مستشار الإلتزام

مستشار الإلتزام

تحمل المسؤولية الشخصية شيء جميل لأنها تمنحنا سيطرة كاملة على مصائرنا واهتمام الشخص في ذاته وكينونته ومتطلباته وان يغذي جوانبها جميعا؛ الروحي، النفسي، والجسدي. هنا ذكرت الجانب الجسدي في النهاية وليس في البداية، ليس صدفة، بل لأوضح أن ما نركز عليه في حياتنا اليومية هو ليس فقط الجزء المهم وإنما يسبقه جانبين مهمين جدا وهما الداعم والغذاء للجسد قبل الطعام وقبل ممارسه النشاطات اليومية وقبل تحقيق الانجازات والأحلام. مع التطور المشهود في العالم والسرعة والتكنولوجيا، اصبح الشيء المادي والمحسوس والمسموع واقعنا وهو المسؤول عن تنشئتنا. لم نعد نهتم بالجوانب الأخرى وهي الأعمق، فمن أراد منا التغيير يبحث عن الشي المادي ويغيره  ليحصل تغيير خارجي وليس داخلي حتى نسينا انفسنا من الداخل وبتنا نركز على المظاهر الخارجية للإنسان. وبهذا فقد جزء من الناس السيطرة على مجرى حياتهم وأصبحوا مشتتين ليس لديهم رؤية واضحة عن حياتهم  أو تحديد هدف واضح، وغير ملتزمين مع انفسهم ولا مهتمين كما يجب بها. كل ذلك أدى لظهور تحديات في حياه هؤلاء الاشخاص اللذين لم يعودوا قادرين على ايجاد حلول تساعدهم على مواجهتها بالطريقة الصحيحة او المناسبة لهم، هنا ظهر ما يسمى بمدرب الحياة.

كما أن أول استخدام لهذا المصطلح فيما يتعلق بالرياضة جاء عام 1861 حينما قدمت جامعه سيدني أول وحدة دراسية في علم النفس التدريبي في العالم في يناير 2000، وهو متواجد في الدول الاوروبية بكثرة، ومن جديد بدء انتشار هذا المصطلح في دولنا العربية. جاء هذا المقال ليوضح لنا اكثر مفهوم مستشار الإلتزام،  بماذا يختلف مستشار الإلتزام عن معالج السلوك المعرفي التقليدي، المبادئ الست الأساسية لمساعدة العملاء على تطوير المرونة النفسية، وأسباب اختيار هذه المهنه. 

يعرف مستشار الإلتزام على أنه شكل من أشكال العلاج النفسي وفرع من تحليل السلوك السريري. إنه تدخل نفسي قائم على التجربة يستخدم استراتيجيات القبول واليقظة المختلطة بطرق مختلفة  مع استراتيجيات الالتزام وتغيير السلوك لزيادة المرونة النفسية. كان يُطلق على هذا النهج في الأصل اسم التباعد الشامل. قام ستيفن سي هايز بتطوير علاج القبول والالتزام في عام 1982 من أجل إنشاء نهج مختلط يدمج كل من العلاج المعرفي والسلوكي. هناك مجموعة متنوعة من البروتوكولات اعتمادا على السلوك المستهدف أو الإعداد  مثلا مجالات الصحة السلوكية. يُطلق على نسخة مختصرة من العلاج التوليفي  بالقبول المركّز والالتزام والهدف من العلاج  ليس القضاء على المشاعر الصعبة؛ بل هو أن نكون حاضرين مع ما تأتينا به الحياة و”التحرك نحو السلوك القيّم”. يدعو علاج القبول والإلتزام الأشخاص إلى الانفتاح على المشاعر غير السارة  وتعلم عدم المبالغة في رد الفعل تجاههم، وعدم تجنب المواقف التي يتم استدعاءهم فيها. تأثيره العلاجي هو دوامة إيجابية حيث يؤدي الشعور بشكل أفضل إلى فهم أفضل للحقيقة. وهنا تُقاس “الحقيقة” من خلال مفهوم “قابلية التطبيق”، أو ما يصلح لاتخاذ خطوة أخرى نحو ما يهم مثل (القيم والمعنى)، حيث اصبحنا في الوقت الحالي بحاجة كبيره لمثل هؤلاء المستشارين لتوعية الجيل الجديد بقدراتهم وامكانياتهم ولتحديد وتحقيق اهدافهم بما يتناسب مع شخصياتهم بعيدا عن ما يجب عليهم فعلة حسب المجتمع ضمن ضوابط اخلاقية.

يختلف مستشار الالتزام عن المعالج السلوكي المعرفي التقليدي؛ بدلا من محاولة تعليم الناس التحكم بشكل أفضل في أفكارهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وذكرياتهم والأحداث الخاصة الأخرى ، يعلمهم مستشار الإلتزام أن “يلاحظوا فقط” ويقبلوا ويحتضنوا أحداثهم الخاصة، خاصة تلك غير المرغوب فيها سابقًا. يساعد مستشار الإلتزام الفرد على الإتصال بشعور متسامي بالذات يُعرف بالذات كسياق – أنت الذي دائما ما يراقب ويختبر ويختلف عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه وذكرياته. حيث يساعد ذلك الأشخاص على تفريغ مشاعرهم  والتعبير عن افكارهم بشكل أكبر مما يسهل عليهم تحديد رغباتهم وما هم بحاجته وما ينقصهم من خبرات وأدوات لتحقيق أهدافهم وأيضا ليوجهوا حياتهم بطريقه صحية تناسبهم.

 في حين أن علم النفس المعرفي يعمل عادةً في ظل افتراض “الحياة الطبيعية الصحية” التي تنص على أن البشر بطبيعتهم يتمتعون بصحة نفسية ، يفترض مستشار الإلتزام بدلاً من ذلك، أن العمليات النفسية للعقل البشري الطبيعي غالبًا ما تكون مدمرة المفهوم الأساسي. لدى مستشار الإلتزام هو أن المعاناة النفسية عادة ما تكون ناجمة عن التجنب التجريبي والتشابك المعرفي والصلابة النفسية الناتجة التي تؤدي إلى الفشل في اتخاذ الخطوات السلوكية اللازمة بما يتوافق مع القيم الأساسية. لذلك من المهم جدا مراقبة افكارنا وافكار من حولنا وأخد ما يناسبنا ويتوافق مع قيمنا وهويتنا و نبتعد عن تلك التي تسعى الى تشتيتنا  وأن نخوض تجارب تفيدنا وتزيد من معرفتنا وليس فقط بهدف المتعه او قضاء وقت الفراغ. هذا الدور يمكن أن يقوم بة الشخص بمفرده ويمكن أن ياخذ برأي مستشار الالتزام. يستخدم مستشار الإلتزام عادةً ستة مبادئ أساسية لمساعدة العملاء على تطوير المرونة النفسية:

  1. الإدراك المعرفي: طرق التعلم لتقليل الميل إلى تجسيد الأفكار والصور والعواطف والذكريات.
  2. القبول: السماح للتجارب الشخصية غير المرغوب فيها (الأفكار والمشاعر) بالذهاب دون صراع معها.
  3. التواصل مع اللحظة الحالية: إدراك الحاضر والحضور والإهتمام والتقبُّل (على سبيل المثال، اليقظة).
  4. ملاحظه الذات: الوصول إلى شعور عالي بالذات.
  5. القيم: اكتشاف ما هو أهم بالنسبة للنفس.
  6. العمل الملتزم: تحديد الأهداف وفقا للقيم وتنفيذها بمسؤولية  من أجل خدمة حياة ذات معنى.

يتطلب كونك مستشارا محترفا وعيا عميقا واهتماما بحالة الإنسان. تعمل مسؤوليات الوظيفة هذه كوقود لما أعتبره طول العمر المهني. هناك بالتأكيد لحظات نتعلم فيها شيئا جديدا من العمل مع عملائنا وطلابنا. لكن رغبتنا في مساعدة الآخرين تقودنا أيضا إلى السعي وراء تعزيز المهارات والتدريب والمزيد من التعليم الرسمي. ينتج عن تطوير المهارات هذا أن نصبح مستشارين ومعلمين استشاريين أفضل وهذا بدوره يعني أننا قادرون على الممارسة أو التدريس لفترة أطول من الوقت والتأثير على الحياة أكثر. تختلف أسباب اختيار مهنة الاستشارة سواء كان قرارك بأن تصبح مستشارا محترفا أو مربيا استشاريا يستند على الرغبة في معالجة القضايا الاجتماعية الناشئة، أو الاتجاهات الثقافية، أو الضيق الناجم عن الضغوط المجتمعية. يرجى العلم أنك حقا تحدث فرقا عندما تختار هذه المهنة، اعلم أنك تريد أن تحدث تأثيرا على حياة الناس. من وجهة نظري، لا يوجد نقص في الاستشارة من المهنيين الذين يرغبون في العمل لإحداث فرق ويحبون فعل ذلك بالضبط.

  سراء صبري القضاة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *