأي طريقة كانت وثمن حتى لو كانت على حساب ثقتنا بهم. ولقد تناولت في مقالي السابق عن “العبودية السيكولوجية” وطريقة تفكيرالناس وكيف أصبح الناس عبيد بسبب “مخ السحلية”. عقلية السحلية، التسويق العصبي هو علم جديد كليا وهو نمط جديد من الأساليب التسويقية للسلع والخدمات بما يحقق مبيعات أعلى من أساليب التسويق التقليدية وذلك بإستخدام “مخ السحلية” في تسويق المنتجات. لماذا يستخدم التسويق العصبي؟ لأن التسويق العادي قد أخفق في مهمته حيث أنه يأتي إلى المستهلك ويقوم بسؤاله: ماذا تريد بالضبط؟ وحسب إجابته، نبني المنتج، ونعمل استراتيجية لبيع هذه المنتج. لكن، يوجد عيب خطير بهذا الأسلوب، أتعرفون ما هو؟ بكل بساطة أن المستهلك لا يعرف ماذا يريد. وبهذا يفشل التسويق التقليدي.
أما في التسويق العصبي؛ فإننا بالفعل نسألهم ماذا يريدون!، و لكننا لا نثق بإجابتهم، لأننا نعلم أنهم لا يعلمون، لكن، نقوم بالفحص أثناء إجابتهم وممظر إلى التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث داخل أجسامهم و أدمغتهم ونحدد النقاط العصبية التي تؤثر على طبيعة المنتج وطريقة عرضه. في التسويق العصبي يحاولون التأثير على على “مخ السحلية” وكيف يمكن التأثير فيه بشكل مباشر. بالتأكيد بدون الحاجة لتهديد حياة العملاء لجذب انتباه “مخ السحلية” الذى بداخلنا، هناك إسلوب معين للتسويق يمكن من خلالها شد انتباه هذا الجزء من المخ. يمكن مخاطبة مراكز الألم وأنانية الشخص وحبه لذاته وإستخدام الصور واللعب على الوتر العاطفي ولعل أفضل طريقة لشرح هذا الأسلوب من خلال الأمثلة التالية:
- الحياة كلها تحب الأطفال: ضع صورة طفل: يتصل العصب البصري مباشرة بعقل السحلية؛ وهذا يعكس قوة أثر البصريات لأنها جزء مهم فهو الذى يحدد إذا كان هناك خطر أو لا. السحلية التى بداخل عقولنا تدرك وجود الخطر من خلال البصر مثلا عند رؤية ذئب، عقل السحلية يخبرك عليك الهرب بسرعة، الخطاب البصري هو أسرع وسيلة للوصول الى عقل السحلية الموجود في أدمغتنا لأنه يخاطب مخ السحلية بشكل مباشر. يعرف العاملون في مجال إعلانات الشركات أن الصورة الجيدة تساوي ألآف الكلمات وأن أفضل صورة من الممكن أن تضعها في إعلانك على سبيل المثال هي صورة طفل وذلك وفقا للمسوحات التي أجريت للمخ خلال النظر لطفل، ولكي تنجح الصورة أجعل الطفل ينظر إلى المنتج.
- تخفيف حدة اّلام الشراء: يشعر العديد من الناس عادة بنوع من الألم النفسي عند الشراء وينتابهم شعور بالندم خوفا من أن يكونوا خسروا أموالهم مقابل شيئا لا يستحق أو يمكن الإستغناء عنه لاحقا أو أنهم تسرعوا عند الشراء ومن الممكن إيجاد المنتج بسعر أقل. هناك طريقة لنتخطى هذه المشكلة وذلك بجعل الأسعار تبدو أرخص مثلا بدل من أن نجعل اشتراك لـ نادي 600 دينار سنوي من الممكن جعله 100 لشهر والافضل جعله ب10 دنانير في اليوم، وهكذا يكون تخلص من الخوف.
- جذب حاسة الشم: وذلك نظرا لأهمية حاسة الشم في استشعار المخاطر. إن التأثير على هذه الحاسة يؤذي فعليا لنتائج سريعة حيث زادت المبيعات في المحلات ذات الرائحة الجميلة مقارنة بالأماكن الخالية من الرائحة أو ذو الرائحة الكريهة. في شركة الطيران السنغافوري نموذج رائع باستخدام حاسة الشم، ملابس المضيفات يمثل علم سنغافورة، ويضعن جميعا نفس النوع من العطر. في جميع الأمثلة السابقة كان الإستهداف مباشر لمخ السحلية.
أحمد أبو حميد