الأصل في حرية التعبير وحرية الوصول للمعلومات هو الإتاحة أما التقييد فهو الاستثناء. البيئة السياسية الطاردة للتعددية تتأرجح فيها خطابات الكراهية، وخاصية إخفاء الهوية هي سبب انتشار خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي. خطاب الكراهية هو تعبير شفوي أو مكتوب أو منطوق ينطوي على رأي سلبي حيال فئة معينة وقد يكون موجه ضد الفرد على على محمل تمثيلة لجماعة ما ويمكن أن تكون أية فئة عرضة لخطاب الكراهية. لخطاب الكراهية سمات منها؛ الوصم، التنميط، التحريض، التجييش. يرتبط الخطاب التحريضي عبر الإنترنت بأعمال العنف وقد تتسبب الحوادث أو تسهم في إلحاق الضرر النفسي والإجتماعي والبدني والمادي للأشخاص. كما ويؤثر استخدام الأدوات الرقمية لتشوية الحقائق و نشر الخطاب المثير للفتن وزيادة مواطن الضعف الإجتماعية، ونلاحظ أنه قبل عصر التحول الرقمي شكلت تكنولوجيا الاتصالات (الوسائل المطبوعة والمسموعة والمرئية) قوى محرضة للعنف.
إن العلاقة بين الخطابات التحريضية على الإنترنت وأعمال العنف، طردية، و بسبب مدى مساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في بناء خطاب الكراهية والنشر التفاعلي الذي امتلكه مستخدموا مواقع التواصل الإجتماعي أدى لحدوث تغييرات على مستويات عديدة، فكرية، ثقافية، أخلاقية، اجتماعية، وعلى مستوى ذاتية الفرد وكيفية تعامله مع الآخر. بإمكان وسائل التواصل الاجتماعي تضخيم الخلاف وفي أقصى حالات التطرف تساهم الشائعات المنشورة عبر شبكات التواصل الاجتماعي في أعمال عنف تتراوح بين القتل والعنف. لعل الثغرة الأكبر حتى اللحظة في التعامل مع خطاب الكراهية هي غياب القوانين الرادعة، اذ لا يوجد نص قانون واضح يؤطر خطاب الكراهية ويفرض العقوبات على مرتكبي، باستثناء بعض جزئيات القانون التي تتعاطى مع بنود خطاب الكراهية مثل؛ القدح والذم، وذلك أفضى لحالة من الاستسهال في تداول خطاب الكراهية وترويجه ولعل الفئات الأقل حظا والأقليات هي الأكثر عرضة لخطاب الكراهية.
الفرق بين جريمة الكراهية وجريمة القدح والذم، أن الكراهية توجد ضد فئة معينة أو جماعة ما، أما القدح والذم معيارها الأساسي شخصي وتمس كرامة الشخص. بينما التنمر الإلكتروني يعني استغلال والتقنيات المتعلقة به بهدف إيذاء الآخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية. عند تعرضك لخطاب الكراهية يراودك شعور بأنك عرضة للهجوم في أي مكان، فيبدو الأمر لا مفر منة وهي تؤثر على الشخص عقليا؛ من ناحية الشعور بالضيق والغضب والحرج. وعاطفيا; الشعور بالخجل وفقدان الإهتمام بالأشياء التي يحبها. أما جسديا؛ الأرق والمعاناة من أعراض مثل آلام المعدة والصداع. يأخذ التنمر الإلكتروني عدة أشكال، منها؛ رسائل الكره، الإشاعات والأكاذيب، تأييد التعليقات السلبية وإعادة النشر ومتابعة المتنمرين إذ يعتبر جزء من التنمر، التهديد والإبتزاز وانتحال الشخصيات، والتحرش الذي يكون بإرسال صور ورسائل مؤذية. يكثر هذا النمط من أفعال التنمر بين الشباب واليافعين والأطفال.
تشير الدراسات والأبحاث (آي بي إس أو إس) عدة إحصائيات، منها; يستخدم أكثر من ٨٠٪ من المراهقين هواتف محمولة ذلك يجعلهم أكثر عرضة للتعرض للتنمر الإلكتروني، ٤٣٪ من الأطفال مستخدمي الإنترنت يتعرضون للتخويف، ١٨٪ من المراهقين و الأطفال تعرضوا للتنمر الإلكتروني، ١٥٪ منهم يعترفون بالتعرض للتنمر الإلكتروني، ١٠٪ هم من بلغوا أحد الكبار بتعرضهم للتنمر الإلكتروني، ٦٤٪ من الطلاب المتعرضين للتنمر أثر ذلك سلبا على مستواهم الدراسي والشعور بعدم الأمان، ونسبة ٨٨٪ من الضحايا لا يبلغون عن تعرضهم للتنمر، و٧٩٪ من الآباء ذكروا أن طفلهم تعرض للتهديد بالإيذاء الجسدي أثناء اللعب على الإنترنت، ويعتبر٦٨٪ من المراهقين أن التنمر الإلكتروني مشكله بحاجة لحل، ويشير بحث بريطاني أن التعرض للتنمر الإلكتروني يبقى حتى عمر الخمسون سنه.
حظيت ظاهرة التنمر الإلكتروني باهتمام كبير في الأردن حيث تم إنشاء وحدة الجرائم الإلكترونية عام ٢٠٠٨ التابعة لمديرية البحث الجنائي في الأمن العام. في عام ٢٠٠٨ تلقت وحدة الجرائم الإلكترونية ٤٨ جريمة. تنوعت أشكال الجرائم التي يشهدها الأردن لتشمل التنمر الإلكتروني، الإحتيال، السرقة والابتزاز، القرصنة وتدمير البيانات وغيرها. لعل من أشهر الأمثلة على خطابات الكراهية وأحدثها هي فايروس كورونا، حيث أن الفايروس قد جعل مشاعر الحقد والكراهية تجاه الأجانب واضحه، إضافة إلى لوم الغير وبث مشاعر الخوف في الناس، حيث أن العديد من الحكومات والمسؤولين شجعوا بشكل مباشر أو غير مباشر على جرائم الكراهية، العنصرية وكره الأجانب عن طريق تعزيز الخطاب المعادي- للصين على وجه التحديد-. منذ أن تفشى فايروس كورونا وأصبح الآسيويين والأشخاص ذو الأصل الآسيوي عرضة للهيمنة والتنمر والعنصرية، سواء من وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي أو حتى في تصريحات السياسيين.
يبدو واضحا أن خطاب الكراهية المتعلق بالفيروس قد انتشر على نطاق واسع وتم استخدام مصطلحات مثل -الفايروس الصيني- أو- فايروس ووهان- وذلك شجع على استخدام خطاب الكراهية، إيطاليا قالت، رغم أنها بؤرة الفايروس، أن إيطاليا ستكون أفضل من الصين في التعامل مع الفايروس ويعزى ذلك لإهتمام الإيطاليين القوي بالنظافة بينما الصينيين يأكلون الفئران حية، ونشرت تغريده من أحد السياسيين أن فايروس كورونا هو خطة من الحكومة الصينية للسيطرة على العالم، وتعرض الآسيويين حول العالم للهجمات والتهديدات و الإساءات والتمييز المرتبط بالجائحة الوبائية.
في بريطانيا تعرض الآسيويين للسخرية والضرب والاتهامات، وجمعت في إفريقيا تقارير عن التمييز والهجمات والمضايقات والتجنب، وفي بعض الحالات فرض حجرا صارما تعسفيا على العمال الأجانب دون توفير الرعاية الصحية أو المساعدات المالية. ولم يقتصر التمييز على الآسيويين حيث حدثت حالات هجمات وتمييز وعنف ضد المسلمين وتحديدا مسلمي الروهنجا في ميانمار واستخدم القادة لتبرير الفايروس لتبرير خطابات الكراهية ضد المسلمين، وحتى في الصين التي تعد بؤرة انتشار الفايروس أطلقت حملة لاجبار الأفارقة- تحديدا- قسريا بحثا عن الفايروس وأمرتهم بالعزل الذاتي و قام المُلاك بإجلاء السكان الأفارقة ورفضت الفنادق والمطاعم الزبائن الأفارقة. هناك بعض الأمور والتوجيهات لوقف خطاب الكراهية:
- احترام الآخر وحقة في التعبير عن ذاته وآرائه ومعتقداته وثقافته ومعتقداته دون الخوف من الملاحقة والإساءة والتنميط.
- الأخذ بجدية شكاوى المتضررين والعمل على دعم الحملات التي تحارب خطاب الكراهية وتدينه وتجرمه أيضا.
- تنظيم وسائل التواصل الإجتماعي، حيث أنها أشهر القنوات التي تمرر خطاب الكراهية.
- توعية الضحايا، وتشجيعهم على التبليغ عن أي خطاب كراهية يتعرضون له، لأن ذلك يعد خطوة مهمة للتصدي لخطابات الكراهية.
إذا أردتم نهاية مختلفة عليكم بتغيير البدايات، التنمر يؤثر على الطفل داخليا، يجعله غاضبا، حاقدا، ويولد مشاعر الكره لدية، إلا أن ينفجر الطفل، والإنفجار يمكن أن يكون بعدة أشكال كالإنتحار أو تفريغ الغضب على الآخرين. أو حتى يمكن أن تستمر معه مشاعر الغضب حتى يكبر و يفرغها على أطفاله. من أكثر أسباب حالات التنمر هو الجهل بالإختلاف، الطفل لا يستطيع إدراك معنى تقبل الآخر، لذا إن كان مختلف عنه يبدأ بالتنمر على الآخرين. أشكال التنمر الإلكتروني عديدة و أبرزها هي: الاقصاء، نشر الفضيحة، المضايقة، المراقبة، التجسس عبر الإنترنت، سرقة الحسابات، الحسابات الوهمية، إخفاء الهوية، التحايل، التصيد والمهاجمة. نشهد اليوم عالما مفتوح الأفق، أصبحت المعلومة متداولة بين الأفراد دون أن يحدها شيء وخاصة بعد انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، كونها أهم أداة اتصالية تتيح من خلال التطبيقات المختلفة سواء الأفكار المتطرفة أم خطابات الكراهية. لعل خطاب الكراهية يحتاج لمسارين للتعامل معه، توعوي و قانوني، وتكريس المحبة هو حل يكاد يكون مثالي لوقف خطاب الكراهية. حيث أن الكلمات تقتل مثل الرصاص وجرائم الكراهية يسبقها خطابات كراهية.
يارا النسور