اقتصاد الإنتباه

اقتصاد الإنتباه

اقتصاد الإنتباه ومفهوم الوقت فيما يتعلق بإهدار الوقت على منصات التواصل الإجتماعي والبريد الإلكتروني والألعاب الرقمية والإعلانات وغيرها. كيف ساهم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية بتغيير العالم؟ إن ما تقوم وسائل التواصل الإجتماعي الإلكترونية هو أنها تعمل على التلاعب في توازن القوى بين الأشخاص وبين الشركات والمؤسسات. خلال الفترات التاريخية الإنسانية، لم يوجد معنى للإقتصاد القائم على مبدأ التجارة والبضاعة القابلة للإستبدال والمقايضة، حيث كان الناس يعملون مع بعضهم البعض ضمن إطار جماعات صغيرة العدد. كانت هذه الجماعات القليلة تعتني ببعضها البعض وكان ما يحدد نشاط كل جماعة هو حاجاتها في ذلك الوقت، من لا يمكنه الصيد وتجميع الثمار لن يتمكن من إطعام نفسه. كل هذه المصطلحات الموجودة حاليا مثل التجارة والأسعار والتخصص وغيرها هي مصطلحات حديثة وتطورات جديدة لم تكن سابقا. يعتبر اقتصاد الإنتباه، السلعة الجديدة التي تتصدر قائمة أغلى السلع في الألفية الحديثة، وهذه السلعة لا يوجد لها ثمن مادي حيث أنها قائمة على شيء واحد فقط ألا وهو الإنتباه، حسب مقولة الكاتب الأمريكي ماثيو كراوفورد “إننا نملك الكثير منه”.

يعتبر أول من تبنى مفهوم اقتصاد الانتباه العالم السياسي والإقتصادي هربرت الكسندر سايمون. توفي هذا العالم 2011 وقدم شروحات على ذلك منها اشارته إلى أن التدفق المستمر والفائض للبيانات والمعلومات ينتج عنه بشكل اوتوماتيكي وهن وضعف في الإنتباه وذلك يتطلب من العقل تحديد الموضوع الأكثر أهمية وبالتالي تكون النتيجة التركيز عى معلومة او مَوضوع واحد فقط. يعتبر الكسل الذي يعاني منه الأفراد والذي نعاني بسببه لعدم تمكننا على فهم واستيعاب الكم الهائل من التدفق المعلوماتي الذي يتدفق كالشلال في جميع وسائل التواصل الإجتماعي أداة ووسيلة في يد القوات الإقتصادية والقوات السياسية من حول العالم.

يعد الكسل الطوبة الأساسية التي يعول عليها المؤسسات التجارية والإقتصادية والسياسة والأهم من ذلك الإعلامية في بناء سياساتها التسويقية والتجارية وتجميع أرباح خيالية بالنتيجة. كل ذلك لأنها تدرك تماماً طريقة تفكير معظم الجمهور المستهدف والضغوط التي يمر بها وقلة الوقت لديه وعدم رغبته في التفكير حتى. في وقتنا الحالي لم يعد الإقتصاد المبني بشكل أساسي على الإنتباه مقتصرا على شركات المياه الغازية أو شركات البسكويت أو علامات الملابس التجارية. لكن، تحول اقتصاد الإنتباه ليصبح من أكثر الأدوات الاستراتيجية خطورة بل من أدهى الأساليب التي يتم استخدامها من قبل القوات العملاقة في العالم بغاية تحريك وتسسير الرأي العام وقلب سياساته وتغيير مساراته كما يشاؤون. بالطبع وبعد أن أثبتت سياسة اقتصاد الإنتباه فعاليتها، أصبحت التكنولوجيا الحديثة تلعب فيها دورا بالغ الفعالية، وذلك من خلال استخدامها لأساليب طعم النقر(كليك بيت)  والخورازميات المحددة لخيارات البحث، اتباع أسلوب جذب الإنتباه من خلال استخدام عناوين مغرية للنقر عليها، والتركيز على نقاط معينة في المحتوى نفسه وجعلها العنوان الرئيسي للمحتوى الدعائي أو للخبر الإعلامي، أو أي مجال افتراضي آخر.

في حادثة طريفة حدثت بين المذيع ديفيد لترمان في حوار مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ضمن برنامج “ضيفي التالي هو”، حيث تحدث الضيف الرئيس الأمريكي السابق أوباما بكل صراحة عن اتباع الإدارة الأمريكية لإسلوب جذب الإنتباه في سبيل تجميع وحشد الدعم والتأييد الشعبي والمجتمعي. يستخدم اقتصاد الإنتباه أيضاً لدعم حزب وتجميع الدعم الكافي له ضد حزب آخر، يكون ذلك بطريقة تجعل المستخدم يشعر بأنه صاحب القرار ويمتلك خيار مستقل في الوقت الذي يمارس خلاله عملية التصفح الإلكتروني. لكن ما يحصل فعليا هو أن الشركات تكون تعلم مسبقاً من خلال دراستها لطريقة تحليل البيانات من قبل ملايين المستخدمين لتوجهات ورغبات المستخدمين وأهم اهتماماتهم، وتستخدم الشركات التي تتبع اسلوب اقتصاد الإنتباه كل هذا في سبيل تحويل انتباه الفئات المستهدفة إلى قضايا محددة أو تثبيت أفكار معينة في عقولهم و اللاوعي لديهم.

هذا نفسه ما تقوم به وسائل التواصل الإجتماعي عند تطبيقها لأسلوب اقتصاد الإنتباه وذلك من خلال تحكمها بالخيارات التي تطرح على المستخدم لمواقع التواصل الإجتماعي ومحركات البحث وذلك بدون أي معرفة بشكل مسبق من قبل المتصفح، من خلال أسلوب الخوارزميات البحثية الحاصرة لخيارات وتجوهات البحث وتنميط أسلوب عرض المحتوى الدعائي والاعلانات والمواضيع المطروحة على المتصفح بشكل يحصر دائرة اضطلاعه و ما يعرض عليه. لا يقتصر تطبيق أسلوب اقتصاد الإنتباه على وقت بحد ذاته أو فترة زمنية محددة، ولكنه يقوم على أساس بناء طويل المدى للإتجاهات والمنظور العام للمستهلك. من خلال هذا الأسلوب تقوم الشركات من خلال تطبيق اسلوب اقتصاد الإنتباه بتعهد ما تقوم ببثه من أفكار وسياسات ومن ثم تنميته ورعايته حتى يزهر ويحقق الهدف المطلوب والنتيجة المبتغاة. لكن السؤال الآن؟ هل يملك المستخدم لكل هذه السياسات الفكرية والرسائل التي تستهدف انتباه المستهلك وتعمل على برمجة عقله نحو توجاهات معينة، سلاح يدافع فيه عن براءة المحتوى الذي من حقه أن يعرض له؟ هل يملك وسيلة دفاع وفلترة لكل ما يقدم له؟ هل يستطيع السيطرة على ملايين الشركات التي تقوم بتعيين جيوش موظفين ومهندسين لقيادة حملاتهم التسويقية وحملاتهم الإنتخابية؟ هل يمكن مكافحة كل هذا؟ هذا السؤال يشبه سؤال هل يمكن أن يحكم إنسان ذي بشرة سوداء الولاية المتحدة الأمريكية يوماً ما من قبل أن يظهر أوباما، أليس كذلك؟ وكان الجواب واضح، ولكن بالطبع كل شيء ممكن، ولكن علينا فقط فقط أن لا نستسلم للكسل، ونتحلى بالوعي حول كل شيء من حولنا.

يمكننا اتباع عدة وسائل للتقليل من تأثير مفهوم الإنتباه المعتمد على الإنتباه ومنها: محاولة البحث خارج إطار إهتماماتنا المعروفة والواضحة التي نبحث فيها بشكل مستمر، على سبيل المثال: إذا كنت ممن يستخدم شركة طيران معينة للبحث عن أسعار الرحلات، جرب البحث باستخدام موقع حجز رحلات جديد يوفر لك خيارات عن جميع الشركات، لأنك ستلاحظ مع الوقت إستمرار ظهور إعلانات نفس الشركة لك بشكل مستمر. لذلك، عليك تغيير آلية البحث وتغيير الطريقة التي ترتبت بناء عليها اهتماماتك؛ هناك كمثال العديد من المطاعم والفنادق التي لا تعرف عن وجودها والتي حرمت من تجربتها بسبب إعلانات نفس المطاعم التي أبديت اهتمامك بها قبل شهر أو ربي سنة! هناك الكثير من الخيارات ولكن عليك التحلي بالوعي لتكرار ظهور اعلانات لنفس اهتماماتك التي تم ادخالها مرة في خوارزميات البحث.

أيضاً، علينا توخي الحذر فيما يتعلق بالأخبار التي تعرض علينا والتي يغلب عليها الصبغة الصفراء لكثرة ما يتم تهويل الصغائر وتصغير الكبائر فيها حسب مصالح الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية المعلنة. لذلك، علينا التأكد من وجود اسم الكاتب لأي خبر ومصدر الخبر ومعرفة اذا ما كان هنالك مرفق مضاف للخبر ليدعم صحته أو لتوضيح الحقيقة مثل فيديو مرفق أو تسجيل صوتي أو صور موثقة وواضحة. كما، علينا عدم الاعتماد على مصادر اخبارية من مواقع عرفت بالنشر الهادف للكسب المادي البحت فقط، بل اتخاذ مصادر اخبارية عرفت بالمصدافية والتجرد قدر المستطاع، لأن كل ما يقدم لنا سواء كان محتوى يضم خبر سياسي أو إعلان تجاري أو حتى فني يصب في مصب الربح المادي والكسب هو الهدف الأوحد والوحيد والنهائي فيه.

روان العمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *