وصايا الحوار الديني العشرة

وصايا الحوار الديني العشرة

الحوار فن من فنون الكلام والمحادثة، وصيغة متقدمة من صيغ التواصل، والتفاهم، وأسلوب من أساليب العلم والمعرفة، ومنهج من مناهج الوعي والثقافة، ووسـيلة من وسـائل التبليغ والدعوة. استعمله البلغاء والفصحاء في صناعتهم، وعمدت إليه الشـعوب في تواصلها وتفاعلها مع غيرها ممن يحيط بهم، واختطه المفكرون والمربون أسـلوباً ومنهجاً في تعليمهم، واعتمده الأنبياء والرسل والمصلحون في دعوة الناس إلى الخير والفضيلة والرشاد. مع إفرازات النظام العالمي الجديد، سـواء على صعيد الثقافة والقيم، أو على صعيد السياسة والاقتصاد، تزايد الاهتمام بالحوار، وتعمق الاقتناع به وبدوره في تحقيق وفاق ثابت بين أبناء الأمة الواحدة، وتفاهم مشترك بين الشعوب المختلفة على أساس قاعدة الكرامة والعدالة والمساواة، حتى شاع استخدام الحوار على مختلف الصعد، وفي شتى الميادين، الثقافية والفكرية والحضارية. وأصبح من أحد الظواهر المهمة للعصر الحالي، الذي يتميز بثورة المعلوماتية والإتصال، التي هي إحدى ثمرات العلم المتفجرة عنه، وبهذا قوي التواصل بين بني البشر واتسعت دائرة الحوار، وتنوعت موضوعاته بصورة لم تعرفها الإنسانية من قبل.

من خلال هذه المعطيات يبرز دور الحوار وتظهر أهميته في تأسيس صيغة معرفية متجددة تعتمد تزاوج الأفكار، وتبادل الرؤى، وتداول الطروحات، من خلال سماع الرأي (الآخر) والإصغاء إليه والاهتمام به، تحقيقاً للتواصل العلمي والمعرفي، وابتعاداً عن العزلة والانكفاء الذي لم يبق لهما مكان في عالم اليوم. لابد من الإشارة إلى تنوع أشكال الحوار وتعدد موضوعاته بتنوع مقاصده وأغراضه، ليواكب الحاجات الفطرية الإنسانية، فكان منه ما يُعنى بالمناهج الفكرية، ومنه ما يُعنى بالجوانب التربوية التعليمية، ومنه ما يُعنى بالجوانب الثقافية المعرفية، ومنه ما يُعنى بتحديد العلاقة بين الأمم والشعوب.  أوّل من بادر بفكرة الحوار بين الحضارات المفكّر الفرنسيّ «روجي غارودي» الذي دعا الي تأسيس أرضية للتّفاهم بين شعوب الأرض و ذلك من خلال كتابه الذي صدر عام 1977 تحت عنوان «من أجل حوار بين الحضارات». هذا الكتاب كما يقول مترجمه الدكتور ذوقال قرقوط «هو قرار اتّهام لم يسبق لكاتب غربي أن وجّه مثله، بمثل القسوة و الوضوح الي جرائم «الرّجل الأبيض» من أجل اعداد نظام عالميّ جديد». كان مشروع «غارودي» يتّسم بسمة أساسيّة هي نقد الهيمنة الغربيّة علي عالم اليوم، معتبرا أنّ الغرب عرض ألمّ بمسيرة البشريّة ومبشّرا بزواله.

تبنّت المنظّمات الدّوليّة فكرة الحوار بين الحضارات وفي مُقدّمتها اليونسكو حيث عقدت أوّل ندوة عالمية حول الموضوع في أكتوبر عام 1930 بلشبونة، و ندوة ثانية تحت عنوان «من أجل التّضامن وضدّ التّعصّب وفي سبيل الحوار بين الثقافات» في الفترة من 13 الي 15  كانون ثاني 1995 في تبليسي عاصمة جمهورية جورجيا تحت اشراف كل من مدير اليونسكو فريدريك مايور ورئيس الدّولة الجورجية. صدر عنها في العام التّالي كرّاس يحمل عنوان «لقاء بين الحضارات: صراع أم حوار؟» وجاء هذا المقال لتوضيخ مفهوم الحوار، الهدف من الحوار واخذ اراء بعض الأشخاص عن والوصايا العشر للحوار الديني.

كلمة الحوار كلمة دخلت قاموس العلاقات بين الأديان والمذاهب حديثا، وممّا يدلّ علي جدّة هذا المفهوم وحداثته أنّ المواثيق والعهود الدّوليّة التي صدرت بعد نشوء منظّمة الأمم المتّحدة لم تُشر الي هذا اللّفظ. إن أشارت إلى ألفاظ أخري ترمي إلى نفس الغرض الذي يرمي إليه لفظ الحوار مثل التّسامح، والتّعايش والتّعاون ممّا يدلّ على أنّ لفظ الحوار له مدلول سياسيّ وثقافيّ وحضاريّ أكثر منه قانونيّ. من أهم التعريفات للحوار لغة  واصطلاحا ودوليا:

  • الحوار لغة: ورد في القاموس المحيط، الحوار، او المحاورة في مراجعة النطق.
  • الحوار اصطلاحا: هو ضرب من الأدب الرفيع وأسلوب مـن أسـاليبه، هـو المراجعـة فـي الكــلام ومنــه التحــاور.

عرّف المؤتمر الذي عُقد في سيلان لدراسة الحوار بين المسلمين والمسيحيّين وأصحاب العقائد الأخرى بأنّه “أسلوب أصيل للحياة في الأوساط التعدّديّة وهو أسلوب يتجاوز مجرّد التّعايش وهو يعني “ذلك الجهد الإيجابيّ للوصول الي فهم أعمق للحقّ من خلال الوعي المتبادل بعقيدة الآخر و شهادته عنها”. من أهداف الحوار الوصول إلى الحقيقة المنشودة من قبل جميع الأطراف حتى لو حصلت لصالح طرف دون آخر والرضى والتسليم بها. أيضا من أهداف الحوار تعليم الجاهل والغافل، عندما يتم التحاور مع طرف يجهل الحيثيات والأساسيات في الموضوع محل النقاش، ويتم توضيح الأمور له على أسس علمية وشرعية ومنطقية ونظامية وقانونية ويتفق عليها ويقبلها ويرضى بها، فإنك بذلك تكون قد علمته ما كان يجهله، وأوضحت ما كان ملتبساً عليه. ثقافة الحوار في حال شيوعها وانتصارها تنتج ثقافة التجاوز المستمرّ للوعي المستقرّ.

إن الحوار تجاوز للوعي وامتلاك العالم معرفيا، ولأن الحوار إنتاج للمفاهيم، كما قلنا، وهو صياغة كلمات دالة على ماهية الأشياء، فإن ثقافة الحوار تتأسس بدورها على ثقافة السؤال وتؤسس كذلك لثقافة السؤال. الأسئلة اكتشاف، وهي أهـمّ إنجازات الحوار، وخاصة اكتشـاف السـؤال الخاطئ والجواب الخاطئ وهنا سنتعرف على اراء اشخاص في بعض الجمل من أداب الحوار الديني العشرة:

  • الوصية الأولى: الغاية الأساسية من الحوار هي أن نتعلم، أي أن نتغير وننمو في ادراكنا وفهمنا للحقيقه ومن ثم نسلك وفقا لذلك. حيث كان رأي أحد الأشخاص كما يلي: “أن الأصل ألا يتطابق فكري أو رأيي مع الآخر، التنوع في الفكرة وطرق التعبير عنها جائز بل وضروري للإغناء والإثراء، لا قوالب جامدة ونصوص محتكره، الإيمان المسبق بحرية الفكر وحق الإختلاف يعتبر المقدمة المنطقية لأي حوار أو تساوق مع أدب الإختلاف”.
  •  الوصية الثالثة: يجب على كل مشارك أن ياتي للحوار بصدق وأمانه كاملين. جاء رأي أحد الأشخاص كما يلي: “إن المؤمن بالحوار، المؤمن بالإختلاف، المؤمن بالديمقراطية يجب أن يكون صادقا، ولا يمكن أن يتم الإستعانة بالأكاذيب والإختلافات كأسانيد، ان الضرورة ملحة للدعوة لثقافة الحوار بما هي «قبول الآخر» بما هو عليه من اختلاف، واحترام التعددية، الدينية والمذهبية والسياسية، وتفعيل قيم التسامح ونقد الذات، والإعتراف بالخطأ والإعتذار عنه محددا مقومات ثمانية للحوار وتقبل الاختلاف كما يراها”.
  • الوصية الثامنه: لا يمكن للحوار أن يحدث الا على أساس الثقه المتبادلة، وجاء رأي أحد الأشخاص كما يلي: “إن ثقة الشخص برأيه لا تتناقض البتّة مع حضور الذهن حين الإستماع للرأي الآخر، استماعا ملهما بمعنى محاولة تكشف عناصر الجِدّة (الجديد) والحداثة في حديث المخالِف من جهة وعناصر الرد عليه فيما هو حُجة ضعيفة.. إن أدب المناظرة مختلف عن أدب الحوار والإختلاف. الأول يسعى فيه المتناظرون للتفوق والبروز والتشكيك بالآخر وإبراز مثالية حجته وبالتالي إفحامه أو تعريته أمام ذاته والجمهور، أما المتحاورين فهما وإن اختلفا يبحثان ضمن منطق أدب الإختلاف عن العناصر الجديدة والمفيدة والضرورية للتطوير لكل في فكرته. حتى إن بقي الإختلاف يظل الإحترام متبادلا، ولا يتجه للتسفيِه الشخصي حيث الأعراض والشتم كما هو حال عدد من الكَتَبة، أو من المواقع ذات الطابع التهجمي المُسِف على الشبكة البينية أو الانترنت”.
  •  الوصية التاسعه: يجب على الأشخاص المشاركين في الحوار بين الأديان وبين الأيديولوجيات أن يتحلوا على الأقل بالحد الأدنى من القدرة على نقد الذات سواء لأنفسهم او للتقليد الديني أو الأيديولوجي الذي ينتمون إلية. كان رأي أحدهم، أن تكون منتمي لمعتقد وتظن أنه كامل هنا لا يكون للحوار مكان لأنه الهدف من الحوار التعلم ولا يوجد تعلم اذا ما وجدت اخطاء وهذا لا يعني الا تكون على اقنتاع وبمعتقدك ولكن طالما لم يقع في زلة واحده ويمتلك كل الإجابات لم يعد للحوار وجود.
  • الوصية العاشرة: على كل مشارك أن يحاول في النهاية أن يختبر ديانه أو ايديولوجية الشريك الاخر “اختبار من الداخل”. جاء الرأي كالأتي: أن الديانه أو الأيدلوجية ليست فقط محصوره في العقل بل يجب علينا أن نتعمق أكثر وندخل في القلب والمشاعر مع الشريك وأن نجرب شي من ديانتهم مع الحفاظ على امانتنا الدينيه  ومن ثم العوده إلى خبرتنا ونحن نتمتع بزياده الثراء و توسع الأفق ونحن قد اختبرنا ولو جزء بسيط من ايديولوجيه الشريك.

من وجهه نظري حول مبادئ الحوار الديني إن تعدد الآراء الفكرية، والإنفتاح عليها، ومناقشتها بالحوار الحسن، خيار أفضل لاختيار الأفضل، ما دام الأمر يقوم على الموضوعية والتزام المبادئ والقيم الدينية. العلاقة بين الحوار والانفتاح على الآخر، علاقة تبادل وتكامل، الحوار سبيل إلى الإنفتاح على الآخر، والإنفتاح يدعو إلى التحاور مع الآخر ومناقشته وحتى تحقق هذه العلاقة لابد أن يعتمد الحوار على مبادئ قوية تهيؤه للإنفتاح على الآخر .

سراء صبري القضاه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *