الوكالة هي الدافعية الشخصية والمبادرة من أجل خلق تغيير سواء على الصعيد الذاتي أو المجتمعي وتمكين الذات وخلق المساحات التي من خلالها يتم اطلاق العنان للقدرات والإمكانيات، من خلال البحث عن الموارد التي تحتاجها وتوسيع ادراكك للأمور عن طريق الأفكار التي تؤمن بها والقيم والتصرفات. الوكالة مفهوم واسع وشامل فهي فكرة و مبدأ ونهج تعبر عن دافع المبادرة وتحقيق الأهداف. توضيحًا لكيفية شمول مصطلح الوكالة يمكننا طرح أمثلة كالتوكيل القانوني أو وكالة الغوث الدولية، وهذان المصطلحان ليسا ما نتكلم عنه اليوم فالأول هو العلاقة التي تتم بها إدارة الأملاك -مثلا- من قبل طرف واحد لمصلحة الطرف الأخر، والتوكيل ينشأ من قبل المكلِف الذي يحول بعض أو كل أملاكه للوكيل، والوكيل يحتفظ بالأملاك من أجل مصلحة موكله. كما هو واضح، ليس هذا ما نتطرق اليه في مقالنا هذا، أما وكالة الغوث فهي توكيل أو اعطاء الصلاحية لأشخاص محددين لمساعدة وإغاثة من هم بحاجة تحديدا لللاجئين الفلسطينيين.
من أهم الأمثلة المحلية على توكيل الشباب، منظمة أنا أتجرأ للتنمية المستدامة، وهي منظمة غير ربحية وغير حكومية، يعتمد جوهر اجراءاتها على التسويق الاجتماعي (سلوك التغيير المجتمعي)، وتؤمن بالشباب كقوة دافعة نحو التنمية بمفهومها الشامل، وهي منبر لصوت وجهود الشباب الناشطين وخلق مساحاتهم التي تساعدهم على توكيل أنفسهم. من أحد تطبيقات المنظمة العملية لمساعدة الشباب من خلق مساحاتهم الخاصة هي من خلال خلق مساحة لهم تُعنى بالأعمال الحرفية واليدوية وهو ال (سي-هَب)، وهو مجهز بشكل كامل بمعدات عالية المستوى لصنع منتاجات بجودة ممتازة، فنحن نتعلم هناك ونصنع منتجات ذات غرض.
لتوضيح المفهوم بصورة أكبر، في الفلم (كاست أواي) قام تشاك نولاند (توم هانكس)، والذي يعمل مدير تنفيذي لشركة (فيديكس)، والذي يتسم بقلق شديد في المواعيد، في طريقه الى مهمة في ماليزيا وبعد أن قطعت طائرته أكثر من 600 ميل تغير مسار الطائرة وتحطمت فوق المحيط الهادئ بسبب عاصفة رعدية. كان الناجي الوحيد من الرحلة، تشاك حيث دفعته الأمواج إلى شاطئ جزيرة مهجورة. عندما بائت جميع محاولاته للإبحار والإتصال بالمساعدة بالفشل، بدأت رحلته بتعلم كيفية البقاء على قيد الحياة في الجزيرة حيث بقي لسنوات يرافقه صديقه ويلسون المصنوع يدويا من كرة طائرة حيث كان تشاك بحاجة إلى أن يكون مجتمع ليتعايش معه حتى لا يشعر أنه وحيد. كان تشاك قد عانى كثيرا ليتعلم كيفية البقاء على الحياة واشعال النار وصنع الطعام، وفي أحد الأيام تقذف الأمواج جزء من الطائرة المحطمة للشاطئ ويقرر أن يبني منها شراع لقاربه، وعندما بدأ بالإبحار كانت قد اشتدت العاصفة ورمت بصديقه ويلسون بعيدا وحطمت قاربه ولكن كانت قد وجدته باخرة تجارية وانقذته وعادت به إلى وطنه.
لذا نرى أن الوكالة والتي عرفناها على أنها الدافعية والمبادرة لخلق تغيير أنقذت حياته من خلال قيامه بالمحاربة من أجلها عوضا عن انتظاره للمساعدة دون تحريك ساكن. ومثلها الكثير من الأمثلة والتي نراها في برامج البقاء في الطبيعة والتي تقتضي على المبادرة بالمحاولة وخلق العوامل التي تساعدهم على استمراريتهم. مساعدة الشباب تحديدا على خلق مساحاتهم من خلال تمكينهم هو شيء أساسي للنهوض بالمجتمعات فهي الفئة المنتجة التي تفتقر في بعض الأحيان للعوامل المساعدة، لذا كما يقول المثل: “لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد”، هذا المثل يصف تمكين الشباب حيث الهدف أن يصلوا لمرحلة يكونوا قادرين فيها على خلق مساحاتهم الخاصة التي تمكنهم من الإنتاج والتطور. من الممكن أن الأمثلة فسرت جانب البقاء والتكييف ولكن كما قلنا، المفهوم واسع و حتى في حياتنا العملية واليومية لابد لنا من خلق العوامل التي تساعدنا على استمراريتنا والتعلم من أخطائنا وتوكيل انفسنا لنكون قادرين على الإستمرار والإنجاز وصنع التغيير الذي يعود بالنفع علينا وعلى المجتمع المحلي.
خلق العوامل والفرص شيء مهم و اساسي لتحقيق الإنجازات على الصعيد العملي أو الأكاديمي أو أيًا كان حيث أن التقدم مربوط بالتمكين والتطور. نظرا لأهمية الموضوع قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1999م في المؤتمر العالمي للوزراء المسؤولين عن الشباب بتقديم توصية أعلنت بناء عليها أنه في يوم 12-آب من كل عام أنه اليوم الدولي للشباب. يتيح يوم الشباب الدولي الفرصة للاحتفال بالشباب وإسماع أصواتهم وأعمالهم و مبادراتهم أو حتى مشاركاتهم الهادفة وتعميمها جميعا. سيكون الإحتفال بيوم الشباب الدولي على شكل مناقشة يستضيفها الشباب تُبث على الإنترنت للوصول إلى الشباب فضلا عن الاحتفالات المستقلة. هذا اقرار بأهمية مشاركة الشباب في الحياة والعمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تتمحور وكالة الشباب حول تطوير الذات ويعرف بأنه مجهودالشخص وسعيه ليكون أفصل مما هو عليه، عن طريق تحسين قدراته وإمكانياته ومؤهلاته، ويتم ذلك من خلال معرفة نقاط القوة في الشخصية وتطويرها والاستفادة منها ويتضمن هذا التطوير القدرات العقلية، ومهارات التواصل مع الآخرين والذات، واكسابها مهارات عديدة وسلوكا ايجابيا.
يبدأ تطوير الذات بتطوير الثقة بالنفس أولا كمدخل، وتقدير الذات واحترامها يعبران عن شعور الفرد بقيمته وقدراته التي تعد أساسية لهويته، وتعد العلاقات الأسرية الباني الأكبر لتقدير الفرد لذاته. تطوير الذات هو أول خطوات التمكين للذات والوكالة اذ ان الأمر يبدأ من النفس والشخصية لتطوير الرؤيا والأفكار والإستفادة من نقاط القوة للفرد وتنمية المواهب، وطرق تدوير الذات عديدة منها: تقليل الفجوة بين المعلومات ونظم التعليم التي يتلقاها الفرد والمهارات التي يكتسبها منها وما يحتاجه فعليا في حياته العملية، الاستمارا في التعلم والاطلاع على كل ما هو جديد من التغيرات العلمية التي تحدث وذلك لتطوير القدرات بما يتناسب مع التطورات الحاصلة في المجتمع. أما بالنسبة لمهارات التطوير فمن ضمنها تحديد الأهداف والسعي وارء انجازها، ترتيب الاولويات، التعلم للعمل وليس لمجرد التعلم، الإرتقاء بالتفكير وغيرها العديد من المهارات التي تحتاجها للتطوير وبناء الشخصية.
يحتاج تطوير الذات المنوط بالوكالة ثقة بالنفس وقوة شخصية وهذا ما يركز عليه العاملون بهذا المجال حيث انها ميزة وعامل أساسي ومهم للنجاح، هي تمكن الفرد من استغلال وقته وامكانياته بالشكل الصحيح، وتجعله قادر على التصرف واتخاذ القرارت والاختيار السليم دون القلق بشأن افكار أو كلام الغير لكن مع الاحترام للآخرين. نهايةً أريد أن اسلط الضوء على أهمية تعزيز الشباب وطاقاتهم وتوظيفها في الأماكن الصحيحة وخلق الفرص المناسبة لهم حتى يتمكنوا من ذلك، هم الفئة المنتجة وهم المسؤولون عن المستقبل وبناء الأساس الذي سيشكل مسار الحياة المستقبلية. من المهم الاستماع لهم وتوجيههم وتوسيع مداركهم وترسيخ فكرة تمكين ذاتهم اذ انهم ليس من الضروري أن يعولوا على المجتمع والغير ليتمكنوا من تحقيق الانجازات، ومستقبلا ليتمكنوا من صنع حياة أفضل للأجيال القادمة التي ستكون في مكانهم يوما ما.
يوسف النسور
