الإكتئاب العرضي

الإكتئاب العرضي

الحالة النفسية هي جزء من الصحة العامة للإنسان والتي لم تدرس بعناية قديما كالطب العام. قديما كانوا يربطون الحالات النفسية بالميتافيزيقيا ويؤدي في كثيرمن الأحيان إلى النبذ الإجتماعي والوصم. لكن، مع تطور الطب ودراسة سلوك الإنسان والدماغ والعمليات الكيميائية فيه، زادت المعلومات وتوسع الفهم نحو هذا النوع من الطب، الا وهو الطب النفسي. سنتطرق اليوم في مقالنا هذا لحالة واحدة بالأخص من الجانب النفسي للطب، الا وهو الإكتئاب، الإكتئاب هو اضطراب مزاجي يعاني فيه الشخص من الشعور الدائم بالحزن والمشاعر السلبية وفقدان الإهتمام بالأنشطة التي يستمتع فيها الشخص عادة. هو أحد أكبر الإضطرابات النفسية شيوعا؛ بحسب منظمة الصحة العالمية يعاني أكثر من 300 مليون شخص من جميع الأعمار حول العالم من الإكتئاب، وهو أمر في غاية الأهمية حيث أنه يؤدي لزيادة أعداد الطلاب التاركين لمقاعد الدراسة ومن الممكن أن يؤدي للوقوع في مشاكل الإدمان وفي أسوء حالاته، من الممكن أن يفضي إلى الإنتحار. كان عدم الإنفتاح نحو مواضيع الصحة النفسية في الوطن العربي على سبيل المثال عاملا مساعدا لنمو المعضلة.

بما أن المعضلة نفسية، من المنطقي أن يأتي الحل من الذات والنفس، واكتشافها والنظر لما هو ايجابي في الحياة أكثر من السلبيات، ولا حياة على هذه المعمورة لا تشوبها شائبة. اذ أننا احيانا نخطئ فهم الاكتئاب حيث من الممكن أن يكون الفرد مشتت عن كل النعم المتوفرة في حياته، فيفقد الاهتمام ببعض تفاصيل الحياة. قد تكون جوانب المساعدة على تخفيف أو حتى علاج المشاكل النفسية والاكتئاب عديدة، هناك أدوات تساعد وذات أثر ملموس جدًا مثل المواظبة على الرياضات وتناول الأطعمة الصحية، التحدث للأصدقاء الداعمين الذين يسعون دائما لتطوير الذات. من الطرق ذات الأثر في تخطي هذه المعضلة رغم اختلاف وضوحها حسب الفرد الا وهي الممارسات الروحانية. للروحانية العديد من التعريفات، ولكن الأهمية الروحانية تكمن في أنها تساعد في اعطاء سياق لحياتك، ليست بالضرورة أن تكون مرتبطة بنظام عقائدي معين أو ديانة معينة، هي تنشأ من طريقة اتصالك بنفسك واللآخرين والبحث عن مغزى الحياة.

أما الطرق التي تساعد الروحانيات بها هي: الشعور بالهدف أو الغاية إذ أن الإهتمام بروحانياتك يساعدك للوصول للأمر الأكثر مغزى في حياتك، التواصل مع العالم حيث أن كلما زاد شعورك بأنك جزء من العالم ذا هدف قل شعورك بالإكتئاب، التحكم في الإفراز وهنا يُقصد الإفراز الفكري أو المشاعر فحين تشعر أنك جزء من كل أكبر تدرك أن لست مسؤولا عن كل شيء يحدث في الحياة. الكثير من الطرق التي لو استرسلنا في سردها لطال الحديث. ومن ناحية أخرى، قد يرى البعض أن استماعهم للموسيقى يعدل بشكل كبير مزاجهم ويخفف من الإكتئاب وحدته، وبالفعل كشفت دراسة حديثة بحسب جامعة ليستر البريطانية أن 96 بالمئة من الأشخاص يشعرون بتحسن أعراض التوتر والاكتئاب عند العزف أو الغناء أو السماع لبعض أنواع الموسيقى. كما ورد في تقرير نشر في “كوكرين لايبراري” أن العلاج بالموسيقى يمكن أن يحد من شعور المرضى بالاكتئاب و التوتر وليس ذلك بالشيء المفاجئ، اذ أن مراكز استقبال الموسيقى في المخ تتداخل مع مراكز المشاعر وتلك التي تعالج اللغة، وهذا يفسر استثارة الذكريات القديمة المرتبطة بأغاني معينة عند سماعها، فتتذكر شخص أو موقف أو مكان.

من الجدير بالذكر أيضا أن البستنة أو رعاية الأزهار قد تساعد بشكل كبير في تخطي الحالات النفسية كالاكتئاب، فليس فقط أن الوانها الزاهية والنابضة بالحياة هي ما يساعدنا، أو رائحتها الزكية هي ما تسعدنا، بل أيضا لأن الزهور تحفز كل من الدوبامين والسيروتونين والاكسيتوسين. الدوبامين هو هرمون السعادة، والاكسيتوسين يخلف شعورا بالثقة والإجتماعية أما السيروتونين هو مضاد للاكتئاب موجود في أجسامنا أصلاً ويتم تحفيزه. فضلا عن كل ما تم ذكره عن أهمية الأزهار في المساعدة على تخطي الاكتئاب لابد من أن نتطرق للبستنة ذاتها كفعل. عند اهتمامنا بأشياء أو كائنات معينة يعطينا هذا الشعور بأهميتنا كموفري رعاية وأن لنا غاية وهناك من يعتمد علينا، مما يفسر سبب نصح الأطباء النفسيين باقتناء حيوان اليف أحينا حيث أنه يساعد كثيرا من الاحيان في الحالات النفسية إذ ان الصلة التي تربط الحيوان الأليف بصاحبه فريدة من نوعها، حيث أنه في كثير من الأحيان يشارك الفرد مشاعره وأفكاره مع حيوانه الأليف مما يساعده على تفريغ الضغط الفكري والعاطفي أو بمعنى آخر التنفيس.

عودة بنا للبستنة أود التنويه إلى أهمية إحاطة النفس بلمسة من الطبيعة، حيث أنه عوضا عن الأكسجين الذي تصدره النباتات والراحة النفسية التي تبعثها إحاطة نفسك بالطبية والاندماج معها. إن ذلك يحفز أيضا الاندورفين في الجسم والذي يعمل على تخفيف مستوى الاجهاد والتوتر. لطالما ارتبط المزاج بالشهية، البعض قد يفقد شهيته مع الإكتئاب والبعض الآخر يجدون في الأكل متنفسا لهم مما قد يربط سوء المزاج لديهم بالسعرات الحرارية المتناولة. وجدت الدراسات الحديثة أن بعض أنواع الأغذية قد تكون بالفعل مضادة للاكتئاب، حيث تم ربط نظام غذائي غني بالخضروات والفواكة والحبوب الكاملة والأسماك بانخفاض فرص الإكتئاب. لابد من أن التساؤل، قد بدأ يطرأ على ذهنكم بشأن عدم ذكر الأدوية المضادة للاكتئاب، ولكن بغض النظرعن وجهات النظر المختلفة بخصوص ما إذا كانت ذات ضرر أكثر من منفعة ام العكس، لكن الأدوية هذه تؤثر على كيمياء الجسم والدماغ بشكل كبير والذي برأي الكثير من الأطباء والباحثين يؤثر سلبا على الشخص المستهلك لهذه الأدوية.

من أمثلة ذلك متلازمة انسحاب مضادات الإكتئاب والتي تحدث بسبب التوقف السريع عن استخدام مضادات الاكتئاب أو الإختلاف في جرعة الدواء المعتادة، مما يؤدي إلى أعراض مثل: الغثيان، رجفان في اليد، بالإضافة لتفاقم مشكلة الإكتئاب. ختاما، أريد تسليط الضوء على أهمية الصحة النفسية وأخذها عالميا وعربيا على محمل أكثر جدية إذ أن الأرقام التي تروي القصص المؤلمة لضحايا الاضطرابات النفسية، بصرف النظر عن التركيز على الإكتئاب في هذا المقال الا أنه ليس هناك أولوية لمعضلة على أخرى. الإضطرابات النفسية قضية مهمة تحتاج الإنفتاح نحوها وتقبلها ودراستها بشكل أكبر. فعليا، قام أبو قراط في القرن الرابع قبل الميلاد بتسجيل الوصف الإنطباعي الأول للمناخوليا، وكان يؤمن ابو قراط أن الإنسان يعكس العناصر الأربعة الأساسية في الكون، ( التراب، الماء، الهواء، النار). مثلا المرارة الصفراء مشتقة من التراب، والسوداء من الماء، والدم من النار وهكذا، والمرض العقلي يحدث نتيجة للإختلال للتوازن بين هذه العناصر. لطالما كان الإضطراب النفسي الذي يجعل من الفرد مختلفا عن الأغلبية مصدر قلق لذلك الفرد حيث ارتبط المفهوم بالوصم منذ قديم الزمان ولكن لم تتم دراسته وفهمه بشكل صحيح، لكن آمل أن التطور في الجانب الطبي سيحل هذه المعضلات اغلبها أو جلّها.

يوسف النسور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *